نهايةُ ظالمٍ-سفيان الرتبي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

نهايةُ ظالمٍ

  سفيان الرتبي    

ذات يوم ساد الصمت والظلام، تباطأت نبضات القلب، توقفت الحواس ثم دخل في عالم آخر. لم يعلم أنه في غرفة يكسوها التراب. يحاول الخروج، يحاول الصراخ، يحاول الحركة لكن دون جدوى.
زقزقة العصافير أثارت جنونه. خرج مسرعا وفي يده قوس صيد يلاحق أي عصفور سمع تغريده. لا يحب الانسجام. يحب أن يرى الدماء، فلوناه المفضلان: هما الأحمر والأسود. في أوردته يجري القتل والسفك. لا توجد في قاموسه كلمة "شفقة".
كان حاكما عنيفاً يلقبونه بالسلفادور الظالم؛ لسفكه دماء الأبرياء في مملكته. حدد قوانينه بنفسه وأصبح يتحدى الطبيعة. لا يؤمن بأي شيء إلا بالعنف والسلطة. يخرج كل مساء بألبسة مرصعة بالجواهر وسيف بيده يلمع من كثرة حدته مرددا كلمات ورثها عن أبيه: العنف يعني السلطة.
كلما التقى بأحد رعاياه يوقفه ليسأله عن هويته. ذات يومٍ صادف أحد الفلاحين فسأله:
ـ من أنا؟
أجابه الفلاح:
ـ عظمتكم الموقر، أنتم إلهي السلفادور.
أضاف السلفادور:
ـ ماذا يعني لك العنف؟
لم ينبس الفلاح ببنت شفة، مما أغضب الملك كثيرا حتى أشهر سيفه بسرعة ثم اشتد رقبته. تابع طريقه بعزة وافتخار إلى أن وصل إلى إحدى البحيرات التي كانت مورد ماء لأهل المدينة، فسمع صوت غناءٍ أنثوي عكرّ صفو مزاجه. بدأ يتربص صدى الصوت حتى وصل إليه. تفاجأ بفتاة يغازلها القمر من كثرة جمالها وعذوبة صوتها، اقترب منها بروية حتى وقف أمامها منتصب الرأسِ، شامخا كالجبل وعيناه مِلؤُها الغضب توحي بجبّار استيقظ من سباته بسبب صوتها.
رفعت الفتاة رأسها وصمتت ثم نظرت إليه بعد تصاعدت أنفاسها وتسارعت نبضات قلبها قائلة:
ـ مرحبا !
أبى الإجابة، بل شرع بالتدقيق في عينيها كأنه يحاول قراءة أفكارها عبرهما فلم يتمكن من ذلك. بعد أن أحس بالضعف أمامها. سألها:
ـ من أنا؟
ـ أنت !! من تكون؟
ـ أنا ! أنا سلفادور العظيم
ـ ومن يكون سلفادور العظيم؟
ازداد غضبه ثم أردف:
ـ حسناً، ومن هو الحاكم؟
قالت بعد أن أمعنت التفكير:
    ـ الحاكم شخص يتصف بالحكمة، الليونة، الأخلاق ويهتم بشؤون رعاياه يسير أمور الدولة.. هل فهمت؟
انبهر سلفادور بشجاعة تلك الفتاة وصُدم بإجابتها فسألها سؤالا آخرا:
ـ ماذا يعني لكِ العنف؟
ابتسمت وأجابته:
ـ ببساطة، العنف يعني الضعف.
فورما سمع إجابتها، أشهر سيفه وصوّبه نحو الفتاة محاولا قتلها. لم تخف من بريق السيف أو   رمشت عيناها حتى. تجمّد في مكانه لشجاعتها لا يدري ما حدث، خالجه شعور لم يعرفه طوال حياته وحينما لم يقو على أن يمسس رقبتها بسيفهِ، انصرف.
لم ينم طيلة الليل وكانت ملامح الفتاة تتشكل في مخيلته كلما أراد أن يطبق جفونه. يفكر في ابتسامتها ويرى عينيها رسخت في ذهنه. لم يعرف لما لم يقتلها؟ بل بدأ يؤنب نفسه لأنه انهزم أمام فتاة لا تعرف حتى من يكون. قرر العودة صباحا إلى البحيرة ليعلم عن سر تلك الشجاعة.
حينما وصل إلى البحيرة، نظرت إليه بخوف لأنها قد كانت عرفت هويته. فأحس سلفادور بقلب الفتاة يرتعش فزعا. ظنت أنه سيقتلها على تصرفاتها لكنه قال:
ـ ماذا فعلتِ بي؟ لما أشعر بالضعف أمامك رغم أني الأقوى في هذا الكون؟ الطبيعة تهابني، كل شيء يخاف مني إلا أنتِ !
قالت الفتاة:
ـ سامحني، لم أعلم أنك ذلك الشخص الطيب الذي يذكره الجميع طيلة الوقت، أنت الذي يسهر على مساعدة الفقراء، أنت الذي تحب الحب وتكره العنف؛ أنت سلفادور العادل.
ابتسم عند سماع الجواب. أدرك أن قوة الفتاة تكمن في حكمتها. فاستسلم لروحها وصارح نفسه بحقيقة أنه يوجد من هو أقوى منه ومن هو أكثر حكمة منه ومن هو أكثر جرأة.

همّ بالعودة إلى قصره متأملا في العبارات التي أثرت في فكره ومنهج حياته، مرددا: ''الحكمة أقوى من العنف'' وبينما كان في الطريق باغته مجموعة من الفلاحين الذين قتل أبناءهم واستولى على أراضيهم. فرمى سيفه ولم يشأ مبارزتهم. فجأة وبسرعة البرق تلقّى سهما على صدره مما أسقطه أرضا على الفور.
بينما كان في لحظاته الأخيرة، رأى فتاة البحيرة تركض وبيدها قوس وفي عينيها دمعة. حينما وقفت على رأسه قالت له بنبرة انتصار:
ـ تألم كما تألم أبي أيها الظالم.
تذكر موقف ذلك الفلاح الذي اشتد رقبته. فابتسم ابتسامة خفيفة وأيقن أن من سرقت قلبه هي من قتلت قلبه. فساد الصمت والظلام، تباطأت نبضات القلب، توقفت الحواس ثم دخل سلفادور في عالم آخر لم يعلم أنه في غرفة تكسوها التراب. يحاول الخروج، يحاول الصراخ، يحاول الحركة لكن دون جدوى.



 
  سفيان الرتبي-المغرب (2014-06-25)
Partager

تعليقات:
oualid /MAROC 2015-05-04
متشوق لمعرفتك يااخي سفيان الرتبي..انا من عشاق الكتابة..واعشق ابداعاتك...اريدك ان توجهني في هذاا المسار الابداعي... قمت بالبحث عنك...امد الايام...وبدون جدوى..لم اعثر عليك... ولم اعثر على اي شيئ يمَّكِنُنِي للوصول اليك....سألت طائر الغاب عنك..قلت له هل انت ذاهب الى عروسة الشمال طنجة ...اردت منه ان يبلغ سلامي اليك.. ...فأبى وحلق بعيدا... ولم يحب ان يرسل صدق مودتي وحنين اشتياقي لكم ... اتمني ان تطلع على هذه الرسالة وتراسلني..عن طريق التواصل الاجتماعي...والمرجوا من الاصدقاء الكرام.. اللذين يعرفون هذه التحفة الابداعية...ان يزودونني بعنوان تواصله الاجتماعي.....ولكم جزيل الشكر..
البريد الإلكتروني : oualidoualid_12@outlook.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

نهايةُ ظالمٍ-سفيان الرتبي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia