محمد أديب السلاوي الاحتفاء بألوان الأنامل الناعمة-بنيونس عميروش
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
إصدارات

محمد أديب السلاوي الاحتفاء بألوان الأنامل الناعمة

  غلاف كتاب "التشكيل المغربي بصيغة المؤنث"    

قبل الوقوف عند مؤلف الأستاذ محمد أديب السلاوي " التشكيل المغربي بصيغة المؤنث" وجب التأكيد على أن هذا المصنف جاء ضمن مجموعة من العناوين المتكاملة التي تحيط بمسار  الفن التشكيلي المغربي المعاصر منذ بداياته إلى الآن، إذ يعود  مبتدأ هذه الرحلة التصويرية الى سنة 1978 مع كتابه " التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة " الصادر عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق، وهو الإصدار الذي يعتبر مفتتح كتب الأدبيات التشكيلية باللغة العربية في المغرب. بعد هذا المصنف، صدر للأستاذ محمد أديب السلاوي " أعلام التشكيل العربي بالمغرب" عن وزارة الثقافة والإعلام في بغداد العام 1982، وهو الكتاب الذي عمل فيه على رصد وقراءة أهم التجارب التشكيلية المحلية المتسمة بالحضور والإبداعية. وكامتداد لسؤال الفن والتراث، سيقارب تجليات الحرف العربي في الإبداع التشكيلي المغربي من خلال عنوان " الحروفية والحروفيون" الصادر عن دار البوكيلي بالقنيطرة في سنة 1998، انطلاقا من حركة " الحروفية العربية " التي انتعشت منذ  أواسط أربعينات القرن الماضي بالمشرق العربي وظلت تنتشر إلى أن شملت مجموع الأقطار العربية التي رفعت على التوالي شعار الأصالة والهوية والعودة إلى منابع التراث.
في خضم هذا الانتقال من الرؤية الشمولية إلى الرؤية الحصرية التي تشتغل على ميل محدد كما هو الأمر في " الحروفية "، تبقى مسالة النقد سؤالا رئيسيا لتوليد معنى الكتابة ومبناها عند محمد اديب السلاوي، ما أسس النقد التشكيلي؟ كيف ننظر إلى النقد؟ ما العلاقة الجدلية بين النقد والإبداع؟ كيف تتمثل صورة النقد في المغرب؟ مثل هذه الأسئلة التي طرحها في كتابه الأول" التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة"، ستجد صداها وامتدادها وكذا السعي إلى الإجابة عنها في مؤلفه " التشكيل المغربي- البحث عن الذات" الصادر بالرباط في سنة 2009، حيث يربط المنجز البصري بطبيعة المغرب الجغرافية، التي تنهل من الحضارات الامازيغية والعربية والأندلسية والإفريقية الموغلة في عمق التاريخ، مما يفسر وفرة الأساليب في المعمار والنقش والزخرفة والنسيج والفخار في مختلف الصنائع والمشغولات، ليخلص إلى أن التقدم الذي عرفه الحقل التشكيلي خلال القرن العشرين " يعطي الانطباع أن هناك أبوابا مشرعة حول المطلق الإبداعي وأن هناك مئات الأسئلة والتساؤلات التي تطرح نفسها على هذا المطلق".
مع الألفية الجديدة، ستتخذ الكتابة حول التشكيل عند محمد أديب السلاوي صبغة لأمة تتغيء الاسترجاع والتمحيص وإعادة النظر في طبيعة امتدادات مسارات الفنانين والفنانات الإبداعيات، وإعادة تصنيفها بحس تاريخي، كما هو الشأن في كتابه " مائة عام من الإبداع التشكيلي المغربي" الصادر عن دار مرسم بالرباط في سنة 2010.
    ضمن هذا التوجه، نقف- في هذا المقام؟ على إصداره الأخير الذي خصصه تحت عنوانه : "التشكيل المغربي بصيغة المؤنث" عن منشورات نقابة الأدباء والباحثين المغاربة بالدار البيضاء (إصدارات أمنية، السلسلة النقدية 24،2012) وهو الكتاب الذي يشير في مقدمته الى أنه " بعد التوقف قليلا، عند حدود الهوية والمنهج، واستقراء المدارس والاتجاهات التي تشتغل بها فرشاة المبدعات المغربيات المعاصرات، من خلال ثقافة اللوحة/ لوحة الثقافة، ومن خلال الأجيال والتيارات، التي تحدد معالم الحركة التشكيلية المغربية بصيغة المؤنث، تحاول محاور هذا الكتاب التعريف بأهم الأسماء التي يتشكل منها فضاء الإبداع التشكيلي المغربي" بصيغة المؤنث"، وقد وضعناها على شكل قاموس سهل التناول، سهل الاقتراب من المرجعيات الاكاديمية، التي من شأنها تسهيل عمليات البحث والمقاربة سواء للنقاد أو للمهتمين والمتخصصين بالشأن التشكيلي. (ص8).

لعل هذا المقتطف من المقدمة، يقربنا بشكل جلي من الخطوط العريضة للكتاب، ومن الآليات المنهجية التي تبناها الكاتب للاجابة عن هذا التصور المترجم من خلال جداريات الكتاب  الأربع : " التشكيل المغربي بصيغة المؤنث" الهوية والمنهج و" من ثقافة اللوحة الى لوحة الثقافة" و" التشكيل المغربي بصيغة المؤنث : أجيال وتيارات، ثم أخيرا " أعلام التشكيل المغربي بصيغة المؤنث".
بعد القراءة المتأنية لهذه الفصول، تتضح معارج تصريف هذا التصور الذي يتصف بالمسح الشامل على المستوى الزمني الموصول بأبعاده التاريخية، بالقدر الذي نلامس فيه الأدوات والآليات البحثية التي استثمرها المؤلف في عملية التجميع والتفصيل والتحليل لإبراز تقاسيم ومعالم التجربة التشكيلية النسائية بناء على رصد المنعطفات وتصنيف الميولات وكيفيات الربط بين الأجيال وطبائع ممارستها التصويرية والنحتية من جهة، وبين الدوافع والمؤثرات البيئية والاجتماعية والثقافية التي ترسم خريطة الامتدادات والاختلافات والتقاطعات الأسلوبية، وذلك ما يبرر ما جاء في كلمة الناشر الأستاذ عبد اللطيف ندير الذي أكد على أن " من يقرأ هذا الكتاب، يكشف الجهد الكبير الذي بذله الناقد والباحث الفني محمد اديب السلاوي، خصوصا في جمع المادة، وضبط الموضوع وتحليل المعطيات وتصنيفها حسب اعتبارات تقنية، وقد نهج في ذلك كل الإمكانيات المتاحة في التأليف من رصد وضبط وتحقيق وتاريخ وتحليل"..
يقسم محمد أديب السلاوي التشكيل المغربي النسائي إلى ثلاثة أجيال متماسكة : جيل الرائدات الذي تمثله مجموعة من الفنانات البارزات أمثال مريم مزيان، الشعيبية طلال، فاطمة حسن، لطيفة التيجاني، مليكة اكزناي وغيرهن، وجيل المخضرمات، ثم الجيل الثالث من التشكيليات اللواتي تميزت إبداعاتهن بروح التجديد والحداثة. فيما يصنف الحركة التشكيلية بصيغة المؤنث عبر مجموعة الاتجاه الفطري، ومجموعة " تيار العصاميات" اللواتي استفدن من تكوين فني في مراسم خاصة، آو في مراكز بيداغوجية متخصصة، بينما يحدد المجموعة  الثالثة داخل فئة خريجات المعاهد الأكاديمية المغربية والعالمية اللواتي يتقن الرسم وفق القواعد العلمية.
في جداريته الرابعة، عمل على انجاز معجم  بثبت جل الفنانات التشكيليات، مشيرا الى أن " ما يتضمنه هذا المعجم من معلومات، أو شهادات نقدية أو تقنية أو فنية في حق المبدعات المغربيات، يؤكد على حقيقة جوهرية، وهي أن التجربة التشكيلية النسائية، بكل ما توفر لها، ستظل شاهدة على المسيرة الإبداعية التي رسمت المرأة معالمها الواضحة، منذ مئات السنين، والتي برهنت من خلالها وعيها بأهمية الإبداع في بناء حضارة الشعوب وتقدمها وترسيخ عمقها في التاريخ" (ص 45).
في هذا العمل، كما في كتابه " مائة سنة من الإبداع التشكيلي المغربي"، تتصاعد السمة التاريخية التي نستشفها في مجال منجزه النقدي التشكيلي الموسوم بلغة واضحة موسومة بغنى الأدوات المعرفية التي  تمتح من مختلف أوجه اهتماماته بالمسرح والأشكال المشهدية، فضلا عن كفاءاته الأدبية والصحفية التي جعلت منه أحد المتخصصين القلائل في الإعلام الفني المشفوع بحساسية الرؤية وسلاسة اللغة، وبالنفس الطويل في المتابعة المسترسلة على امتداد عدة عقود، العقود التي دأب الكاتب والصحفي محمد أديب السلاوي على تدوين وتحليل مساراتها التصويرية ومنحها تلك الصبغة المتماسكة التي تدفعنا لتلمس المجرى الديناميكي، من خلال وضعنا في حالة الذهاب والإياب داخل المدار التاريخي للتشكيل المغربي المعاصر عبر سلسلة مؤلفاته المخصصة للاحتفاء بثقافة العين والمنتصرة للجمالية البصرية....
نص الورقة التي ساهمت بها في تقديم وتوقيع كتاب " التشكيل المغربي بصيغة المؤنث" للكاتب محمد أديب السلاوي، ضمن برنامج الدورة 13 لربيع سوس للفنون التشكيلية بأغادير، جمعية أغادير للفنون التشكيلية، من 31 ماي إلى 2 يونيو 2013.



 
  بنيونس عميروش (2014-04-26)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

محمد أديب السلاوي الاحتفاء بألوان الأنامل الناعمة-بنيونس عميروش

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia