مفهوم "العلمانية" في الوطن العربي-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

مفهوم "العلمانية" في الوطن العربي

  يونس إمغران    

   ** تجري – راهنا - أحداث كثر بواقعنا السياسي والاجتماعي والثقافي العربي، تفرز لنا يوميا، وقائع جديدة، لم نعهدها من قبل، ولم نكن نتنبأ بحدوثها بهذه السرعة، بل لم نتخيل قط إنجازها في هذا الوقت الوجيز.. هكذا انفجرت الأوضاع بتونس، و بعدها بمصر، ثم تلتهما ليبيا فاليمن، بينما لازال الحراك قائما بالبحرين و الأردن والمغرب، وإن كان بإيقاع مختلف، و بروح نضال متفاوتة من حيث الحرارة والحدة و الإصرار و الصمود.. لكن المؤكد أن التغيير – عنوان هذا الحراك الجوهري – آت لا محالة، عاجلا أم آجلا، باعتبار أن المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، بات أكثر إيمانا بضرورة تحقيق حلمه المتمثل في الحرية و العدالة و الكرامة، سواء كان بالاعتصامات و المسيرات و الوقفات الاحتجاجية، أو كان بدمه وروحه و جسده.. المهم أن حراكه سيظل و سيستمر سلميا مهما تكالبت عليه قوى البغي، و امتدت إليه بالقتل، أو الاعتقال، أو الاختطاف.
    غير أن الذي لم نتنبأ به من قبل، هو أن جملة من المفاهيم السياسية و الإيديولوجية التي ولدت بالغرب المسيحي، وتغذت على موائده الفكرية، و ارتوت بينابيعه الفلسفية والتاريخية، كشفت عن حمولة جديدة و مغايرة تماما لأصلها، بمجرد ما وطئت بلدان العرب، و استظلت بسمائهم، و افترشت أراضيهم، و اغترفت من عقليتهم الآسنة؛ منها على الخصوص: الديموقراطية، و الشرعية السياسية، والعلمانية، و غيرها كثير.
     فالديموقراطية في البلاد العربية، لا تعني إطلاقا الاحتكام إلى إرادة الشعب، و لا إلى مفاهيم الأغلبية و الأقلية، و لا إلى العمل بمنطق التناوب على السلطة، و لا إلى تكريس احترام الحريات العامة، وحقوق الإنسان..
    كما أن الشرعية في البلاد العربية، لا صلة لها إطلاقا بصناديق الاقتراع، و لا باختيار شعبي حر، و لا بانتخابات نزيهة و شفاف، و لا برئيس منتخب، و لا بمجالس دستورية شكلها الشعب بماله و وقته وتصويته..
     كما أن العلمانية في البلاد العربية، لا تحمل نفس المواصفات التي تختزنها ذاكرة العلمانية في الغرب المسيحي، حيث الفصل بين الدين و الدنيا، و احترام المعتقدات الدينية، و ما لقيصر لقيصر، و ما لله لله.
     إن الديموقراطية و الشرعية و العلمانية و الحداثة و التقدم والمعاصرة، و قل ما شئت من مفاهيم الحضارة النصرانية، في الفكر العربي المستبد و الجائر، تعني شيئا واحدا: هو الاحتكام إلى العسكر، و الاحتماء بالأمريكان، والتواطؤ مع الأروبيين، و تشويه الحقائق والمعطيات للرأي العام المحلي و الدولي، عبر توظيف وسائل الإعلام في أعمال إرهابية، و بلطجية، و حقد، و كراهية، و دعوة إلى القتل، وإعلان الحرب الأهلية.. إن الشاهد و المرجع في فهم هذه العلمانية "العربية"، نلمسها - بلا شك - في الدروس الواضحة المستخلصة من التجربة المصرية الأخيرة، و التي يريد عسكرها اليوم، أن يعمموا نموذجها على سائر العقول المختلة، و النفوس المريضة، و الدول التي لها القابلية، للاقتناع بها، و اقتباسها، و دفع الجميع إلى تسويقها هنا و هناك.
     لقد بات مؤكدا أن التغيير بالوطن العربي صعب المنال، وطويل الطريق، و أنه معركة بين الخبيث و الطيب، و سجال بين الخير والشر، و حرب فاصلة بين الحق والباطل.. كما أصبح يقينا، أن جيوب مقاومة التغيير، و مناهضة الفساد في الوطن العربي، تحتشد في جهة واحدة لا ثانية لها، و هي العلمانية بلبوساتها و أطيافها المختلفة؛ العسكرية و الليبرالية و اليسارية و الوجودية و الدهرية.. فالعلمانية في الوطن العربي، لا تؤمن بفصل الدين عن الدنيا كما نجح الغرب المسيحي في تجسيده، سواء في فكره أو أعماله المادية، ضمن عمليات حضارية شاقة و عسيرة، و إنما تؤمن فقط، بمحاربة الدين والعمل، ليل نهار، على الطعن فيه، و تسفيه ركائزه، والاستهزاء بمعتقداته.. و التضييق على دعاته و أتباعه، ثم – في نهاية المطاف - استئصال جذوره و فروعه، حتى لا تقوم له قائمة بعد ذلك أبدا..
 العلمانية في الوطن العربي، هي مشروع لتأليه الإنسان المستبد، والإعلان عن موت الإله.. و هي مشروع يسعى إلى تحقيق دولتها بالانقلابات العسكرية، و تكسير صناديق الاقتراع، و ترويع الآمنين والساجدين يالقتل و الإرهاب، و تشكيل حكومات صورية، و إقامة محاكم تفتيش، و مشانق للأبرياء و الخصوم السياسيين على حد سواء، و تهيئة السجون لفضلاء القوم، وأحرار الفكر.. و فتح أراضيها للاحتلال الأمريكي و الأوربي، و سمائها لطائرات صهيونية بدون طيار لقتل المدنيين الأبرياء.



 
  يونس إمغران (2014-03-14)
Partager

تعليقات:
عبد الكريم /تونس 2014-05-30
# فالديموقراطية في البلاد العربية، لا تعني إطلاقا الاحتكام إلى إرادة الشعب، و لا إلى مفاهيم الأغلبية و الأقلية، و لا إلى العمل بمنطق التناوب على السلطة، و لا إلى تكريس احترام الحريات العامة، وحقوق الإنسان..#
يونس امغران
بالرغم من مسحة السخرية فقد وضعت اصبعك على مفتاح الازمة ...
عبدالكريم ـ جمعية ابن خلدون
البريد الإلكتروني : ika. post@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مفهوم

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia