القصيدة ٠٠٠ التي تتحدث عن نفسها-خليل الوافي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

القصيدة ٠٠٠ التي تتحدث عن نفسها

  خليل الوافي    


يصعب التكهن بما يجري من حولي ، تمهل قليلا ، و انظر إلى كلماتي الضائعة في صراخ الورق ، تأمل المقاطع ، و الروح التي تتحرك ببطء بين ثنايا الجمل ٠٠٠ توقف ؛ واترك للوقت برهة للتأمل ؛ وافتح المجال للصور أن تنشرغسيلها فوق حبل بلاغة مهترئة ، أوشك الإهمال أن يسقط ما تبقى من تراكيب الصور ، وإغفاءة سريعة على باب اللغة ، توحي أن القادم من كلمات تفتقر إلى شعرية المكان ، وإرتجالية خائفة من نبض شارع ؛ يتوسد العبارات الملغومة في تصاعد وتيرة الإحتجاج ٠
أقف هناك ، على الجانب المهمش من دفتر المدرسة ، أو فوق مكتب عاشق يتسول الألفاظ المنمقة من رسائل الحب القديمة ، أعجز عن قراءة نفسي ؛ عندما يشتد بي الحنين إلى مهد اللغة ، والأشعار الصاخبة في أسواق الكلام ٠٠٠ نذرة البوح تشوش على جمالية الإحساس بالأشياء ، ووميض إشعاع باهث يبدو في الأفق كعلامة استفهام عن شكلي الضائع في حداثة عاجزة أن تعبر عن نفسها ، و تنقذ ماء الوجه من محنة شاخصة في عيون من صادف قصيدة ملفوفة في مواد البقالة ، و يتطاول الكلام الرخيص على شهد العبر الصادقة في بادية الأماكن المتلاشية في مهب الريح ٠٠٠أستعرض ألواني الشاحبة تحت ظل شجرة الصبار ٠٠٠أتصبب عرقا من فرط الحرارة التي تحرق رموش الألفاظ المكتوبة بغربة المعنى عن محتوى العبارة ؛ هي الخسارة الواضحة التي أتلقاها في نوادي العجم ، يكثر التصفيق في مهرجان اللغة ؛ حيث تغيب لغة الضاد عن مسرح الفاجعة ، و المتهم معروف و الأدلة مشبوهة لا تقف على ناصية الحقيقة ؛ تركب بغلة العراق في اتجاه صنعاء المآذن الصاعدة إلى تخوم التوبة ، و الطهارة من عبق السلالة النادرة٠
ماتزال أمّ الرواة ٬ تحفظ عن ظهر قلب إرث حمولة يكسوها الغبار ، أخرج الآن من فترة نقاهة واستسلم لوعاء القدر ؛ حيث تبدو معالم العولمة تفسد ما أبدعه الفنان ٬ و تشوه براءة المحكي ، و تبيد أشكال الحياة الثقافية للشعوب وسط كذبة يتحمل الجميع عواقبها الوخيمة في تدهور أوضاعنا الجمالية ، و انصهارها في قيم لا ترحم ٠
أريد شعريتي الجاهلية ، أخبئ إرهاصاتي الأولى عن صفاء الروح في كتابة قصيدة تحمل واقعا مشبعا بكل تجلياته و مقومات الكتابة الشعرية ، وتترجم شعور القبيلة و حماستها في استمرارية التلاحم و التلاقح الثقافي بين روافد الإبداع الشفهي و الحكواتي ، والتي تميزت به شبه الجزيرة العربية ٠
في غضون هذا الواقع المتردي ، الذي تعيشه الكتابة الشعرية ، وتحمل وزر قصيدة التي لم تعد تفرض نفسها ، ولا نوع الموضوعات ، و الإهتمامات التي انزلقت تباعا عن مسرح الأحداث ، وانزاحت تخوض في جزئيات الزأبقية الغارقة في غموض كلي أو جزئي ، و تناست أن القصيدة خميرة تجربة حياة ، وانتقاد لهذا الواقع الذي يشيخ كل يوم ، ولم يعد المجال ممكنا لوضوح الشعرية الإبداعية في إلتقاط الصور ؛ التي توضح إحساس الشاعر الذي يمتلك مفاتيح القصيدة ؛ وليس العكس ٠
ثمة من يعتقد أن القصيدة تكتب نفسها بنفسها ، وترصد أشيائها الخاصة من خلال تجربتها الطويلة في المتن الشعري العربي ، لكن الظروف الصعبة التي تمر منها تضع عوائق الكتابة مستحيلة في خلق فضاء شعري ينسجم و المرحلة التاريخية التي يمر منها الفكر العربي برمته ؛ و هذا يوحي أن واقع الكتابة الشعرية مع أطراف الكتابة العربية التي أفرزتها المراحل المتتالية من الأدب العربي في فترات أوجهه، وأخرى عند تعثره ، وبين هذه المسافة ما يزال بصيص الأمل يوشي بعودة الكتابة الشعرية إلى مناطق خصوبتها ، التي تحولت إلى صحراء الكتابة الشحيحة.



 
  خليل الوافي-المغرب (2012-08-11)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

القصيدة ٠٠٠ التي تتحدث عن نفسها-خليل الوافي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia