رؤية فكرية مختلفة لهدية الطفل-إبراهيم نويري (الجزائر)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

رؤية فكرية مختلفة لهدية الطفل

  إبراهيم نويري    

v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} st1\:*{behavior:url(#default#ieooui) } الهدية رمز للمحبة والمودة العميقة الخالصة ، ولكنها تأتي غالباً دلالة على تثمين لجهد متميز أو إقراراً بمكانة خاصة ... الخ .. ومن غير شك فإن الهدية تؤدي دوراً ظاهراً ملحوظاً في التأثير النفسي والعاطفي على الطفل  ؛ فهي تحمل الكثير من المعاني الإيجابية الضرورية ، كالمودة والعطف والتبجيل  والتشجيع والاهتمام  ، ويزداد وقع الهدية على نفسية الطفل إذا كانت مُـقدّمة من قبل الأم أو الأب ، إذْ تتحول ـ في هذه الحالة ـ إلى أداة فاعلة ، أو وسيلة هامة تدعم وتعضّد السلوك الإيجابي في منظومة الطفل الأخلاقية والسلوكية والقيمية . 

    كما أن الهدية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمردود الإنجازي ، سواء أكان معنوياً أو مادياً ، والرغبة في تحسينه واستثماره .. وقد انتبه إلى أثر التحفيز والتشجيع على مضاعفة المردود وتحسين الأداء ، أحدُ علماء التربية الغربيين ، عندما حضر عرضاً بهلوانياً شيقاً في " السيرك " لطائر البطريق ، فقد كان المشرف على هذا العرض يبادر إلى تقديم  " سمكة  " كهدية تحفيزية للطائر ، كلما أبدع في عروضه ، وكان الطائر بدوره ، ينوّع أكثر في حركاته الشيقة ، ويجتهد في الكشف عن مهارات جديدة ـ لم يظهرها من قبل ـ لإمتاع الجمهور ، وكأنه بذلك يتطلع إلى تحصيل هدية جديدة أو مكافأة مناسبة للجهد المبذول ، فأدرك هذا الخبير التربوي على الفور مدى أثر عنصر التحفيز وفعاليته الظاهرة على الاجتهاد في العمل ، و الكشف عن المهارات المتميزة ، وتحسين الأداء .. كما اكتشف هذا العالم التربوي  ـ من خلال عروض طائر البطريق ـ بأن التربية بواسطة التحفيز والتشجيع ، أكثر مردوداً من تلك التي تعتمد على أساليب العقاب والزجر أو تغلّبها على غيرها من الأساليب .

   ولعلّ هذا الأمر واضح في منهج التربية الإسلامية ، المستمد من القرآن الكريم ، فالترغيب أبرز من الترهيب في آيات القرآن ، والحكمة ظاهرة أيضاً من تفصيل القرآن للثواب والجزاء العظيم الذي أعدّه الله تعالى للمتقين في جنات النعيم . فقد فصّل القرآن وعرض صوراً فنية كثيرة متنوعة عن حياة مَنْ شملهم الرضوان الأعلى في دار الخلود .

خطر غير متوقع للهدية :

   بيد أن بعض الآباء لا ينتبهون للنتائج العكسية ، أو المترتبات غير المتوقعة لبعض هداياهم لأطفالهم الصغار في بعض المناسبات الخاصة والعامة ، وسبب ذلك نقص الوعي أو غياب التفكير الصحيح ، نتيجة قلة العلم وسيطرة العاطفة غير المنضبطة بعقلانية راشدة مسؤولة ... ومما طالعته في مطالعاتي المتكررة في هذا الباب ، أن أحد الآباء وعد ابنه الصغير ، وهو مايزال في الصف الثاني ابتدائي ، بشراء دراجة جميلة ، إنْ هو تفوّق في الاختبار ، وقد فاجأ هذا الأب ابنه ـ قبل صدور نتائج الاختبار ـ ودون أي تمهيد أو شرح ، بإدخال الدراجة إلى غرفة ابنه الصغير ، ومن شدة الفرح أصيب هذا الصغير بمرض السكري ، وهو في بدايات عمره !! وقد ندم الأب ندماً شديداً على تصرفه الخاطئ ، بل الأهوج ، ولكن بعد فوات الأوان ، حيث لا يجدي الندم والحسرة فتيلاً   ..  فقد أصاب هذا المرض المزمن الفتاك فلذة كبده ، وقد يودي به يوما ما إذا جُهل التعامل معه كما جُهل التعامل مع فن الهدية .

  ومثال آخر أيضا ينمّ عن الجهل وقلة الوعي ، ضحيته بنت بهية الطلعة ، في العام الخامس فقط من عمرها ، حيث أحضر لها والدها دمية جميلة جداً من نوع         "  فلامنكو " المعروف بجودته وغلاء ثمنه ، وكان والدها هذا يحبها حباً جماً ، فلم ينتظر يقظتها من نوم عميق كانت تغطّ فيه ، بل سارع إلى إيقاظها من نومها   و وَضَعَ بين يديها هذه الدمية ، التي أراد أن يفاجئها بها ، ولما كانت المسكينة لم تستيقظ تماماً ، فقد أصيبت بهلع شديد ، وتبيّن بعد عرضها على الأطباء أنها أصيبت بمرض يُسمى "  فوبيا الدمى " .. وأصبحت منذ ذلك اليوم ، كلما رأت دمية ، ولو على شاشة التلفزيون ، تنخرط في بكاء شديد وانتحاب متواصل ، وتصاب بعد ذلك بتغيّر فسيولوجي يجعل وجهها أقرب إلى الزرقة ، وتكون تصرفاتها وردود أفعالها شاذة ومحيّرة لجميع المحيطين بها ، وقد تمّ عرضُها على أكثر من طبيب نفساني ، بغية التخلص من هذه العقدة النفسية الخطيرة ، كما خضعت لعدة تمرينات إكلينيكية متخصصة في التحولات النفسية والعصبية ، ومع ذلك كله ما تزال تعاني من بعض الأعراض النفسية المحيرة ، المرتبطة بترسبات هذه العقدة النفسية الغائرة !!

 وهكذا ، بدل أن تؤدي الهدية وظيفتها ، وتحقق الغاية الباعثة عليها ، كالتشجيع وشحذ الهمم وتقوية العزائم .. الخ ، تصبح  أداة وسبباً مباشراً لهموم ومتاعب ومشكلات معقدة ، تسهم في تعكير صفو الحياة ، والتخبط في محن ، كان ينبغي تلافيها ، بالتزام الحكمة ، والإنصات الجيد إلى خبراء التربية .
 
 فينبغي على الأسرة المسلمة مراعاة هذا الأمر ودراسة التصرفات التي يُتعامل بها مع الطفل دراسة مستفيضة ، قبل اعتمادها أسلوباً في المعاملة ، فليست كل مسائل التربية واضحة جلية ، بل هناك الكثير من القضايا التي يجب مراجعتها والتأكد من الوجه الأصوب فيها ، من المختصين في علوم النفس والتربية والسلوك ...

 حفظ الله أطفال المسلمين من كلّ سوء ، وأعان أسرهم وذويهم  وأولياء أمورهم ، على توجيههم وتربيتهم وإنباتهم نباتاً حسناً ، حتى يكونوا قرة أعين لوالديهم ، و أسباب خير ونفع وازدهار لدينهم وأوطانهم .. والله المستعان .



 
  إبراهيم نويري (الجزائر) (2009-02-20)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

رؤية فكرية مختلفة لهدية الطفل-إبراهيم نويري  (الجزائر)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia