خزانة الأدب-عبد النبي ذاكر (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
إصدارات

خزانة الأدب


صدر للمحقق والبلاغي المغربي د. محمد ناجي بن عمر(1) كتاب: (خزانة الأدب وغاية الأرب)(2) لتقي الدين أبي بكر بن علي بن عبد الله المعروف بابن حجة الحموي (ت. 837هـ)، وذلك في 1157 صفحة من القطع الكبير. ويعتبر هذا المصنَّف النفيس خير دليل على قوة البلاغة العربية من جهة، وعلى أهميته كمشروع معرفي يعيد النظر في تاريخ البلاغة العربية. وتكمن الحاجة إلى تحقيق هذا العمل في إبراز غنى حقل البلاغة والنقد العربيين الإسلاميين، وإبراز إمكانية الإفادة من اجتهاداتهما وإنجازاتهما. ولذلك ليس غريبا أن تحظى هذه الموسوعة البلاغية والنقدية بتقاريظ العلماء قديما وحديثا؛ نذكر من القدماء ابن حجر العسقلاني وبدر الدين الدماميني والسخاوي وابن العماد الحنبلي، ومن المحدثين: زكي مبارك وعبد العزيز عتيق وأحمد إبراهيم موسى وعلي أبو زيد.
قال الأديب ابن حجر العسقلاني (ت. 852هـ) عن الكتاب بأنه: "مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعل مقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية"(3).
وإن شخصية مهمة مثل شخصية ابن حجة، عاشت حياة علمية وعملية غنية مليئة بالمعاناة والمفاجآت والتأليف والرحلات والمناظرات والمطارحات، لا يمكن إلا أن تثير اهتمام غيرها من الشخصيات البارزة في العصر نفسه، والتي شهدت له بالنبوغ والإجادة في أثره وسلوكه. قال عنه ابن حجر: "أشهد أن أبا بكر مقدَّم على أنظاره"(4) وقال عنه المقريزي: "وهو أحد أدباء العصر المكثرين المجيدين"(5). وقال عنه ابن قاضي شهبة: "تقدم في صناعة الأدب وشاع فضله"(6).وقال عنه السخاوي: "كان إماما عارفا بفنون الأدب متقدمتا فيها"(7). وقال عنه ابن خطيب الناصرية: "إمام أهل الأدب في زمنه"(8). وقال عنه السيوطي: "ابن حجة رأس أدباء العصر"(9).
وقال المحقق د. محمد ناجي عن "تقديم أبي بكر": "وجدنا فيه بعض الإجابات الممكنة عن الأحكام المحنَّطة في هذا التاريخ[يقصد تاريخ البلاغة]...إضافة إلى أنه يشكل نموذج مدرسة بلاغية لها أعلامها وخصائصها المنهجية والنظرية وإرهاصاتها في رحلة تطور "البديع"في استقلاله أو في إطار علم البلاغة عموما؛ إنها مدرسة البديعيات(10) وشروحها"(11).
نشأت هذه المدرسة مع صفي الدين الحلي (ت752هـ)، وانتشرت في الأقطار العربية كمصر والشام والمغرب مع ابن المقري اليمني (ت837 هـ)، وأبي محمد عبد الله الثعالبي (ت770 هـ)، وابن زاكور الفاسي (ت1120 هـ). وأظهرت هذه المدرسة أنها نتاج جمالي محصَّن ومسكون بالمصطلح، الذي تعاني من الحاجة إليه كثير من الاجتهادات النقدية المعاصرة، وأظهرت أنها مدرسة عربية خالصة لا أثر فيها لدخيل أجنبي. بل، من خلال البديعيات، حاولت "البلاغة العربية أن تستعيد عنفوانها، وتفجر أدبياتها، وكأنها تتحصن بتقاليدها الفنية لإثبات وجودها الحضاري في مواجهة المد الصليبي، وخوف من هجمة التتار"(12). ذلك أن ابن حجة الحموي نظر إلى بديعيته نظرة جمالية ونصية تركيبية وإبداعية تذوب فيها كل العلوم من أجل خطاب جمالي إبداعي وفكري عربي إسلامي. وهذه النظرة من أنذر النقط التي تلتقي فيها المدرسة المشرقية مع المدرسة المغربية خلال القرنين الهجريين السابع والثامن رغم المنطلقات المختلفة لكل منهما(13).
وحسب المحقق، يُبرِز الكتاب "توهج الدرس البلاغي في ذلك العصر، ويبرزه درسا قويا أصيلا محصنا بالمصطلح، ومقوى بشرح يمتاح من كل أطوار تاريخ الأدب والفكر العربيين. ويرد يقينا لا ظنا ولا استنباطا على من يدرجه ضمن تراث "عصور الانحطاط" بأنه كتاب مميز شهد له أشهر معاصريه بذلك، وأن صاحبه ناقد مبدع متقن لدوره التأليفي.
وقد أظهر شراح البديعيات وقبلهم ناظموها أن البلاغة العربية قوية قوة أصولها وامتداداتها في الوجدان والعقل العربيين الإسلاميين"(14).
صدر المحقق هذا العمل الموسوعي الضخم بدراسة من أربعة فصول تتوخى تأطيره في زمانه ومكانه وترجمة مؤلفه ووضعه في سياقه الإبداعي وإبراز عناصر قوته.
اشتمل الفصل الأول المتعلق بعصر ابن حجة وحياته، على مبحثين: المبحث الأول ويتناول عصره وواقعه السياسي والاجتماعي والثقافي والإبداعي؛ والمبحث الثاني ويطول حياته العلمية وأطوارها وشيوخه وتلامذته ومناصبه وتنقلاته وآثاره الإبداعي النثرية والشعرية والنقدية وأقوال العلماء فيه وتأثيره في من بعده.
أما الفصل الثاني فخصَّ المحقق مبحثه الأول للبديعيات، متتبعا رحلة مصطلح "البديع" لغة واصطلاحا، منذ إرهاصاته مع أبي عبيدة (ت. 210 هـ) والجاحظ (ت. 255 هـ)، إلى نشأته مع ابن المعتز (ت. 296 هـ) إلى تطوره مشرقا ومغربا مع عبد العزيز الجرجاني وقدامة ابن جعفر وأبي علي الحاتمي وأبي هلال العسكري وابن سنان الخفاجي والزمخشري والرازي والسكاكي وابن الأثير وابن أبي الأصبع وحازم القرطاجني وأبي القاسم السجلماسي وابن البناء المراكشي.
أما المبحث الثاني فخُصٍّص لتعريف البديعيات ونشأتها وتطورها ووضعها في ميزان النقد مع تقديم نماذج من شروحها: كـ: (شرح الكافية البديعية) لصفي الدين الحلي، و(الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة) لابن المقري اليمني، و(نظم البديع في مدح خير شفيع) للسيوطي، و(الفتح المبين في مدح الأمين) لعائشة الباعونية.
وقد جاء الفصل الثالث كذلك مقسما إلى مبحثين اثنين: الأول عبارة عن وقفة دراسية لـ"تقديم أبي بكر"، حاول فيها المحقق تتبع منهجية ابن حجة في التأليف وخطواته في الشرح وخصائص الشرح لديه، ليركز في المبحث الثاني على القيمة العلمية: النقدية والبلاغية والأدبية لـ"تقديم أبي بكر" والتأثير في من جاء بعده كالبسطامي والسيوطي والعماد الحنبلي وعبد الغني النابلسي والبركجي الحلبي ومحمد بن إسماعيل وعبد اللطيف البيروتي وحفني ناصف وبّولص عواد.
وبدوره، انشطر الفصل الرابع إلى مبحثين: مبحث أول، وهو عبارة عن وقفة تحقيقية مع العنوان ووصف النسخ المخطوطة والمطبوعة التي تم اعتمادها، كنسخة الموصل ونسخة طلعت ونسخة الفاتيكان ونسخة القاهرة ونسخة بولاق ونسخة شعيتو. ليختصَّ المبحث الثاني بآليات التحقيق والتخريج من ضبط للهوامش واستخراج للشواهد وشرح للكلمات الصعبة وترجمة للأعلام وجرد للمصطلحات البلاغية والنقدية وفهرسة للآيات والأحاديث والكتب والأعلام والأمكنة والقبائل والمصطلحات والمصادر والمراجع والموضوعات.
وحري بنا أن نشير إلى أن كتاب: "تقديم أبي بكر"، تضمن قضايا نقدية وبلاغية هامة نجملها في الآتي: حسن الأداء وبراعة الاستهلال، والجناس بأنماطه المختلفة: المركَّب والمطلق والملفق والمذيل واللاحق والتام والمطرف والمصحف والمحرف واللفظي والمقلوب والمعنوي، ثم الاستطراد والاستعارة والاستخدام والهزل الذي يراد به الجد والمقابلة والالتفات والافتنان والاستدراك والطي والنشر والمطابقة والنزاهة والتخيير والإبهام وإرسال المثل والتهكم والمراجعة والتوشيح وتشابه الأطراف والتغاير والتذييل والتفويف والمواربة والكلام الجامع والمناقضة والتصدير أو رد العجز على الصدر والقول بالموجب أو أسلوب الحكيم والهجو في معرض المدح والاستثناء والتشريع والتتميم وتجاهل العارف والاكتفاء ومراعاة النظير والتمثيل والتوجيه وعتاب المرء نفسه والقسم وحسن التخلص والاطراد والعكس والترديد والمذهب الكلامي والمناسبة والتوشيع والتكميل والتفريق والتشطير والتشبيه والتلميح وتشبيه شيئين بشيئين والانسجام والتفصيل والنوادر والمبالغة والإغراق والغلو وائتلاف المعنى مع المعنى ونفي الشيء بإيجابه والإيغال والتهذيب والتأديب وما لا يستحيل بالانعكاس والتورية والمشاكلة والجمع مع التقسيم والجمع مع التفريق والإشارة والتوليد والكناية والجمع والسلب والإيجاب والتقسيم والإيجاز والاشتراك والتصريع والاعتراض والرجوع والترتيب والاشتقاق والاتفاق والإبداع والمماثلة وحصر الجزئي وإلحاقه بالكلي والفرائد والترشيح والعنوان والتسهيم والتطريز والتنكيت والإرداف والإبداع والتوهيم والإلغاز وسلامة الاختراع والتفسير وحسن الاتباع والمواردة والإيضاح والتفريع وحسن النسق والتعديد والتعليل والتعطف والاستتباع والطاعة والعصيان والمدح في معرض الذم والبسط والاتساع وجمع المؤتلف والمختلف والتعريض والترصيع والسجع والتسميط والالتزام والمزاوجة والتجزئة والتجريد والمجاز وائتلاف اللفظ مع المعنى وائتلاف اللفظ مع الوزن وائتلاف اللفظ مع اللفظ والتمكين والحذف والتدبيج والاقتباس والسهولة وحسن البيان والإدماج والاحتراس وبراعة الطلب والعقد والمساواة وحسن الختام.
وقد تم ختم الدراسة بمتن القصيدة المشروحة، وتقع في اثنين وأربعين ومائة بيت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1 ـ أستاذ البلاغة والعروض بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكَادير ـ المملكة المغربية. من تحقيقاته في مجال البلاغة كتاب: الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة، لأبي بكر بن إسماعيل بن المقري اليمني (ت. 837 هـ)، ط1، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2006م. وهو الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على تحقيقه لكتاب ابن حجة الحموي: كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام.
2 ـ  ابن حجة الحموي (ت 837هـ ):  خزانة الأدب وغاية الأرب وهو شرح للبديعية في مدح الرسول (ص) للمؤلف الموسومة بـ"تقديم أبي بكر"، تقديم وتحقيق د. محمد ناجي بن عمر؛ ط1، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان 2008.
3 ـ خزانة الأدب، المرجع السابق، ص5.
4 ـ نفسه، ص65.
5 ـ نفسه، ص65.
6 ـ نفسه، ص65.
7 ـ نفسه، ص65.
8 ـ نفسه، ص65.
9 ـ نفسه، ص ص66.
10 ـ البديعيات قصائد تقوم على ازدواجية غريبة هي: الإبداع (النظم في غرض المديح النبوي) والتنظير(النظم بمصطلحات وأساليب جمالية)؛ خزانة الأدب، المرجع السابق، ص5.
11 ـ المرجع نفسه، ص5.
12 ـ  د. عباس ارحيلة: الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربية إلى حدود القرن الثامن الهجري؛ ط1، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1999م،  726.
13 ـ خزانة الأدب، المرجع السابق، ص6.
14 ـ المرجع نفسه، ص6.



 
  عبد النبي ذاكر (المغرب) (2009-03-19)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

خزانة الأدب-عبد النبي ذاكر (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia