"لاوْرَا".. اللُّغْزُ المُبْتَسِمُ غُمُوضًا-محمد حلمي الريشة (فلسطين)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

"لاوْرَا"..
اللُّغْزُ المُبْتَسِمُ غُمُوضًا



لا أَدْرِي لِمَ وَجَدْتُنِي (بَعْدَ أَنْ صَدَرَتْ لِي الأَعْمَالُ الشِّعْرِيَّةُ- غَيْرُ الكَامِلَةِ) أُقَلِّبُ أَوْرَاقَ العُمْرِ القَدِيمَةِ، لِنَقُلْ أَوْرَاقَ البِدَايَاتِ الشِّعْرِيَّةِ؟! حَيْثُ وَجَدْتُ قَصَائِدَ شَتَّى لَمْ أَنْشُرْهَا فِي مَجْمُوعَاتِي، أَوْ فِي أَمَاكِنَ أُخْرَى، وَمِنْ ضِمْنِ تِلْكَ القَصَائِدِ، هذِهِ القَصِيدَةُ المَخْطُوطَةُ قَبْلَ وَاحِدٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَهِيَ عَنْ شَاعِرٍ أَحَبَّ حُبًّا مُسْتَحِيلاً دَامَ وَاحِدًا وَعِشرِينَ سَنَةً، وَعَاشَ وَمَاتَ فِي المَنْفَى بَعِيدًا عَنْ وَطَنِهِ، وَهذَا الحُبُّ هُوَ امْرَأَةً لَمَحَهَا فِي كَنِيسَةٍ ذَاتَ صَبَاحٍ مِنْ شَهْرِ نَيْسَانَ.. امْرَأَةً تَمُوتُ بَعْدَ لَمحَةِ العَيْنِ تِلْكَ بِوَاحِدٍ وَعِشرِينَ سَنَةً بِالتَّمَامِ.. إِنَّهَا لاوْرَا مِينِيأَتُورَا، وَإِنَّهُ الشَّاعِرُ الإِيطَالِيُّ فْرَانْتْشِيسْكُو بِتْرَارْكَا (1304-1374).

"لاوْرَا" ..
هَيْفَاءٌ / شَقْرَاءٌ / بَيْضَاءْ
فِي الظُّلْمَةِ دَثَّرَهَا اللَّوْنُ الأَسْوَدُ، وَالظِّلُّ الخَابِي
لكِنَّ الشَّاعِرَ وَارَاهَا فِي عَطْفِ قَصِيدِهْ
أَتْلَفَ بُرْقُعَ عَيْنَيْهَا بِسِهَامِ شُعُورِهْ،
وَامْتَصَّ الرُّؤْيَةَ كَالشَّمْسْ..
فَالنَّظْرَةُ رُدَّتْ لِلأَعْقَابِ بِنَظْرَةْ،
وَوَحِيدًا كَانَ الشَّاعِرُ يَنْتَهِكُ العِشْقْ،
وَيَبُوحُ العَالمََ عَنْ "لاوْرَا"
عَنْ سِرِّ الصِّدْقْ.

"بَارْمَا"..
أَتْرُكُ حَوْلَكِ طَاعُونَ المَوْتِ، وَ"لاوْرَا"
فِي خَصْرِ الدَّائِرَةِ تَظَلُّ بِذُهْنِي وَالقَلْبْ..
أَذْهَبُ نَحْوَ القَصْرِ المُبْتَلِّ بِأَنْدَائِكْ
كَيْ أُوْدِعَ بُؤْبُؤَ حُبِّي المُتَهَالِكِ بِالصَّبْرْ
لكنْ..
رَاعَتْنِي النَّظْرَةُ مُفْعَمَةً بِالعَطْفِ وَبِالرَّوْعَةْ..
وَظَلَلْتُ شُهُورًا سَبْعَةْ
فِي المَنْفَى،
وَالظِّلِّ المُفْتَرِسِ الخَفَقَانْ،
وَالرُّؤْيَةُ كَانَتْ كَالخِنْجَرِ قَاتِلَةً؛
تَقْتَاتُ الذِّكْرَى وَاللَّحَظَاتْ.

"لاوْرَا" مَاتَتْ..
مَاتَتْ "لاوْرَا" بِالطَّاعُونْ
فِي نَفْسِ الزَّمَنِ القَاسِي/ فِي نَيْسَانْ
كَانَ يُكَلِّمُهَا فِي بَحْرِ النَّوْمِ ،
وَيَقْرَأُ سُورَةَ رُؤْيَاهَا بِالحُلْمْ..
لَمْ يَرْجِفْ فِي بَطْنِ البَرْدِ الهَابِطِ فُجَأةْ
لكِنْ،
شَعَرَ الصَّمَمَ/ الخَرَسَ/ وَفَقْأَ العَيْنْ
شَعَرَ الأَمْوَاهَ تَجِفُّ بِعِرْقِ بَقَائِهْ..
فَارقَتِ الرُّوحُ الجَسَدَ المَطْوِي
طَيَّ الفَرْحَةِ فِي الغُرْبَةْ.

فِي الَمنْفَى؛
عَاشَ وَمَاتَ بِدُونِ الوَطَنِ/ الأُمْ
عَانَقَهُ الحُبُّ صَغِيرًا
طَهَّرَ قَلْبَ الشَّاعِرِ فِيهْ
لكِنْ..
كَانَتْ أَبْوَابُ العِشْقِ تُطِلُّ
عَلَى
قَعْرِ
البَحْرِ،
وَكَانَتْ أَسْوَارُ العَالَمِ تَمْتَدُّ
إِلَى
عُنُقِهْ،
وَحُدُودِ الرَّجْفَةِ وَاللَّوْمْ.

"فِلْكُوزٌ" هذَا
نَبْعٌ يُشْرِقُ مِنْ صَخْرِ الجُرْحِ، وَيَسْرِي
فِي نَهْرِ "السُّورْجْ"..
ظَلَّ اللَّيْلُ عَلَى أَعْتَابِ جُفُونِهْ،
وَالخَوْفُ يُكَرِّرُ فِيهَا اليَقَظَةْ..
هذِي الوَاحَةُ تَهْدَأُ مِثْلَ سُكُونِهْ
لكِنَّ البُرْكَانَ يُهَدِّدُ مَعْنَى الصَّمْتِ الكَاذِبِ فِيهْ..
كَانَ خَرِيرُ المَاءِ يُنَاجِي النَّاسَ/ الشَّجَرَ / البُرْعُمْ،
وَيثَورُ المَاءُ فَيُطْلِعُ كُلَّ الأَفْكَارِ إِلَى السَّطْحْ،
فَتَعَلَّمَ شَاعِرُنَا المَعْنَى المَخْفِي
فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ وَسِرِّهْ؛
فَهُنَالِكَ وْقْتٌ مَحْدُودٌ
تَظْهَرُ فِيهُ الصَّيْحَاتُ الأُخْرَى لِلْكَوْنْ:
صَوْتُ الشِّاعِرِ/
صَوْتُ المَحْبُوبَةِ/
صَوْتُ المَنْفَى/
صَوْتُ الثَّأرِ/
وَصَوْتُ الحُبِّ.

... وَتَمُرُّ سُنُونٌ،
وَالشَّاعِرُ
يَتَسَاقَطُ
شَعْرَهْ
فِي لَوْنِ الثَّلْجِ المُغْبَرْ،
وَالشِّعْرُ يَظَلُّ حَزِينًا
لكِنْ..
يَزْدَهِرُ وَيَنْمُو؛
بَحْثًا عَنْ وَطَنٍ/ حُبٍّ/ نَهْرٍ يَمْتَصُّ رَحِيقَهْ.

لَمْ يَرَ "لاوْرَا" إِلاَّ فِي حُلُمِ المَوْتْ؛
ذَهَبَتْ نَحْوَ الوَجْهِ، وَكلَّمَتِ الشَّاعِرَ وَجُنُونَهْ،
فَارْتَجَّ، وَشَدَّ اللَّيْلَ لِكَي تَبْقَى قُرْبَهْ
لكِنَّ الظِّلَّ طَوَى نَفْسَهْ،
وَتَمَنَّى الشَّاعِرُ أَنْ يَلْحَقَ بِجِوَارِهْ،
فَتَصَدَّى المَوْتُ، وَأَغْلَقَ نَافِذَةَ الشَّمْلِ بِهَا،
وَبَكَى الشَّاعِرُ نَهْرًا
يَنْبُعُ مِنْ رَأْسِ الجُرْحِ
إِلَى
أَخْمَصِ قَدَمِهْ.

... وَيَعُودُ المَوْتُ،
وَيَرْتَحِلُ الشَّاعِرُ فِي عِيدِ المِيلاَدِ إِلَيْهَا
.........
.........
وَتَمُرُّ سُنُونٌ أُخْرَى..
يُكْتَشَفُ القَبْرُ وَ"لاوْرَا" قَابِعَةٌ فِيهِ بِعَظْمٍ وَرَمَادْ،
وَالشَّمْعُ الأَخْضَرُ حَوْلَ الرِّقِّ
يَضُمُّ الفَكَّ الذَّهَبِيَّ، وَ"سُونَاتَا" عِشْقٍ
تَتَحَدَّثُ عَنْ رَوْعَةِ "لاوْرَا"..
سَتَظَلُّ إِلَى الأَبَدِ اللُّغْزَ المُبتَسِمَ غُمُوضًا
بِالفَكِّ الذَّهَبِيِّ الهَامِدِ وَسْطَ رَمَادْ.
..........
..........
"لاوْرَا" الثَّانِيَةَ أَنَا فِي الظَّمَأِ المُجْدَبِ كَالعُقْمْ
مُدِّي الكَأْسَ إِلَيَّ مَلِيئَةْ
كَيْ أَجْرَعَ كَفَنَكِ وَالعَظْمْ.



 
  محمد حلمي الريشة (فلسطين) (2009-02-18)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia