بمقال الباحث المغربي د. عبد النبي ذاكر: (أدب الهجرة السرية: تجارب مغربية معاصرة)، تَمَّ تصدير المجلد 27 من العدد 105 للمجلة العربية للعلوم الإنسانية التي يصدرها مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت. والمقال عبارة عن دراسة ـ حاول فيها الدارس ـ رصد مفاصل خطاب الهجرة السرية المغربية من خلال اليوميات والمتخيل الروائي، على خلفية تجارب الجيران الإسبان في الضفة الأخرى لمضيق المتوسط، حيث كانت تقِلُّهم قوارب الموت إلى شتى أصقاع المعمور، حتى أصبحوا شعباً لا تغرب عنه الشمس. ولعل أهم الأسئلة المطروحة في هذه الدراسة، يمكن إيجازها في الآتي: أين تلتقي التجربتان ـ الإسبانية والمغربية ـ باعتبار أن الهجرة السرية من الناحية الفينومينولوجية تجربة كونية، ومأساة إنسانية تكاد تكوِّن أبرز ملاحم العصر؟ وأية رؤية هذه التي تجعل جراح الموت بلْسماً للحياة؟ وكيف نستخلص العبرة اليومَ من دروس الأمس القاسية؟ ولماذا لا يقوى سِحر الآخر على مغالبة حنين الذات، فتبقى غواية المغايرة رحِماً لانبثاق حُلم معلَّق بين السماء والأرض؟
كما تضمن العدد المذكور دراسات وأبحاث قيمة منها واحدة عن: (المستشرق الألماني ماكس مايرهوف (1874-1945) وتراث الطب العربي الإسلامي) أنجزها الباحث أحمد السري لتبيان قيمة المستشرق المذكور ضمن أهم الأسماء المرجعية الغربية التي صنفت في تاريخ الطب العربي الإسلامي، وخاصة انشغاله بالإنجازات الطبية لابن النفيس (ق7هـ). وتكمن أهمية هذا البحث في محاولته سدَّ النقص الحاصل في سيرة حياة الرجل وإسهاماته العلمية وشهاداته المنصفة حول منجزات الطب العربي الإسلامي.
وثانيها دراسة للباحث إبراهيم خليل عن: (استقبال النظرية: مثلٌ من نحو النص). وفيها عمد إلى فحص بعض التطبيقات العربية لنحو النص أو ما يطلق عليه: علم النص أو قواعد النص ترجمةً للمصطلح الإنجليزي (Text Grammar )، ومن تلك التطبيقات كتاب (بلاغة الخطاب وعلم النص) لصلاح فضل، وكتاب (لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب) لمحمد خطابي، وكتاب (نسيج النص) للأزهر الزناد، ليخلُص إلى نتيجة مفادها أن إسراف تلك التجارب في التنظير والاقتباس، أحالها إلى ضرب من الترجمة، كما أن الاقتصار على نص واحد في التطبيق أسقطها في الانتقائية.
وتحت عنوان: (مظاهر استبطان الذات في شعر كمال ناصر)، جاءت ثالثة الدراسات للباحث إبراهيم نمر موسى، الذي ركز في مقاربته السيكولوجية لشعر كمال ناصر على ما أسماه بـ"الاستبطان الذاتي"، لملاحظة العمليات العقلية والنوازع النفسية الباطنية للشاعر، وقد اتخذت لبوسا فنيا ورمزيا للتعبير عن الأزمة النفسية والوجودية للذات الشاعرة، وهي تحاور واقعها التاريخي.
وخاتمة المقالات، دراسة للباحث محمود سلامي تحمل عنوان: (إعادة تقويم نظرية التلقي واستجابة القارئ النقدية). وفيها تطرق إلى أهمية نظريةُ التلقي واستجابة القارئَ النقدية، التي ما تزال ضرورية حتى عصر الأنترنيت هذا، حيث تُستَرجعَ المعلومات مِنْ الكُتُبِ أَو الحاسباتِ، لكن يبقى الإنسان هو المورِّد الأول للمعاني في العمليةِ الديناميةِ للتفسيرِ. و تكشف هذه المقالة خفايا قوَّةِ القارئِ في النَصِّ، ومجمل ديناميةِ عملية القراءة نفسها، وكَيف تتم عملية صياغة المعاني وإعادة صياغتها مِن قِبل القرّاءِ.