أنا وأبي وجدي-محمد الشاوي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

أنا وأبي وجدي

  محمد الشاوي    

كنت عندها أبلغ من العمر أربع سنوات ، وما زلت أتعرف على الكثير من الأشياء التي توجد في عالم الكبار ويصعب علينا نحن الصغار فهمها وإدراكها . ومن جملة هذه الأشياء أتذكر أول مرة ذهبت فيها إلى سينما " بيرس كالدوس " رفقة أبي الذي كان شابا آنذاك من المولعين بالأفلام الهندية التي كان يسهر على ترجمتها المغربي الراحل إبراهيم السايح :  " أمنا الأرض " " منكلة البدوية " " طريق  العمال " " السيل والقناع " ...
كان الجو باردا والشتاء يتهاطل ، إشترينا من حي " السويقة " بمدينة القصر الكبير قطعتين من عجين " الشَامِيَا " و بعض الفواكه الجافة التي يتوق إلى شرائها كل من يلج فضاء  السينما بشغف وحب .
جميع الناس ينتظرون متى سيبدأ العرض الخاص بالساعة العاشرة . يقال إن هذا هو العرض الذي يقدم فيه الفلم كاملا دون حذف بعض مشاهده .
أتذكر أن هذا الفلم كان للبطل الهندي الشهير" أميطا باشان " الملقب ب " الشاعر " وهناك بعض ساكنة المدينة من يلقبه ب : " السرطان " !!
تساءلت آنذاك ما المقصود ب " السرطان " !! لم أكن أعرف بأنه مرض فتاك و قاتل .
لكن هل توجد علاقة منطقية بين السرطان  و الممثل  " أميطاباشان " ؟
يبدو أن أحدهم قالها وهو لا يعرف معناها وتناقل الخبر بين الناس ، فصار " أمي طاب" السرطان !!
أجابني أبي بأن هذا اللقب جاء نتيجة  لعدم موت البطل في الفلم الذي سنشاهده ، بالرغم  من إصابته بأربع طلقات من مسدس رئيس العصابة الملقب ب " الراي " في الحقيقة كنت أول مرة أعرف فيها معنى السينما والأفلام وخصوصا منها الهندية المعروفة بالمبالغة .
الساعة تشير إلى العاشرة ، دخلنا لمشاهدة فلم " كولي "" coolie  " في جو من المتعة والفرح والظلام يسيطر على القاعة ونحن نبحث عن مكان شاغر في " البوطاكا " فإذا بنا نجد جدي يجلس في مقدمة " البريفيرينسيا " وكأنها صاعقة أصابت والدي ، فهرول مسرعا وأنا أجلس على كتفيه  ورجالاي تترنحان نحو الأعلى والأسفل تنقران صدره .
قال لي :  " شُفْتِي جْدْكْ !! دُزْنَا مْنْ حْدَاه !! هِي رْبِي حْفْظْ وْصَافِي مْلِي مَا شَفْنَاشِي !! "
علمت حينما كبرت مقدار الإحترام والخوف الذي كان يكنه والدي لجدي رحمه الله .
بدأ الفلم مع صوت القطار و المسافرون ينادون: " هِي كُولي ... كُولِي ... كُولي .."، تساءلت ما معنى كُولِي ؟
فأجابني والدي بأنه حامل الأمتعة " لْحَمَالْ ". عند كل لقطة لم أفهمها كنت أستعين به لكي يشرح لي ، ففهمي بسيط لصغر سني .  كما أن والدي يجيد اللغة الهندية ، فهو لا يقرأ الترجمة البتة ، ويستبق بعض المشاهد قبل أن تقع .
لقد كانت موضة أن تشاهد الفلم أكثر من مرة للتباهي و للمتعة أيضاً .
لقد سمعت من "أمي طاباشان " صوت الشهادة " أشهد أن لا إله إلا الله "
وأردف قائلا : " وأن محمدا رسول الله "
الكل يصفر و يصفق له وجسمه يقطر من الدم نظرا لطلقات المسدس التي تلقاها من الشرير رئيس العصابة  ؟؟
غريب أمر هؤلاء !!
بل و الأغرب من ذلك أن بعضهم كان يَعُدُّ طلقات المسدس فيقول: "هَا هُوَ رَايْ وْلْدْ لْحْرَامْ هَا يْخْلِي فِيه ..  طْكْشْنْ ..
ها لْخَلْيَا لْوْلاَ..طْكْشْنْ هَا تَانْيَا ... ها ثالثا ...هَا رَابْعَة ... شْتي أنَا قُتْلْكْ أَرْبْعة ... خُوكْ شْدِيدْ !!! "
لم نكمل الفلم لأن والدي خاف من رؤية جدي لنا في فضاء السينما ، فأنتم تعلمون مدى الوقار الذي يكنه أبي لجدي ، فطلبت منه أن يكمل لي الفلم في طريق ذهابنا إلى المنزل .
لا أخفيكم سرا خرجت ورأسي يكاد أن ينفجر بل إني لم أعد أشعر به " مْحَشْشْ "، فقد كان يجلس أما منا رجل مسن  يرتدي جلبابا صوفيا يدخن " الكِيفْ " و الواضح أنها كانت " مُدَرَحة " بما فيه الكفاية ، ليت الأمر إقتصر على ذلك ، فقد كان يجلس بالقرب منا  شاب في العشرينيات من عمره ،طيلة العرض وهو منهمك في  لف الحشيش في السيجارة فيدخنها ثم  يعيد لف سيجارة أخرى حتى نهاية الفلم .



 
  محمد الشاوي-المغرب (2013-03-09)
Partager

تعليقات:
fatima assifar /maroc 2015-07-09
واناابحث فوجئت بصورتك وحكايتك الجميلة والعفوية التى تحكى عن جزءجميل من حياتك الا وهو الطفولة وتعليق حياة فضحكت من كل قلبى وقلت ياللصدفة الجميلة هاته...استمرارية موفقة .تحياتي لك ولحياة.
البريد الإلكتروني : fatimaassifar@hotmail.fr

Hayat /Assifar 2015-01-19
Mi Alma,me gusta mucho la historieta .refleja los principios de la familia que lastima se perdieron voy dia.Tequiero mi loquito filosofoe
البريد الإلكتروني : Warda.hamra8877@gmail.com

عمر المعمري /تونس 2013-03-11
إلى الأستاذ محمد الشاوي .
لقد أعجبتني طريقة سردك القصصية ببساطة لغتك ودقة معانيها ، بدون
مبالغة في الوصف .
جمالية عملك يكمن في البعد الواقعي وحضور التجربة الذاتية المفعمة بذاكرة الطفولة الجميلة التي عادت بي إلى الماضي .
البريد الإلكتروني : El ararri@yahoo.fr

lمبيريك يماني /بشار الجزائر 2013-03-10
الى الاخ الكريم محمد الشاوي لم افهم الجديد في مقالك واين تكمن الجدة استسمحك اراه خاليا من فتلية السرد وكذا نسقية التراص الفني في جمالية النظم القصصي بل ذلك واقع الحال الذي يحياه كل انسان في مرحلة من حياته.
البريد الإلكتروني : yamanimebirik@yahoo.ca

wissal messari /martil 2013-03-09
rien à dit :)
البريد الإلكتروني : girl_moda-yah@live.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أنا وأبي وجدي-محمد الشاوي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia