شهادة عبد السلام الكلاعي في حق نور الدين الصايل-عبد السلام الكلاعي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

شهادة عبد السلام الكلاعي في حق نور الدين الصايل

  نور الدين الصايل    

شهادة للتاريخ الصغير: أتمنى و بعد أعوام أن أكتب مثل هذه الشهادة و أجمل في حق من سيملأ الفراغ الصاخب الذي تركه رجل كبير، و أنا راغب أن يحل مكانه رجل كبير أيضا عارف و متمكن من مهنتنا و مما سيتحمله معنا من تعب السنين من أجل إستكمال بناء سينمانا المغربية.
هذا الرجل كان ينظر نحو الأعلى. كان ينظر حيث سينمانا المغربية و الإفريقية و الجنوبية عليها أن تصل. كان ينظر نحو الأعلى و يريدنا أن ننظر معه هناك إلى تلك النقطة البعيدة التي تبدو حلما و لكننا قادرون على الوصول لها. عرفته أول مرة و أنا يافع مغرم بالسينما، فعرفني على من يحبهم. عرفني على أوزو و كوروزاوا و فورد و ميخايلكوف و ويلز و الكثير الكثير من احبائه الذين أحببتهم من خلال برنامجه السينمائي التلفزي. و مضت الأعوام و شاءت صدف التاريخ الصغير أن أنتهي من أعمال بعد الإنتاج لفيلمي القصير الأول يوم عين مديرا للمركز السينمائي المغربي فقابلته و لم نتحدث لبعض و لم نتبادل السلام و كان أول لقائنا و أنا على مائدة تصحيح الألوان مع الفقيد حميد بايزو و هو يتفقد المختبر السينمائي مع الفقيد الحي مصطفى الستيتو. مضت الأيام بعدها و أنا أتلعثم لغتي السينمائية شريطا قصيرا بعد شريط قصير. صرنا نتبادل التحيات و كلما كان عملي ينضج أكثر كنت أحس الرجل يقترب مني أكثر و يقول كلمات طيبة كلما إلتقينا في مهرجان ما. حين انتهيت من فيلمي السينمائي الطويل الأول "ملاك"، أنهيته نهائيا و أخرجت الدي في دي النهائي الذي سأبدأ بإرساله للمهرحانات تذكرته، لأننا حين نكون منهمكين في العمل ننسى حتى أنفسنا. قررت أن أزوره في مكتبه و أهديه نسختين من الدي في دي. كان أول لقاء لي بالرجل و كنت مرعوبا من حكمه على فيلمي. ليس كبيروقراطي و إنما كعارف جيد بكل القارات و البحار التي أنهل منها لأصنع أفلامي. كانت مغامرة فادحة قررت القيام بها و ليحدث ما يحدث. إستقبلني في مكتبه و قلت ما لا أذكره في تحيته و عن الجو الجميل و العرائش و سمكها اللذيذ و عدم حصولي على دعم التلفزيون لإنتاج فيلمي و في الأخير قلت له: "أتيتك بنسختي دي في دي لفيلمي. إن أعجبك سأكون سعيدا لأنني أعرف ذوقك في السينما، و إن لم يعجبك.." و انقطع حبل كلامي. أجابني الرجل: "سأسافر اليوم لخريبكة بدأنا التحضير للمهرجان و سأحاول رؤيته في غرفتي بالفندق. سأطلب مدي بقارء دي في دي لذلك." في الغد إتصل بي. قال كلاما جميلا عن الفيلم. قال " فاجأتني.. فيلمك مفاجأة السنة." كدت أقفز من الفرح و أنا أحاول أن أسوس صوتي كي لا يبدو عليه أي انفعال. ثم قال "البداية كانت طويلة شيئا ما. لو كنت استشرتني قبل إنهاء المونتاج لقلت لك أن عليك تقصيرها لندخل مباشرة في الحكاية." تذكرت حينها أنني فعلا حذفت الكثير الكثير من بداية الفيلم و قلت في نفسي أن الرجل يعرف جيدا عما يتكلم و هو الذي لم يجلس يوما خلف طاولة مونتاج." جاء لقاءنا الأول بعدها في مهرجان مراكش حيث سيعرض فيلمي في "خفقة قلب" و من حينها صار الرجل يكلمني عن مشاهد محددة في أفلام طاركوفسكي أو فورد و عن سمك الأنشوا المرقد اللذيذ الذي يصنع في العرائش منذ الفينيقيين و عن النبيذ الأحمر و تشيخوف و دوستوييفسكي و فيسكونتي و شرطي المرور "الباسل" بالعامية - و التي تعني الثقيل الظل بالفصحى – و الممثلة الجميلة التي لا تعرف معنى التمثيل و طنجة الخمسينات و الستينات الكوسموبوليتانية و.. و.. و.. و كنت سعيدا دوما بالحديث إليه كما يكون تلميذ سعيدا بالحديث لمعلمه الصارم القليل الإبتسام في الفصل و الشحيح في تبادل الكلام. و مر عام و نصف و جاءت لحظة تقديمه لحصيلة السنة فأتفاجأ به يذكر فيلمي "ملاك" و يسميه "الفيلم الجميل جدا" و يعود لذكر فيلمي مجددا قائلا: "أن يحقق فيلم مثل ملاك أربعين ألفا من المتفرجين في القاعات السينمائية معناه أن الجمهور السينمائي بدأ يهتم بالسينما" ثم يعود ليذكرني بإسمي قائلا: " وإن سألتموني عن ذوقي السينمائي الشخصي فذاك أمر آخر حينها قد أكلمكم عن مومن السميحي و فوزي بن سعيدي و عبد السلام الكلاعي." لن تتصوروا حينها كم فوجئت و فرحت لتلك الكلمات. لم أعتبرها نابعة من مدير أو بيروقراطي و إنما من مؤسس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب في بداية السبعينات - و التي فيها تربيت على اللاتجاري من السينما - و من ناقذ سينمائي صارم كالنصل و منظر للسينما بأفق لا محدود، و أستاذي الذي عرفني على أحبائه من المخرجين المؤلفين الكبار و عمري إثنا عشر سنة أمام تلفاز بيتنا. أتمنى أن ألتقي بك قريبا أيها المعلم الكبير و أتمنى أن تستمر في النظر نحو الأعلى.



 
  عبد السلام الكلاعي-المغرب (2014-04-11)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

شهادة عبد السلام الكلاعي في حق نور الدين الصايل-عبد السلام الكلاعي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia