المحدث بالحقيقة: مسرحية لأحمدو كوروما تصدر مترجمة بالشارقة-طنجة الأدبية
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
إصدارات

المحدث بالحقيقة: مسرحية لأحمدو كوروما تصدر مترجمة بالشارقة

صدرت لزميلنا المترجم المغربي المبارك الغروسي عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة -في طبعة أنيقة- أول ترجمة عربية للمسرحية الوحيدة التي كتبها الكاتب الإفريقي الفرنكفوني (أحمدو كوروما) الذي يعتبره النقاد أحد أكبر كتاب الفرنسية المعاصرين : مسرحية (المحدث بالحقيقة) LE DISEUR DE VERITE. كلف عرض المسرحية في بلاده الكوت ديفوار كاتبها ما يشبه منفى دام زهاء العشرين سنة، لما تضمنته من تنديد بنظم التسلط والاستبداد لما بعد الاستقلال ببلدان إفريقيا. وتعكس المسرحية الإحباط الذي عاشته الأمم الإفريقية غداة التحرر الوطني والحنين لماض موهوم عمَّه العدل والخير والسعادة، مما جعل المسرحية تمتلأ بعالم يتأرجح بين الواقع و الخيال وبين الحقيقة و الأسطورة، ذلك أن أحمدو كوروما يعتقد (أن الكذب طريقة لقول الحقيقة، إذ لا وجود للحقيقة الخالصة) ؛ كما تعتبر المسرحية تشكل امتدادا مباشرا للرؤية التي تبناها الكاتب في رائعته المشهورة، رواية "شموس الاستقلالات" LES SOLEILS DES INDEPENDANCES ، لكن في ببعد رمزي أكبر وأعمق . فالمحدث بالحقيقة عنوان مفارق، إذ إنه في المسرحية يدل على حاكم مستبد يتبنى هذا اللقب مع أنه ناشر للكذب ولإيديولوجيا الخداع.
تقديم المسرحية:
تتكون المسرحية من مفتتح وأربعة فصول وقد جاءت في 172 صفحة من القطع المتوسط.
في مفتتح ( Prologue ) المسرحية يتقابل فيها المحظوظون والمحرومون في محادثة عن أصل الانفصال الحاصل بينهما .هذه المقدمة عبارة عن قصة تاريخ سلالة "السيغيتو " التي تعيش في بلاد " سيغيدوغو" : فالجماعتان تتحدثان عن ماض غابر في بلاد " هيرادوغو " حيث كانوا متحابين ومتحدين وسعيدين. هيرادوغو هذه ذكرى ، أو حلم أو ابتكار ، لبلاد الخير والاتحاد والسعادة التي تحولت إلى سيغيدوغو ، أرض المحن، عند دخول الاستعمار . وهي ذكرى لما آلت إليه الأوضاع بعد هذا الدخول الاستعماري إلى أن جاء ديارا المحدث بالحقيقة، ومعه ابنته وحافظة سره وسر الاستقلال ، ليقود الثورة ضد المستعمر والتنديد به وقول الحقيقة ، وليبشر بعودة الفردوس المفقود . فتم إنهاء عصر الاستعمار وبزغ فجر هيرادوغو لكنه سرعان ما حظر هذا الزعيم الحديث عن الحلم وعن العودة وعن العدل والمساواة .
الفصل الأول :يظهر ديارا المحدث بالحقيقة في المشهد الأول وهو يطلب المديح لذاته ليمر بعد ذلك هذا المستبد ، رمز تقديس السلطان ، إلى محاكمات عند شجرة مداولاته ، حيث سيدين أولا ناماكورو ، حاكم إقليم متفان في خدمة البلد والشعب ، بتهمة الكفر بحقائق الزعيم والامتناع عن ترديد مديحه في أرجاء ولايته ؛ ثم يحاكم فلاحا ، سامو ، في محاكمة يكون فيها ديارا الخصم والحكم : ذلك أن هذا الفلاح جاء مطالبا بزوجته وأم ابنه الحسناء التي كان قد اختطفها الزعيم وتزوجها : يدان الفلاح لأنه " شهر بخطيئة البطل الصغيرة، إذ إن لكل بطل خطايا صغرى يجب أن تعذر" . سيتسبب هذا الظلم في تعكير صفو نوم تيدجوما ، بنت ديارا، التي تدخل وتثير أباها بانتزاع رموز سلطته ، التاج والمروحة، أمام جلسائه فيطاردها لاستردادها.
الفصل الثاني :في بيت تيدجوما التي تظهر أن لها نفوذا قويا على أبيها ستجبره على العفو عن المحكومين الاثنين .ويتم التطرق بعد ذلك لموضوع زواج هذه الأميرة التي تذكر برفضها لجميع شباب البلد لعدم اكتمال خصال الأمير الفارس الذي يستحقها ويستميلها لدى أي منهم .فموضوع الزواج هي محاولة من الزعيم لاستباق حضور الأمير المخلص الذي ينتظره الجميع والذي تتحدث عنه الأسطورة التي يحكيانها معا في هذا الفصل ، ( أسطورة زواج الأميرة لالة من أمير مخلَّص يُكتشف في الأخير أنه ثعبان ) ،معتقدَين في النهاية أنها مجرد خرافة . لكن دمبا يدخل ليخبر الزعيم بوصول الأمير المنتظر الذي أثبتت الاختبارات أن له كافة المؤهلات ، وليعلمه باستعداد الجميع للرحيل بعد ذيوع الخبر . يدخل هذا الأمير ،طراوري، ليخرج بعد ذلك برفقة الأميرة . خبر رحيل الجميع يصل ، ويبقى الملك وحيدا .
الفصل الثالث :الفصل الثالث تمثيل لمسيرة العودة في إحدى محطاتها. دجليبا الشاعر المنشد يخبر الحشد بخيانة وانسحاب المحظوظين السابقين من المسيرة .هؤلاء المحظوظون السابقون الذين ركبوا موجة الثورة عندما انهار النظام السابق وتبرءوا منه؛ فأسندت لهم مسؤولية قيادة المسيرة اعتبارا لتجربتهم في أمور الحكم والتسيير ، فكانوا أول من تخلى عنها. يشهد هذا الفصل تقديم سلسلة من الإنسحابات من طرف مختلف فئات المجتمع: الجنود والفنانون ورجال الدين والفلاحون. كلهم يقدمون قرار انسحابهم على أنه ضرورة قاهرة وليس تخل أو خيانة للمبادئ، ليبقى في الأخير طراوري وتيدجوما، ودجليبا المخلص للأميرة قبل أن ينسحب هو كذلك بغية الاستفادة من العفو العام الذي سيصاحب احتفالات الرجوع وأعياد الاستقلال والعرش في سيغيدوغو. نهاية الفصل: وصول طراوري وتيدجوما إلى هايرادوغو: إنه دغل لا علاقة له بالفردوس المأمول. يختفي طراوري تاركا تيدجوما للضياع تنشد مأساتها للطيور.
الفصل الرابع : رحلة قنص يرشد خلالها فاهندان ،أبله المسرحية الحكيم، ديارا والقناصين المحظوظين. الغاية اصطياد طائر سمعه فاهندان ينشد مأساة تيدجوما: أغنية إعادة الأمل والحنين لهايرادوغو. يُجْبر فاهندان،الذي كان يرفض ذلك في بداية الأمر ، على إبلاغهم بمكان الطائر الذي كان قد علم الأنشودة لطائر آخر. يفر هذا الأخير ليعلم الأنشودة لأصناف طيور أخرى ويتم تناقلها وتعلمها بين أصناف أخرى فتنتشر انتشارا مذهلا. يتطلب الأمر تدخل الجيش وجميع القوات المسلحة، ثم التعبئة العامة لمكافحة زحف الطيور ولصد امتداد صدى الأنشودة، لكن بدون جدوى. فالطيور تكاثرت رغم الحرائق الهائلة التي أمر بها الملك، وعمت الثورة كل مكان: ذلك أن" البنادق لم تحجب أبدا أنشودات الأمل كما أن الجيوش لم تقف أبدا سدا أمام الأفكار". لكن المستبد ديارا يستمر في مكافحة الطيور التي تهاجمه، رغم تخلي الجميع عنه، ويصر على فكرته النرجسية وعلى تقديسه لذاته؛ لينهار في الأخير تحت نقرات الطيور القاتلة.

تعبر المسرحية عن حنين إلى عالم ما قبل الاستعمار وتدين مجتمعا يعيش في ظل الاستقلال والحزب الوحيد.
تقترب المسرحية في طابعها العام من المأساة: فشل مسيرة العودة والأمل، ضياع البطلة تيدجوما ، دمار البلد التام؛ لكن النهاية لا تترك انطباعا مأساويا متشائما بل العكس هو الحاصل: فالطيور قد انتصرت على الاستبداد،والأنشودة هزمت البنادق،والأفكار غلبت الجيوش:النهاية مبشرة وواعدة .وفي الأمر إدانة لتقديس السلطان الذي تبناه زعماء التحرر الإفريقي غداة استلامهم السلطة بعد الاستقلال مستغلين الشرعية النضالية والتاريخية لتكريس هذا التصور المتسلط والمشخصن للحكم.



 
  طنجة الأدبية (2007-12-29)
Partager

تعليقات:
كريم /الجزائر 2013-08-25
أعمال كروما رائعة ، وأود الحصول عليها مترجمة إذا أمكن. شكرا
البريد الإلكتروني : kessaci2011@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

المحدث بالحقيقة: مسرحية لأحمدو كوروما تصدر مترجمة بالشارقة-طنجة الأدبية

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia