إن بعض الظن إثم....؟!-عبد الغفور مغوار-فاس-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

إن بعض الظن إثم....؟!

 تناولت باليسرى قفة وباليمنى حافظة نقود جلدية غامق لونها، وبها مبلغ مالي يفي بتسوق بعض حاجيات البيت من خضر وفواكه. قصدت السوق الأسبوعي المقام على مشارف المدينة الغير بعيد عن محل إقامتها. بالحقيبة أيضا مبلغ فاتورة استهلاك الماء والكهرباء، وعليها قبل التسوق المرور بالوكالة للسداد كي لا تضاف على المبلغ الواجب أداؤه غرامة أخرى عن التأخر.
  مثقلة بهموم الحياة، جرت خطاها بالكاد صوب باب شقتها وهي تتمزق من التنهد فكم عانت من الضغط الدموي ومن ارتفاع الكولسترول ومن بدانتها التي لا تزيد جسمها العليل إلا وهنا على وهن. ليس لها معين في أمرها إلا الله، فالأولاد الثلاثة كل إما في دراسته أو عمله، أما الزوج فكثير السفر، فكم من عيد غاب عنه ليمر العيد بلا طعم.
  مع كل درج نزلته كان يزيد لهاثها فلا يسكن إلا عند باب العمارة حيث تجلس لبضع دقائق تلتقط أنفاسها. عادتها أن تترجل في مشاويرها عملا بنصيحة الطبيب، و كذلك حرصا على توفير كلفة استقالة سيارة أجرة أو حافلة. يوم التسوق يوم عسير عليها، يوم عمل شاق رغم أنه يوم عطلتها الأسبوعي. 
" ما هذه الحياة يا ربي لا راحة فيها؟" قالت والحسرة تأكل أحشاءها. " متى يتزوج الأولاد فأستريح أنا من كل هذا العناء؟ .... بالتأكيد ستخف أعباء البيت... ثم من أوهنني غير مسؤولية الأولاد؟ ....إيه الأولاد!... يكبرون و لا يذكرون ما عانته الأم ... الله ... الله على أولاد اليوم!  ..." واصلت حديثها مع نفسها وهي تلج الوكالة، فتبين لها أن دورها لا يصل إلا بعد الزوال وستفقد قواها لطول الانتظار فتضيع عليها فرصة التسوق.
" سأحاول إقناع سعد أو سارة بتسديد الفاتورة غدا صباحا قبل ذهابهما إلى الكلية." قالت وشيء من اليأس يخيم عليها لأنها تعلم أن كليهما لن يستجيبا لها ليس عقوقا و إنما لعدم قدرتهما على فعل ذلك، فالفترة فترة امتحانات والكلية بعيدة وعليهما الانطلاق من المنزل قبل أن تفتح أبواب الوكالة.
" ربما سعد سيجد متسعا من الوقت غدا...يفعل الله خيرا ... ربما تقبل مشغلتي بأن أتأخر بعد غد وأسدد بنفسي ..."

  أسعار الخضراوات والفواكه كانت مرتفعة شيئا ما ذاك الأسبوع، مما جعلها تمتعض لأنها لم تستطع جلب كل ما كانت تود جلبه، فميزانية البيت توترت بسبب مصاريف علاجها خصوصا مع آخر هذا الشهر.
 مخالفة لعادتها، قررت، عند عودتها، سلك مسار آخر لربح الوقت، غير أنه مسلك غير آمن لشبه خلوه من الحركة. سارت عليه وهي تتأفف لحالها و تحوقل وتتعوذ محاولة بذلك التغلب على خوفها. لكن لا حوقلة ولا تعوذا نفعاها حينما سمعت وقع أقدام تلاحقها. من رعبها لم تقو على الالتفات وزادت من سرعتها وهي تحس أنها لا تسير إلى الأمام بل تسير وكأن قوة تجذبها إلى الخلف. تصاعد زفيرها وشهيقها وارتعاشها بدنو صوت الخطى. مع تقطع أنفاسها، ثبتت في مكانها للتحقق ممن يلاحقها و للاستعداد لشر ما ينويه. " ربي ما هذا؟ أستغفر الله العظيم..." قالت و هي تتفرس ذلك الطفل الذي كان يسير مطمئنا وراءها و كأنه حمل وديع. " إن بعض الظن إثم... ظننته لصا يتسنى فرصة النصب علي ... فإذا به طفل وديع..." تضيف و قد هدأ روعها.
  كان طفلا في الثانية عشرة من عمره يرتدي بذلة وحذاء رياضيين ويضع على عينيه نظارة طبية. شكله ارتاحت له مشاعر السيدة فاستأنست به رفيقا في هذا الشارع الموحش. وجوده جعلها تعود بأمن وأمان إلى همومها وآلام مفاصلها وضغطها وهي تتصبب عرقا جعل حقيبتها تنسل بكل سلاسة من يدها ولا تدرك ذلك إلا والصبي قد فاتها بأمتار عديدة بعد أن اعتلى صهوة الريح.



 
  عبد الغفور مغوار-فاس-المغرب (2013-05-30)
Partager

تعليقات:
افسانة /المغرب 2013-06-04
أيها الناس، إن الإثم أن تقول بعد فوات الأوان: ويلي ويلي ويلي.
البريد الإلكتروني :

عبد الله اغونان /المغرب 2013-06-01
قال الله تعالى
ان بعض الظن اثم
أي ان بعض الظن ليس اثما نحن لانعلم الغيب ولاالنوايا لكن عليناان نعاين القرائن
وقديما قيل
سوء الظن من الفطن
شكرا لك سي عبد الغفور مغوار أن قدمت لنا صورة الأم الحنون والتي أحسنت الظن بالفتى
الذي هو في الحقيقة كأنما سرق أمه الطبيعية
انه جنوح الأحداث لمحت اليه هذه القصة الممتعة
وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين
البريد الإلكتروني : irhounane@live.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

إن بعض الظن إثم....؟!-عبد الغفور مغوار-فاس-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia