انزوت في ركن قصي من المقھى قبالة لوحة " المونالیزا"،تخلل بأصابعھا شعرھا المنفوش لتوه بآلة ترطیب الشعر،في ذلك الیوم القائظ،بینما تكلفت أصابع یدھا الیمنى بمغازلة ھاتفھا الخلوي مستجدیة رنینا إیجابیا،لكن ككل مرة صوت رخیم یذكرھا بغریمتھا یردد:"إنكم في العلبة الصوتیة..عاودي الاتصال،لاتملي،اتصلي...".تقفل الخط بانفعال وتضع الھاتف جانبا حین أحستبدنو النادل منھا.
- آش حب الخاطر.
-كیف دیما .
-ینصرف النادل مدندنا:( كي دیما،كي دیما،حتى یجي بوكویدمة).
بینما كانت تصدح "أصالة" بصوتھا الشجي داخل القاعة المكیفة:
لو محلفتش إن الثانیة في بعدي سنا/لو مآمنتش إن الجنة في حضني أنا/ مبآش أنا.
دلف شاب في مقتبل العمر،وقد تغیرت سحنتھ بفعل الحرارة الملتھبة في الخارج،وعلامات الإرھاق بادیة على محیاه،أشار إلى النادل ملوحا بیده،فھم ھذا الأخیر الطلب ولبى على الفور.عب الشاب كوب الماء البارد دفعة واحدة،وطلب كوبا آخر قبل أن یبلع آخر جرعة متبقیة،ثم انقض على قھوتھ السوداء،في حین تكلفت ھي بعصیر اللیمون،ترتشف وتتلمظ المرة تلو المرة.
سألھا وشفتاه تغازلان عصیر النفط المستعجل.
- كیف كانت النتیجة؟
- ردت علیھ بغنج ودلال مصطنعین.
- إیجابیة.
بش وجھھ وتھلل فرحا، فأخیرا ستحصل على عمل قار أو وظیفة عمومیة،وتتحمل معھ أعباء الدخان ومصاریف المقھى الیومیة في انتظار أن یمن الله علیھ ھو الآخر بنصیبھ من الدنیا.أما ھي فبقیت عیناھا مشدودتین إلى اللوحة المعلقة فوق الجدار المقابل لھا،فما عادت تدري أتخاطب العینین الحزینتین أم الابتسامة الملتبسة؟.
حین تقدم النادل لاستخلاص فاتورة الحساب،كان الشاب لیزال یحلم تائھا في استیھاماتھ المستقبلیة،وھو یتأمل اللوحة الزیتیة قبالتھ(كلب من فصیلة الرعاة الألمان بلسانھ الأحمر الطویل ونظراتھ المتوقدة وشعره الكث الفاحم).
رن ھاتفھا النقال على الجانب الأیمن من الطاولة،وقبل أن تمد أصابعھا المخضبة بالحناء إلیھ،قالت لھ:
أقصد نتیجة الحمل...
بھت الشاب،وانقض على الھاتف- الذي كان لازال یترنح ما بین تدبدب وومیض- لخنق أنفاس"سمیرة"وھي تكرر لازمتھا بتحد سافر:
مش حتنازل عنك أبدا.
مش حتنازل عنك أبدا.
مھما یكوو...
تعليقات:
