كانت الشوارع لا تزال مزدحمة، النسوة يتسوقن استعدادا لشيء ما لا أدري ما هو ؟ والرجال يصحبن أطفالهن إلى أماكن اللهو والتسلية، والشباب يتغزلون بالإناث والشرطي كعادته ينظم حركة المرور. أعني مرور السيارات وقد علا صوت صفارته الذي سرعان ما تلاشي أمام ضوضاء المارة وصوت المنبهات القوي. وحدي ظللت الطريق إلى المجهول وأنا أتمشي في شارع طويل، أتأمل فيه الخلائق والملامح والثنايا وأغص خلفها إلى الغسق الأخير من الليل ،أحاذر نفسي وأهادنها بكأس أو كؤوس مترعة ،تذهب بعقلي حينا من الزمن لتعانقه على إيقاع دخان حشيش تقذف به الأفواه وقد بدت شاردة أكثر منى ،رددت مقولة على مسامعي جالسي "خلف كل لوحة بشرية رسمت عليها الأزمنة تجاعيدها البالية سجل أسود".
أنغام موسيقى الطرب الأندلسي تكاد لا تطرب أسماعي، ورأسي تترنح من شدة النعاس فيما يحسبه الآخرون ،انتشاءً لصوت كمنجي نخر السوس أسنانه، وعازف عود لعب بأوتاره وقد بدا غارقا وسط أمواج بشرية سكرانة تصفق له حيننا من الزمن وقد أطالت بلسانها عبارة مجالس الطرب الشهيرة -الله- قلت في نفسي سخرية
- مؤمنون يتذكرون الله حتى وهم في مجالس اللهو و الطرب والغناء.
ضرير يلعب بمنديله وقد بدا مثل "ما يسترو" يقود فرقة غنائية في دار الأوبرا الشهيرة "عايدة" ،وقد أثارني الفضول واستفزني وأنا أهمس إلى نفسي
- ألم يكن أفضل لك أيها الضرير لو أمضيت أخر أيامك في طلب الصفح والغفران؟ .
جالسي حرك شفتيه فتخيلته يقول لي بمكر
- وهل أنت نبي لكي تغير العالم؟
صمت برهة والصمت هذه المرة حكمة لملمت نفسي وأنا أدفع ثمن مشروبي وقد غادرت مجلسي إلى يوم أخر.
تعليقات:
