الاحتفالُ بمِئَوِيَّة الأديب والشَّاعر مِتري نَعمان-طنجة الأدبية
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
متابعات

الاحتفالُ بمِئَوِيَّة الأديب والشَّاعر مِتري نَعمان

جرت في مركز دار نَعمان للثَّقافة ومؤسَّسة ناجي نَعمان للثَّقافة بالمَجَّان الاحتِفاليَّةُ الخاصَّةُ بالمِئَويَّة الأولى لولادة الشَّاعر والأديب مِتري نَعمان (1912-2012). وقد أُلقِيَت كلماتٌ في المناسبة لكلٍّ من المُنسِنيور جورج يِغيايان، والأديبِ البروفسُّور مُنيف موسى، والرِّوائيِّ جورج شامي، والسَّيِّدة سعاد نَعمان القارِح، والمُعَلِّم شاكر الشّماليّ، والعلاَّمَة الدُّكتور سُهَيل قاشا، والأديبِ الدُّكتور أنيس مسَلِّم، والمُحامِيَة حنان نَعمان، والأديبِ الدُّكتور إميل كَبا، والشَّاعر والأديب رياض حلاَّق، والأديبِ والخطيب جورج مْغامس، فيما ختمَ ناجي نَعمان، صاحبُ الدَّار والمؤسَّسة، بكلمة شُكرٍ داعِيًا الحُضورَ إلى افتِتاح مكتبة المَجموعات والأعمال الكامِلَة وافتِتاح صالة متري وأنجِليك نَعمان الاستِعاديَّة.
هذا، وقدَّمَ المُشارِكين في الاحتفاليَّة أميرُ الزَّجَل الشَّاعر الياس خليل، وجرى بعد افتتاح المكتبة المتخصِّصة والصَّالة الاستِعاديَّة نخبُ المناسبة وتوزيعٌ مجَّانيٌّ لكُتُب الدَّار والمؤسَّسة، منها ثلاثُ كتُبٍ في صاحب المئويَّة، هي: "متري نعمان: الرَّجل والمآثر" للدُّكتور ميشال كعدي، و"متري نعمان بأقلام قارئيه وعارفيه" لمجموعةٍ من المؤلِّفين، و"مع متري وأنجليك" لناجي نعمان.
***
في كلمة المُنسنيور جورج يغيايان نقرأ:
"مِتري نَعمان: عَطِيَّةٌ من السَّماء إلى الأرض؛ عَطِيَّةُ أبُوَّةٍ مسؤولةٍ مُكلَّلَةٍ بعَرَق الجَبين ونَبَضات القلب إلى آباء اليوم والغد؛ عَطِيَّةُ المَطبعة البولُسيَّة، ورسالَتِها، إلى عُشَّاق الحَرف وقُدسيَّة الوجود الكونيّ؛ عَطِيَّةُ لُبنانَ الثَّقافةِ والحضارةِ إلى العالَم العربيّ".
***
ومن كلمة البروفسُّور مُنيف موسى نقتَطِف:
"إليه الشَّقاوةُ والنَّداوةُ والنَّجاوة، في اللَّسَنِ واللِّسان. واللُّغةُ عندَه مقدَّسُ كنزٍ وأصالةُ بيان. ومتعدِّداتُ اللُّغات عُدَّتُه وعرائسُ جنان... ومِتري نَعمان، يزنُ الكَلِمَ بالدِّرهمِ والقيراط. فميزانُه من ذَهبٍ ومَرجان، واللُّؤلؤُ نثرُ إيقاعِ فرسِ رهان، والفارسُ مِتري، والرِّيشةُ بين أنامله فارسيَّةُ التَّرقين على تجويد خطٍّ ونَقْط!
"وفي مُلازمتِه صَحابةُ الأنداد، هو خامسُ كبارٍ تعارفوا فتآلَفوا: الأبُ نقولا أبي هنا المخلِّصيّ، مترجِمُ لافونْتين بالعربيَّة، والأبُ الأديبُ حنَّا الفاخوري، العلاَّمةُ البَحَّاثةُ النَّقيب، والأبُ يوسف دُرَّة الحدَّاد، المعروفُ باسم الأستاذ الحدَّاد، اللاَّهوتيُّ العلاَّمةُ في علمِ القرآنِ والحديثِ وعلمِ الكلام، والفنَّانُ أرتورو أُرْتيس الَّذي أبدعَتْ ريشتُه "بورتْريه" شعراء العرب وأدبائهم، وهو معهم النَّجِيُّ الحفيّ، واللُّغويُّ النَّحويّ، والتَّحديثيُّ التَّطوُّريّ...
"وله من الرَّهبانيَّات اثنتان حملَتا الدِّينَ والدُّنيا والفكرَ والأدبَ واللُّغةَ مشرقًا مسيحيًّا إلى دُنيا العرب والعالم، وهما الرَّهبانيَّةُ المخلِّصيَّةُ والجمعيَّةُ البولُسيَّة. فكان راهبًا علمانيًّا في ديرٍ عَيليٍّ محصَّنٍ بالصَّلاح والتَّقوى.
"وتمَّ الكلّ، بملائكيَّة (أنجِليك) خلبَتْ منه القلبَ والعقلَ والوجدان. فكان الحنانُ خصبًا في بنينٍ وبنات، وهُمْ سماويُّون، وناجي بينهم قلادة، وأمينُ تراث، وحاملُ أختامِ أبيه وأقلامِه والقراطيسِ والطّروس. وخيرُ الآباءِ في خيرِ العيال، وآلُ نَعمان الآراميُّون اليَعرَبيُّون اللُّبنانيُّون، أصلاءَ هُمْ، فسلامٌ عليهم، وعلى مئويَّةِ رجلهِم الكبير. وباركَ اللهُ الحَسَبَ والنَّسبَ. ورعانا جميعًا، وطيَّبَ مثوى مِتري نَعمان مُنَوِّرًا في دُجى قبره".
***
وجاءَ في كلمة الرِّوائيّ جورج شامي:
"أبرزُ ما في هذه المئويَّة أنَّ شاهدًا من صلب متري وأنجِليك، شهد.. بالشَّمِّ شهد.. بالضَّمِّ شهد.. باللَّمس شهد.. بالقُبَل شهد.. بالغنج والدَّلال شهد.. بالجهر شهد.. وبالرُّؤية المجرَّدة شهد... لذا جاءت شهادته تبزُّ كلَّ الشَّهادات!
"هكذا بدأت الحكاية... وكان ما كان بالحقِّ لا بالزُّور، ولا بالبهتان! ومَن أفضل من النَّجِيِّ ناجي يجلسُ في رواق الرَّاوي ويقصُّ الحكاية. مَن أفضل منه وأكثر قدرةً واقتدارًا وكفايةً في نَبش الذِّكريات، والبحث عن المُنَمنمات، والحفر في خبايا عتَّقَها الزَّمان ونامَ عليها! مَن أفضل منه يُحسنُ إظهارَ ما يشاء من المَحاسن، ويَخفي ما يشاء من الهَنات، ويتستَّرُ على ما يشاءُ من الكبوات، ويحتفظُ بما يشاءُ للذِّكرى وللدِّفء وللوفاء، ويتظارفُ، ويتطارفُ، ويتفكَّهُ، ويَتَثَعلبُ على النَّشاز ما يشاء، غير حافلٍ بقيلٍ وقال، وغير هيَّابٍ أحكامَ الدَّيَّانين الدُّخلاء، وحتَّى الأقربين منهم، حين تأخذُ من المجاهرة والصَّراحة، قرائنَ للإدانة وإصدار الأحكام؟
"أيَّها الأحبَّة... لا أخفي عليكم أنَّني، بدافع الفضول الصِّحافي وحبِّ الاستِطلاع، استَطَبتُ النَّبشَ في المحاسن مع النَّجِيِّ الأمين، متتبِّعًا خطى هذين الكائنين العاشقين: متري وأنجِليك، اللَّذين كانا المَثل والمِثال في حبريَّة علمانيَّة موشَّحة بنفح الأرومة الطُّوباويَّة الثَّابتة في الإيمان...  أنا أخرجُ هذه اللَّيلة بقناعة راسخة، وهي أنَّ الأزمنة قد تغيَّرت، لا أحدَ ينكرُ ذلك؛ ولكنَّ الحبَّ القديمَ لا يصدأ، لا بل يزدادُ بريقًا ولمعانًا وسحرًا، وهذه هي حالي مع إرث مِتري نَعمان، وأنجِليك، الَّذي ينضحُ ثقافةً ومعرفة، وأختصرُه بهذه المعايير من وَحي السِّيرة والمَسار، وكلُّها من الذَّخائر الوجدانيَّة البهيَّةَ الضِّياء!"
***
ومن كلمة السَّيِّدة سعاد نَعمان القارح، كبيرةِ الجيل الثَّاني من النَّعامِنَة، ننتَخِب:
"في ذِكرى مئويَّة مولدكَ الأولى (يا أبي)، تعودُ بي الذِّكرى، ويعودُ بي الحنين، فأرى نفسي طفلةً، تشتاقُ إليكَ لِتَحتَضِنَها في رِفقٍ وحنان، وصبيَّةً تُمسِكُ بيَدها، وشابَّةً تُرشدُها، وراشدةً تشدُّ من عزيمتِها، وعروسةً ترافقُها إلى الكنيسة، ومُهجَّرةً تفتحُ لها صدرَكَ وقلبَكَ، وحزينةً بائسةً تنتظرُ مَولودًا، وأنتَ تتضرَّعُ إلى الله وأنبيائه، فيُستجابُ دُعاؤكَ".
***
ومن كلمة المعلِّم شاكر الشّماليّ:
"كانَ متري نَعمان مِثالاً لِرَبِّ الأُسرةِ الصَّالح، ومِثالَ المُدير المُثَقَّف الرَّاعي شؤونَ المَطبعة وشجونَها من ضمن جُدران صَرْحِ الجمعيَّةِ البولُسيَّةِ الأحبِّ إلى قلبه. كانَ يُواظِبُ يوميًّا على عَمَلِه، فينتَقِلُ بثقةٍِ ونشاطٍ من قسمِ إنتاجٍ إلى آخَرَ، يُراقبُ العُمَّالَ ويُوَجِّهُهم، وكانَ لَبِقًا في التَّعامُلِ والإدارة، جادًّا في عَمَلِه؛ وعلى الرَّغمِ من الرَّصانةِ الَّتي كانَ يُبدي، والشِّدَّةِ أحيانًا، كانَتْ تلوحُ لنا شخصيَّةُ الأُستاذِ المُتواضِعَةُ والمليئةُ بالعَطفِ والمحبَّة. وكانَ مُهَذَّبًا في إبداء النُّصحِ وإسداءِ الرَّأيِ عند تَصويبِ الأخطاء، بحيثُ نشعُرُ أنَّه يتفاعَلُ مع مِهنةِ الطِّباعةِ تَفاعُلَ المُدرِكِ المُثَقَّفِ الأديب، الحريصِ على اللُّغةِ الصَّحيحة والعملِ الجميلِ أكثرَ من حِرصِه على الإنتاجِ الصِّناعيِّ الَّذي لا يُراعي جماليَّةَ المَطبوعة".
***
       ومن كلمة العلاَّمة العراقيِّ سُهيل قاشا نذكر:
"كنتُ في السَّابعةَ عَشْرَةَ من العُمر في مَطلع العام 1959، يومَ اشتريتُ كتابًا من مكتبة الآباء الدُّومِنيكان بالمُوصِل عنوانُه "من الجَحيم إلى النَّعيم"، بقَلَم مِتري نَعمان... الكتابُ قصَّةٌ اجتماعيَّةٌ تتكلَّمُ على زَواجٍ مُوَفَّقٍ، وآخَرَ غيرِ مُوَفَّق، أبطالُها جهاد، الشَّابُّ العِصاميُّ الَّذي تخرَّجَ طبيبًا بأخلاقيَّةٍ لا غُبارَ عليها، حتَّى إنَّه زَيَّنَ بابَ عِيادته بلوحةٍ جاءَ فيها "المُعاينةُ للفقراء مجَّانيَّة... ولا أنكرُ أنَّني تأثَّرتُ بالقصَّة الَّتي جاءَتْ من مُخَيِّلَةِ مِتري نَعمان، خَصيبةَ الأسلوب، لَطيفتَه، رقيقةً، سَلِسَةَ اللُّغة، مُتَراصَّةَ الجُمَل، لا يَخرجُ واضِعُها عن قَيد ما رَسَمَه في خُطواته الحياتيَّة من بدايتها إلى نهايتها، وأحداثُها تَقُصُّ لنا الإيجابيَّات الَّتي يجبُ أنْ تؤسَّسَ عليها الأُسرَةُ الرَّصينةُ العفيفةُ النَّجيبة، وقد أخَذتُ بها أُنموذَجًا ومِثالاً لأيِّ أُسرَةٍ تُبنَى بحيثُ تكونُ لُبْنَةً لِبِناء مجتَمَعٍ سَعيد".
***
ووَرَدَ في كلمة الدُّكتور أنيس مسلِّم:
"كانَ الصَّديقُ متري نَعمان، واسِعَ الثَّقافةِ ونبيلاً على تواضُعٍ جَمٍّ؛ فإذا استشَرْتَهُ، في أيِّ موضوعٍ، لُغويٍّ أو أدبيٍّ أو اجتماعيٍّ، تبحَّرَ وأخذَ وَقْتَهُ قبلَ أن يُجيبَ؛ وإذْ يَفْعَلُ، نادِرًا ما يَجزمُ، وغالِبًا، يرفدُ الإجابةَ بـ "هذا مُجَرَّدُ رأيٍ. كانَ ينظرُ إلى المُسْتقبلِ بتفاؤلٍ لا يَخلو منَ الحَذَر؛ ويُشدِّدُ على المِهْنيَّةِ والنَّوعيَّةِ والاستقامة... صادِقٌ في تعاطيه. لا مُداهنة ولا مُوارَبة ولا خِذْلان، بل صراحةٌ واستقامةٌ ومؤازرة. ودودٌ مُحبٌّ، لا يقربُ الكراهيةَ ولا يحتمِلُ البُغْضَ. ولَكَم لاحظتُ، في رِفْقتِه، حالاتٍ وَلَّدَتْ فيها الأسبابُ السَّيِّئةُ الأفكارَ الحسنةَ لديه، فحوَّلَها تصرُّفًا شَهمًا يُثيرُ الإعجابَ.
"في مواجهةِ شلالاتِ الأِفكارِ والآراء، لا بُدَّ منَ الفرزِ والانتقاء، كانَ يقولُ لي؛ بَيْدَ أنَّ هاتين العمليَّتَين تحتاجانِ حسًّا رَهيفًا وظروفًا مُؤاتِيَة. وعليكَ أن تُجازِفَ وتقبلَ بإمكانيَّةِ الوقوعِ في الخطإِ والتَّعرُّضِ للعَطب. لهذا نحنُ في سباقٍ أبَدِيٍّ مع الزَّمن، نحتالُ عليه فلا يتوقَّفُ ولا يُمْهِلُ، بل يثابِرُ على دورانِهِ، ونكادُ لا نعي ماهِيَّتَهُ إلاَّ في الحالاتِ الحرجةِ والظُّروفِ المأسويَّة.
"من الصَّعبِ نسيانُ الأستاذ متري نَعمان، فوَجْههُ المُشرقُ، وجبهتُهُ العاليةُ، يرتسمانِ أمامي كُلَّما التقَيتُ أحدَ أفرادِ أُسرته ممَّن يُكْمِلون المِشوارَ الرَّائِعَ بوفاءٍ قَلَّ نظيرُهُ؛ كم أتمنَّى أن لا يظلَّ هذا الوفاءُ شواذًا عندنا، بل يُمسي قاعِدَةً بها يُقْتدى ويُسْتَضاء".
***
ومن كلمة المحامية حنان نَعمان، ممثِّلَةِ جيل النَّعامِنَة الثَّالث:
"يا جَدِّي، يا صاحبَ الطَّلَّةِ البَهِيَّة والكلامِ الحُلْوِ اللَّطيفِ المَوزون، ويا حامِلَ الرِّيشةِ الرَّنَّانةِ كما وَقْعُ القَوافي، إنَّ أحفادَك الاِثنَي عَشَر، وإنْ كانوا، في غالبيَّتهم، قد سَلَكوا المَجالَ العِلميَّ، لا الأدبيَّ على غِرارِك، إلاَّ أنَّهم تَشَرَّبوا منكَ حُبَّ المعرفة، وأدركوا أهمِّيَّةَ المُثابرة والاجتِهاد، فطَلَبوا العُلى ولَمَّا يَزالوا، وسَهِروا اللَّيالي ولَمَّا يَزالوا، وحَصَلوا، جميعًا، على ما كُنتَ تتمنَّاهُ لهم: الثَّقافة. فعَساكَ تكونُ راضيًا عنهم من عَليائك، وعساكَ تَفخَرُ بهم كما يَفخَرون بك أينَما حَلُّوا.
"ولَكَ يا "جدُّه متري"، أنتَ، يا مَن زَرَعْتَ لِنَحصِدَ نحن، لكَ منَّا كلَّ الشُّكر والتَّقدير والاحترام، لأنَّك كنتَ لنا قُدوَةً يُحتَذى بها. وهَذي قُبُلاتٌ منِّي، بِاسمِ الجميع، أطبَعُها على وَجنَتَيْكَ، برَجاءِ أنْ توصِلَ إلى الجَدَّة أنجِليك حِصَّتَها منها".
***
وأمَّا خاطِرَةُ الدُّكتور إميل كَبا في صاحب المئويَّة فجاءَت كالآتي:
"غربيَّ الحياة.. إشراقُ الخالدين، كذا الوردُ، في البال أنَّه العبَقُ في نافذةِ الذِّكرى أَبدا، لا الغَرْسُ مجهورَ الخُضرةِ في أذنِ العين.
"غربيَّ الحياة.. فجرُ الخالدين، كذا العنقود، في البال أنَّه الحدثُ الذَّهبُ آيِلاً إلى فرح الأضيافِ أبدا، لا النَّاجود المتعاظمُ المهدهِدُ الشَّغافَ بأُبَّهةٍ آفلة.
"غربيَّ الحياة.. مجدُ الخالدين، كذا الجدولُ، في البال أنَّه الغَيْريُّ المتلاشي لِلَثْغَةِ طيرٍ تبقى في غوطتِه أبدا، لا الدَّفْقُ المثرثرُ الرَّاحلُ مع صباحاتِه إلى الخَواء.
"أيُّها النَّاس.. ألعظماء! من عرفتُم فيهم رَوْحًا لتعزية روح. ألعظماء! من تذوَّقتُم فيهم مِدادًا زَيْتًا لقراءة عمر. ألعظماء! من رأيتُمْ عندهم نغمًا يُرقصُ حجرَ الليل على وتر الحبِّ الذي لا يطلبُ مقابلَ شَجاه ثمنا.
"متري نعمان.. أيُّها الغائب الباقي. هو جَنايَ من أرضِك التي تكادُ تكون سماء. وهي قُطوفي من سماءِ أدبِك الَّتي هجرها يومًا أهلُ الأرض. فأشرقْتَ أَنتَ من الغياب. أمَّا هم، شجرُ الغاب الذي مثلُه كثير.. فلِمَضلاَّت النّسيان.
"نعم.. أيها السيِّدات والسَّادة. غربيَّ الحياة إشراقُ الخالدين، وغربيَّها فجرُهُم والمجد. فالسَّلام لروحِ من أشرق ، وهنيئًا لمن أبصر فغَنِمَ نُعماه".
***
وجاء في "مُطَرَّزَة" شاعِر حلبَ النَّازِفَة، رياض حلاَّق:
م – مئةٌ ومـا كانـتْ كـأَيِّ زمـانِ    هيَ طـودُ أَمجـادٍ وغـابُ حِسـانِ
ت – تركتْ بكـلِّ مَفـازةٍ أمواجُهـا    ظِـلاًّ وأَنـداءً وخمــرَ دِنـــانِ
ر – رشَّتْ على الدُّنيـا غِنـاءَ يراعِهِ    فبـهِ الـذُّرا طَرِبَـتْ مـعَ الوديـانِ
ي – يا دارَ نَعمانٍ، كفى بكِ منْ عُـلا    أنْ كـانَ نَعمـانٌ رســولَ بيــانِ
ن – نطقتْ بحُـرِّ لسانِـهِ أُممٌ، وكـمْ    جمعَ الشُّعـوبَ الحـبُّ عَبْـرَ لسـانِ
ع – عَلَمٌ على شمسِ القصيدِ،  ولمْ يقمْ    بشـذا قـوافيـهِ ســوى الإنسـانِ
م – ما مثلُ حرفِكَ من مضيءٍ للنُّهى    ومُثَقِّــفٍ للــرُّوحِ والـوجــدانِ
ا – أُخْلُـدْ بذاكـرةِ الوجـودِ، فوالـدٌ    لعباقـرٍ، يَعصـى علـى النِّسيــانِ
ن – نَعمـانُ كان ولم يزَلْ مجدًا عَلا    فَاعْلُـوا النُّجـومَ بـه بنـي نَعمـانِ
***
ومن كلمة الأديب جورج مغامس:
"أُدخلتُ إلى مُربَّعِه القَلميّ.. إلى مَغنى حِبرِه وأوراقِه، وكان مشرقًا بالنّورَين من عَلُ: شمسٍ توشَّت بعُلِّيَّةِ الضُّمَّةِ الأنطاكيّةِ المجاهدةِ من بكركي إلى بزمّار، ومُحيَّاه الطَّلقِ الوَقورِ اخضلَّ بِشْرًا وحبورًا. فأنا الَّذي لا أَعرفُه، وكنتُ الغِرَّ.. ولكن الطَّموحَ، أَجلَسَني إلى مجلسِه، بدعوةٍ، تناهى بها اللُّطفُ، فصارتِ الأَمَّارةَ تُملي وتُطاعُ طَوعًا. وراحَ يُلقي لي بخيطٍ ويَنسلُ خيطًا، يَحكي ويَحيكُ، حتَّى استشعرتُ في رأسي غَريسةً في رأسِها حبَّةُ خردلٍ ورأسُ طريقٍ.. تَماهياتُ حروفٍ تيَّاهةٍ في نداءاتِ عرائسِ الفنون.
"...إنّه أبو ناجي.. ناجي الّذي مذ عرفتُه، في مؤسَّستِه للثّقافةِ بالمجّان، منذ نحوٍ من سنتين، يَعقِدُ مجالسَ التَّكريمِ وينشرُ الجوائزَ كتبًا ويُلقي الكتبَ كَرْمًا على دربٍ ويُهديني من حروفِه ذَهبًا،.. وهو يَهجِسُ بأبيه ومئويَّةِ مولدِه الأولى كيف يُحييها. وها هو يحقِّقُ الحلمَ بما مَلكتْ يداه في مكانٍ، وما مَلكَ قلبُه من أَعوانٍ وخِلاّنٍ، وما اذّكرَ وكان عليه الأمينَ!
"فيا صديقي ناجي، وأَظنُّ يقينًا أَنْ صارَ لي في بيتِك ما صارَ لكَ حقًّا في بيتي، أنا الآنَ أدركُ أكثرَ وأَقدِرُ أكثرَ ما البيتُ الَّذي يُخرِجُ بيتًا وبيوتًا.. وقولَ القائلينَ: هذا ابنُ بيت! وإنّي أُعاجلُك، يا ابنَ البيتِ، أَنِّي استطبتُ سِفرَك من سَفرٍ مع متري وأنجِليك، فقرأتُه في صباحٍ ومساءٍ كأَنْ أَقرأُ صلاةً، فدَمِعتُ وضَحِكتُ وعَجِبتُ وشَعرتُ أَنِّيَ السَّابعُ منكم وفيكم،.. وذَهبتْ بيَ هُنَيهاتُ الصَّفاءِ إلى بيتِ طفولتي واليَفاعةِ في ساحةِ الضَّيعةِ.. إلى عبدالله وجورجيت. فلأَنتَ، يا رعاكَ الله، تثيرُ في الفؤادِ مشاعرَ تَعنيك وتَعنينا، تُجريها مشاهدَ في مآقينا!
"بلى يا صديقي، إنَّكَ، وأنتَ تَكشِفُ المستورَ حِلاًّ ونسبًا، لم تكنِ البِرَّ بالوالدَين وأخَ الإخوةِ الرَّفيقَ، بل وكتبتَ باللُّغةِ الشَّريفةِ اللَّطيفةِ.. السّيرةَ البسيطةَ الموحيةَ بصدقٍ شَفيفٍ وجَزْلٍ رهيفٍ، فوقَّعتَ في مذهبِ الواقعيَّةِ الوجدانيَّةِ أَعذبَ نغماتِ النُّوستالجيا ومقاماتٍ من قيمٍ وعِبَر.
"عزيزي ناجي، وأَنتَ المحتَفي بأبيك أديبًا، قُلْ لي بربِّك كيف أَحتفي بأبي متى أبي الأمّيُّ عاملاً بسيطًا؟ أَبِمِثلِ ما بين سطورِ كتابك «مع متري وأَنجِليك»، من حبٍّ نقيٍّ أَرِجٍ يَنبِضُ برقًا،.. أم بكيمياءِ جِينةِ الأدبِ العبقريَّةِ أيضًا وأيضًا؟!
"إنَّك النَّوَّالُ، فعلِّمْني، يا ذا الطُّرَفيُّ الحَذِقُ اللَّبقُ المِنعامُ، كيف تُلَوَّنُ عباءاتُ الحرير!"
***
وممَّا جاء في كلمة ناجي نعمان الخِتاميَّة:
"أحبَّتي، يا جَميعَكم،
إلتَئَمْنا، السَّاعةَ، في مِئويَّة الوالِد، مِتري نَعمان، كَيما نَستذكرَ ذاك الَّذي أوصى، آخرَ ما أوصى، أنِ "اذكُروني في أويقاتِ الصَّفاء، ومَجالسِ الأدب، ونَدَواتِ الشِّعر".
"إلتَئَمْنا لِنُؤدِّيَ، معًا، تحيَّةً لذاك العِصاميِّ، ذي "الأنف العالي"، الَّذي ما قَبِلَ يومًا أنْ يَتنازلَ عن أنَفَته أو عن أنَفَة "الضَّاد"، اللُّغةِ الَّتي عَشِقَ جَماليَّتَها، ومَلَكَ ناصِيَتَها، وطوَّعَها شِعرًا ونَثرًا وترجَمات.
"وإنِّي، وإنْ حاوَلتُ أنْ أَفِيَ مِتري نَعمان حقَّه عليَّ وعلى الأدب، في أكثرَ من عَمَلٍ واتِّجاه، وعلى مَراحِل، لَوجَدتُني مُقَصِّرًا في حَقِّ والدٍ وأديب، لو لم تأتِ هذه اللَّحظَة، لحظةُ افتِتاح الصَّالة الاستِعاديَّة الَّتي تَحمِلُ اسمَه واسمَ شريكة حياته، "سِتّ الحَبايِب"، الوالِدَةِ أنجِليك.
"... وأمَّا الشُّكرُ الأخير، يا جميعَ مُحِبِّي مِتري نَعمان وأنجِليك باشا نَعمان، فيَستَقِرُّ عندكم، خُذوهُ من عَين المُعاني قبلَ عَين المُتَفاني، فِلَذَ قلبٍ مُهداةً إلى قُلوبكم الخَيِّرَة.
"وبَعدُ، مِتري، قلَمُكَ لم يَجِفَّ، إذْ ها أنتَ "تُروَى" بأقلام قارئيك وعارِفيك ومُحِبِّيك، وبكلامِهم. وأمَّا عَهدي لكَ، الَّذي أقَطَعُه، اليومَ، فهو أنِّي سأتجَرَّدُ للثَّقافة، أُقارِعُها الثَّقافةَ، حتَّى تتعَبَ، منِّي، الثَّقافة".



 
  طنجة الأدبية (2012-10-30)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الاحتفالُ بمِئَوِيَّة الأديب والشَّاعر مِتري نَعمان-طنجة الأدبية

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia