الحنين إلى مدن الوجد العربي بين الحلم والرؤيا، قراءة في ديوان الشاعر جمال بوطيب : "أوراق الوجد الخفية"-عبد القهّار الحَجّاري-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

الحنين إلى مدن الوجد العربي بين الحلم والرؤيا، قراءة في ديوان الشاعر جمال بوطيب : "أوراق الوجد الخفية"

  غلاف ديوان "أوراق الوجد الخفية"    

يثوي الحنين في تباريح الوجد، وبين ثنايا القصيد، في ديوان الشاعر جمال بوطيب "أوراق الوجد الخفية"، ناضحا بالشوق المضمخ بالتلوين الباهر لعوالم المدن التي يسري عبقها في شريان النص الشعري، متأرجحا بين حضور افتراضي متحرر من "سطوة الزمان ..وجلال المكان" ونزوع استشرافي، يصبو فيه الشاعر إلى أن يرى ما لا يراه غيره. ولا نمسك بنجوى الحنين في تفاصيل الخلايا الشعرية المفعمة بنغمية غنائية رقيقة في نصوص "كراس المديح" المكونة من خمس قصائد لوحدها، بل تكاد بقية النصوص الأخر أن تجهش بهذا الحنين الآخذ في التنامي كلما أوغلت في عمق الديوان المكتوبة قصائده إلى حدود سنة 2006. في هذه "الأوراق "يقع الحنين إلى مدن الوجد العربي بين الحلم والرؤيا. في الحلم وهج الجمر وبهاء الزهر، وفي الرؤيا توق إلى الآتي الجميل، بفعل الاستشراف المستند لدى الشاعر إلى رؤية للعالم متناغمة ومنسجمة ضمن فلسفته العاشقة للحياة المتطلعة دائما إلى غد مشرق. 

يزخر ديوان الشاعر جمال بوطيب "أوراق الوجد الخفية" بالحنين باعتباره فيضا من المشاعر المتداخلة ذات ارتباط وجداني وثيق بفضاءات معينة بعيدة شهدت تجربة إنسانية في الماضي (مدن الوجد العربي). وأصبح لها حضور حميمي في الذاكرة. يمارس الحنين – هنا- جاذبيته على الذات نحو تلك الفضاءات متراوحا بين الغضب والفرح، بين الشوق واللهفة والرغبة في السفر إلى الأمكنة التي تشد الشاعرَ إليها، بين الانبهار واسترجاع صور الماضي فيها. يتأرجح الحنين بين تجرع مرارة الفرقة والبعاد والانتشاء بلحظات جميلة، جديرة بالحياة، بين الأسى والأسف على الحال المتسم بالقهقرى والمآل المرتقب الباهر بوهج الأمل... وينضح الحلم في الديوان بتداعيات مسترسلة للصور الشعرية التي تنداح بلغة مفتونة بالاستعارات والمجازات. مسحورة بنفح المكان والتاريخ، والرمز، تتوسل بالحسي لتسمو إلى الرؤيا.
1-    أوراق من كراس المديح وكراسات أخرى
يخص الديوان "بعض مدن الوجد العربي" بهذه الرحلة الحميمية الحالمة والمستشرفة للآتي. وقد مهد لها بعتبة عنونها بـ "خمس أوراق من كراس المديح"، وضم الكراس :
-    الوقة الأولى: فاس
-    الورقة الثانية: وهران
-    الورقة الثالثة: القاهرة
-    الورقة الرابعة: بغداد
-    الورقة الخامسة: بيروت
ومع ذلك لم يحصر الشاعر حبه الذي بلغ مرتبة الوجد في هذه المدن العربية المذكورة، فهي بعض من كل، في العتبة/ الإضاءة التي صدر بها للقصائد الخمس، وذيل الإضاءة بعبارة: "كراس المديح الطبعة العاشرة بعد الألف"، ليحن "مع كل الأحبة إلى... بعض مدن الوجد العربي..." . إن هذه المدن كثيرة بالطبع. اختار بعضا منها لهذا الحنين الثاوي -كما أسلفنا- في نصوص الديوان الأخرى أيضا. انطلق الشاعر من فاس، في رحلته الحالمة المسكونة بهاجس قبس الاستشراف. ومر بوهران فالقاهرة، ليصل إلى بغداد وبعدها بيروت. تحضر في نصوص الديوان "سعيدة" الجزائر و"بصرة" بغداد و"خليل" و"حيفا" فلسطين. وتحضر بغداد الحزينة بثقلها في نص "لك هذه الصلاة" الذي صدّر له الشاعر بعتبة جاءت أسفل العنوان وجاء فيها توصيف : (الورقة الأشد إيلاما في كراس الرثاء)، حيث جاء حضورها عبر التاريخ الذي تكثفه القصيدة من خلال توظيف الدلالة الرمزية لـ"بابل". وفي "مرارة النبت"(ورقة باسقة في كراس الخشوع) تحضر مدينة وجدة من خلال توظيف "الوادي الناشف" وهو واد فوقه قنطرة غرب المدينة، لكنه جاف ليس به ماء. وحضوره في النص يقوي إحساس الشاعر بالمرارة والجفاف. وقد أعار الوادي الناشف سماء الوطن العربي مرارة النبت فأمطرت زخات بطعم الموت.
2-    جناح الحلم وأفق الرؤيا: الطوفان القائم والقادم
الواقع ما قبل الربيع العربي مؤلم يبعث على الاستنكار والإدانة. ويشحذ عزم الشاعر على الخلق والخرق واستعارة مرارة النبت وتحويلها إلى عطاء غزير كعطاء الغدير... في قصيدة "سأوقف خطواتي" وصفها الشاعر بـ(ورقة وفية من كراس الخيانة) يحضر الواقع العربي والقضية الفلسطينية من خلال مدينة القدس. ويأتي الإعلان عن الغضب قويا صارخا بالموقف الرافض للتردي العربي، والتردي سمة تطال واقع الشعر العربي أيضا، لبعده عن القضايا الحقيقية للأمة :
كل قصائدنا
      مزورة
     حطيئة لو هجا حبَشا
أو دس
في عين الفيل
     قافية
ما كان ينقذ قدسا
        ولا كعبة"
  وفي نفس القصيدة تحضر بغداد من جديد عبر "العامرية". ويدخل الحنين إلى مدن الوجد العربي في قصيدة "في مدن الحلم"،كما في نصوص أخرى من الديوان ليمتطي عنان الحرية في جناح البحر ويرسم آفاقا دلالية رحبة للقصيدة. كما يجنح إلى قبس الرؤيا ليكشف الطوفان القادم :
"في مدن الحلم
التي هدها الطوفان
   أرى ما لا ترون
            أسمع
       نوح القيثارة
              ترثي المأوى
                  والأهل والحمى"
يعلن الرثاء عن مراسيمه بنواح القيثارة ونغمها الحزين. تحلق القصيدة بالقارئ على متن الحلم. ويمتطي الحلم جناح البحر في رحلة يلوذ بها الشاعر كي يصل إلى الكشف المنشود. يقف الطوفان القائم – هنا- في مقابل الطوفان القادم. يتمثل القائم في التمزق العربي، والموت والدمار والحرب والنزاعات والمعاناة الإنسانية. وينخرط الشاعر في حلمه ليبحث عن الآفاق المجهولة للحاضر الحالك. يبحث عنها في عيون سبايا الموت. ويستشرف الآتي ليخبره عن الطوفان القادم الذي يجهز على المقامر بالوطن وعلى الفرد القابل للخرس المستسلم للخنوع ويقضي على سلطة المحقق والسفاح:
"أبحث
عن طوفان
يجر المقامرَ
والمخرسَ والمحقِق والسافك
عن كل ما أرى وما لا ترون
عن بسمة القيثارة
تزف بشرى الحصاد
وعودة السنونو
وغربة الأهل
           وإباحة الحمى
                   وتشرد المأوى"
3-    رمزية الربيع واستشراف غد المحال
أصبح الربيع في الأدبيات السياسية اليوم وبعد ثورة الياسمين وما تلاها من تغيير في البلدان العربية رمزا للتحول التاريخي، لثورة الشارع العربي وشبابه التواق إلى التغيير وبناء غد أفضل. ويتحول الربيع في الوطن من خلال "الورقة الأولى: فاس" إلى (فصل لا أمان فيه). وليست فاس في الديوان فاسا واحدة لكنها ثلاث: فاس المؤرخ بائسة، وفاس الشاعر حالمة- مستشرفة، وفاس فاسَ قوية تواقة. لكل فاسه المختلفة. فاس المؤرخ عارية، لا تعرف إلا البكاء والهروب في دهاليز النسيان، إذ تلوذ بصدر النبيذ. صارت ضعيفة حيث تراجع فيها الحب - بتعبير "زهرة المدائن"- و"غاب عنها الرب" بتعبير الشاعر. ذات حضور سلبي ومنفعل. فاس أصلها فأس بالهمزة التي ضاعت من اسم المدينة، فعبر الشاعر بضياع الهمزة عن اللين والضعف. وتختزل الفأس كل معاني القوة والحدة والفاعلية. بينما تصبح فاس المؤرخ في القصيدة لا حول لها ولا قوة. لا تملك إلا الشكوى التي تتجاوز البوح إلى إفشاء وخيانة السر (والبوح خان، سر النشيد). فلا يتمكن النشيد – هنا- من تعدي معاني الحماس والفخر والعظمة إلى النصر وتحقيق الرؤيا، بسبب هذا الوهن والسلبية والانفعالية التي تتسم بها المدينة العربية من وجهة نظر المؤرخ الذي يتقن اقتناص اللحظة السياسية، لكن بغير روح استشرافية. أما فاس الشاعر فإن حالها قد استدعى تناصا ذكيا مع الآية التي خاطب الله فيها السيدة مريم بقوله تعالى: "وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا" . فتكون فاس بهذا التناص الذي عمد إليه الشاعر موعودة بولادة جديدة من أجل تحقيق الممكن الذي كان يبدو مستحيلا. وهو تناص أراد به الشاعر إعادة صياغة استشرافه للواقع العربي بلغة شعرية عميقة تربط بين الحال والمآل، بالارتكاز إلى المقدس والتاريخ والعلم أيضا، باعتبار رمزية فاس العلمية وما تشير إليه عبارة "جذع الأبجدية" في القصيدة من دلالات مرتبطة بهذه الرمزية :
"فاس...
هزي إليك
بجذع الأبجدية 
      تسّاقط عليك حروفا
     اهمزي الألف
                         والواو..
                        وما لا يهمز.."
ويمطر النص فاس بتكرار فعل الأمر من (كان)، لتحقق فاس كينونتها المغايرة المنشودة، حيث وظف فيها الشاعر فصلي الشتاء والربيع توظيفا مثيرا. يدعوها لتكون جميلة شهية وبهية مثل "كرز الحسان" شتاءً. ولتكون كما تريد هي أن تكون، متجاوزة لحالها القائمة إلى الحال المأمولة الجديدة ربيعاً.
"كوني شتاءً
       كرز الحسان
كوني غير التي بالأمس
         فصلها كان
كوني أنتِ
لم يعد الربيع ُ
في وطننا
            فصل الأمان"
وأما فاسُ فاسَ فإنها تعبر عن وعيها بذاتها. وهو وعي حقيقي غير زائف. قوية وتواقة. ومع ذلك تعترف بأنها ليست على الحال التي تريد أن تكونها. إنها تستأثر بزهور الربيع كلها، ولا تدع شيئا للمدن الأخرى. أزهار الربيع جميعها من حظ فاس. إنها قبلة المحبين، تبث الحب حتى في القلوب الجافة. لكن النساء رمز الخصب والعطاء يتملكهن الخوف من البرد والجذب شتاءً. وبنفس القدر يتهيبن من هجوم الربيع في فضاء "زلاغ"  باذخ الخضرة. ويمارسن عشق الحياة في فضاء "ميموزا" المخملي المعشوشب بفاس الذي تؤمه النسوة للاستراحة ونسيان التعب والملل. وبين الهيبة والعشق، تتمنى فاس لو أنها تكون كما أرادت هي، يؤمها السلام والحب. لكن فاس الحاضرة ليست هي فاس المأمولة الغائبة، إذ"ليست فاس ما تسمع.....إن فاس ما ترى".   
غابت تونس عن "كراس المديح" المخصص لمدن الوجد العربي، المكتوب قبل الياسمين بأعوام. كما لم يذكرها الشاعر في أي من نصوص الديوان الأخرى، بينما حضرت فيه فاس التي قالت عن نفسها بلسان الشاعر:
"وأنا ربيعا
صادرت الزهور
وعلى عجاف القلوب
شتاءً نثرت
                 زخات المطر"
 ومقابل ذلك لم تغب فاس – في الواقع- عن الربيع العربي، وهي قلعة الحراك الشبابي – الطلابي منذ نصف قرن ونيف. حضرت من خلال شارعها وساحاتها الطلابية بالتفاعل مع اعتمالاته وتطوراته. ولنا أن نتساءل : فاس الشاعر في "أوراق الوجد الخفية"، باحتكارها للزهور، وبجعلها الربيع فصلا غير آمن، هل كادت أن تخضع لاستشراف يريدها أن تطلق زهرها فيما سيأتي من أحداث وتحولات ستسمى لاحقا بالربيع العربي؟ هل خبأ هذا الاستشراف ياسمين تونس عن العوالم الشعرية للديوان كي تصادر فاس كل الزهور؟ وهل أدت فاس دورها في "غد المحال" العربي ؟ أم لا زال الربيع ينتظرها؟
تنبئ "الورقة الثالثة: القاهرة" عن اللحظة التاريخية التي ستشكل منعطف التغيير، برؤيا ثاقبة كثفها الشاعر في "البرق المباغت" والمقابلة بين الأمس و"غد المحال". يخاطب الشاعر القاهرة قائلا:
"لا تسألي...
ألقُ السنابل
هزّهُ
برق يباغت أمسنا
     بغد المحال ْ
والقلب من شرر
العيون
تلا السفاهة
            والنباهة
                     واستقال" 
4-    اغتيال الركح وقتل الإبداع
تعرض"الورقة الثانية: وهران" لاغتيال الركح وقتل الإبداع، من خلال اغتيال الفنان المسرحي الشامخ عبد القادر علولة سنة 1994 الذي كان قد أخذ يؤسس لفن مسرحي راق ومتنور. وكانت شعبيته تتزايد في الجزائر يوما عن يوم منذ أواسط الثمانينيات، وهو ما أرعب أعداء الإبداع والتنوير. فامتدت يد الغدر إليه. ويوظف الشاعر رموزا تاريخية جزائرية، لاستنفار الذاكرة الجمعية المناضلة والمكافحة ضد الظلم والاستعمار، والتعبير عن الغضب من جراء فداحة الخسارة التي خلفتها العمليات الإجرامية التي طالت المبدعين في الجزائر، فيما يعرف بالعشرية السوداء (1991- 2000) التي شهدت اغتيال الفنانين والسياسيين ومنهم الرئيس محمد بوضياف والفنان الشاب حسني إلى جانب المسرحي عبد القادر علولة. ويوظف الشاعر صنفين من الأَعلام: أعلام شهداء ثورة التحرير بالجزائر، وهم : العربي بن مهيدي، أحمد زبانة وجميلة بوحيرد. وأعلام أمكنة، : حي "بلاص دارم" وهي ساحة بوهران وحي بمدينة عنابة، "لاميري" و"سعيدة" وحي "الحمري" في وهران. اغتيال الركح عبرت عنه عتبة نثرية للنص معنونة بـ"غضب" وتساءل الشاعر في هذه العتبة : "ما الذي يبقى من المسرح البلدي، ومسرح الهواء الطلق بـ"وهران" بعد سقوط الشامخ "عبدالقادر علولة" الذي وهو يوارى التراب غدرا، رأيت...
المسرح البلدي السامق يتهاوى.....
وخضرة كراسي مسرح الهواء الطلق قد صارت بلون الحصاد" 
لقد رأى الشاعر اغتيال الركح وقتل الإبداع. فخاطب جبهة البحر ... رمز الطوفان القادم الذي سيسمى لاحقا بالربيع العربي. ويستعير الشاعر نفس التناص السابق في مطلع القصيدة :
"جبهة البحر...
زجّي بالرُّسغ
في طَرَف الصّبوة
تَنتَفض
محجّاتُ "العربي بن مهيدي"
وأحمد "زبانة"
5-    رسالة السلام وزغرودة للآتي  
تتحول "الورقة الرابعة: بغداد" إلى رسالة سلام تدعو لحماية الطفولة وحلمها الجميل بغد آمن زاهر. تغني القصيدة للسلام في بغداد، بزخم موسيقي منتظم المقاطع والجمل، يبوح بلحنه وإيقاعه، كأنما كتب الشاعر بين ثنايا سطورها جملا موسيقية محبوكة بنوتة بارعة محترفة تفجر طاقة نغمية داخلية هائلة. تقترب هذه القصيدة من النشيد. فهي بمعنى ما نشيد للسلام، للحنين إلى بغداد الآمنة.
"هذي رسالة
قبلة
أبدية
عنوانها
                  لحن حياة قادم
إن ترغبوا
في الرد عنها
فالثموا
كل الفراش
وكل زهر
               واحلموا"
وبمثل هذا النفس الشعري المفعم بموسيقى النشيد، تعلن"الورقة الخامسة: بيروت" عن تجدد الحياة عبر صرخة الوليد وزغرودة الرضيع، بالرغم من الرصاص. إن بيروت واقفة من دون بكاء. ستظل صامدة. يكشف الاستشراف - هنا- عن استمرارية هذا الوقوف الصامد. ويأخذ الاستقبال صيغة النفي في مطلع القصيدة لتأكيد الشموخ، نفي الفعل الذي يحمل دلالة السقوط (لن تبح الأصوات، لن تهادن الحناجر). وتطلق للغد زغرودة، (لرضيعك... زغرودة الآتي). فينتهي زمن الرصاص. يتعزز هذا الاستشراف في النص برؤبا الشيخ: 
  "لأن شيخك
             قرأ
            في كتب السلف
           منقوش إسورة
          يقول:...
(أنا بيروت...
               واقفة،
                     إن تبكوا
                                        أكبو)
ولا يتوقف افتتان الشاعر بالأفضية الساحرة والأماكن التي أصبحت تكتسي صبغة رمزية. فينقلنا إلى مغارة جعيتا  الساحرة، وبطن خبث  مضرب الأمثال في غلاء المهور:
"لفطيمك...
                                       أن يذكر أنه
                                      قرب القلبِ
                               بمغارة جعيطةَ الحبلى
                              لثمَ خدّك الأحلى
                                  وباع ما تبقى من
                                                          جَلَد
                                      ليجعل من أسدِ
                                     بطنِ خَبْث
                                     مفخرة أغلى

لا تتوقف قراءة نصوص "كراس المديح" من ديوان الشاعر جمال بوطيب، لأنها حبلى بالدلالات العميقة. ولا ينتهي رصد أنفاس الحنين إلى مدن الوجد العربي الممتطي صهوة الحلم، الممتشق قبس الرؤيا في "أوراق الوجد الخفية". وحسبنا أننا أثرنا السؤال لاستثارة البحث عميقا في مغالق الدلالة الشعرية المتيمة بالانتماء لخارطة الوطن العربي، المحملة بنفح التاريخ وشواهده، المرتبطة برمزية الأسماء. وقدمنا هذه القراءة للحنين في "أوراق الوجد الخفية" في أفق قراءات أخرى لاحقة للديوان، باعتباره منجزا شعريا إبداعيا دخل الحداثة الشعرية وزاده مثقل ينوء بحمولات فكرية ومعرفية تراثية عميقة قل نظيرها.



  هوامش:
1- بوطيب جمال.. أوراق الوجد الخفية. فاس،: منشورات مقاربات. (الطبعة الأولى 2006، الطبعة الثانية 2010)
2-الرؤية غير الرؤيا. الرؤية في اللغة النظر أو زاوية النظر، وفي الاصطلاح النقدي ارتبطت "الرؤية للعالم" بالبنيوية التكوينية، ومفادها أن كل عمل أدبي تحكمه رؤية معينة للأشياء والواقع والعالم. أما الرؤيا فنعني بها القدرة على الاستشراف والكشف. وهي عند المتصوفة ملكة ربانية، لا يبلغها إلا الصفوة من عباد الله.
3-"أوراق الوجد الخفية" ص 4
4-المرجع السابق، ص 53-54
5- نفسه، ص 27
6-نفسه، ص 30
7-سورة مريم، الآية 24
8- "أوراق الوجد الخفية" ص 6
9-نفسه ، ص 6
10-"زلاغ" جبل مطل على مدينة فاس شمالا، يتميز بخضرته وأشجاره وطبيعته الخلابة، يقصده السكان في فصل الربيع للاستمتاع بمناظره الجميلة.
11- "أوراق الوجد الخفية"، ص 7- 8
12-نفسه، ص 7
13-نفسه ، ص 12
14- نفسه، ص 9
15- تحيل عبارة "الجبهة" هنا إلى حزب جبهة التحرير الوطني الذي ارتبط تاريخيا بالمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. وهو الحزب الحاكم في الجزائر.
16-"أوراق الوجد الخفية"، ص 9
17-نفسه، ص15
18- تعتبر مغارة جعيتا أسطورة حقيقة حية من التشكيلات الطبيعية التي خلفتها التعرية، وتقع في وادي نهر الكلب على بعد نحو 20 كلم إلى الشمال من بيروت.
19- جاء في لسان العرب أن "الخَبْتُ (أو الخَبْثُ) ما اتسع من بطون الأرض عربية محضة وجمعه أخبات وخبوت (...) بين المدينة والحجاز صحراء، تعرف بالخبت" ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، مادة خبت، ص 1087 عمود2.
وبطن خًبْت أو خَبْث مكان قرب مضارب قبيلة خزاعة في مكة وأحوازها وكان فيه أسدٌ يسمى داذاً وحيةٌ تُدعى شجاعاً، لم ينج من بطشهما كل من وصل هذا المكان. وقد تمكن منهما وقضى عليهما الشاعر بشر بن عوانة العبدي، وقام بذلك بطلب من عمه، كي يكون ذلك مهرا لابنته التي طلبها بشر للزواج. ولم يكن العم يرغب في تلبية طلب بشر، إذ كان هذا الأخير صعلوكا، فدبر له هذه المكيدة ليلقي به بين براثن الهزبر وسم الحية فيتخلص منه. لكن بشرا قضى على الأسد والحية. فكبر في نظر عمه وقبل به زوجا لابنته... انظر أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني، "المقامة البشرية"، "مقامات بديع الزمان الهمذاني"، شرحها ووقف على طبعها محمد محي الدين، المكتبة الأزهرية، مطبعة المعاهد، مصر 1923، ص 434
  عبد القهّار الحَجّاري-المغرب (2012-09-05)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الحنين إلى مدن الوجد العربي بين الحلم والرؤيا، قراءة في ديوان الشاعر جمال بوطيب :

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia