أبيض وأسود-حسين السنيد-بغداد-العراق
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

أبيض وأسود

  حسين السنيد    

وقف أمام المرآة، عدل ربطة عنقه، تقرب أكثر.. نظر لوجهه، مسح شواربه و ذقنه .. اهتم بأقل التفاصيل وحرص أن يبدو أنيقاً..
رتب أطراف شعره.
كأن سيوفاً بيض شقت ظلمة ليل شعره الاسود!
توقف للحظات، تمعن في الشيب الظاهر في شعره، عدة شعيرات بيض.
دقق في النظر، ادار رأسه يمينا و يسارا بينما ينظر في المرأة ليعرف هل بدأ الشيب يشتعل في رأسه فعلاً؟ ملامح وجهه تغيرت وشعر بحرقة.
حاول أن يعدها، ثلاثة او اربعة او اكثر، ظل مبهوتا ينظر إلى نفسه في المرآة.
-كل شعرة بيضاء هي خطوة اقرب الى الموت .. ها انا ذا أشيب و أكبر، ذلك الطفل المشاكس و الشاب الطموح.
أعاد النظر الى الشعيرات البيض، فربما كان مخطئاً او أن انعكاس للضوء هو السبب!
خاب أمله حين تأكد من وجودهن.. تتمايلن و كأنهن تسخرن منه!
فجأة ردد مع نفسه:
- "لن أُبقي عليك ايتها الشعيرات القبيحات" ومسك باحداهن ونتفها بقوة وسرعة.
نحدق فيها: "انتِ اذا تجعلينني اشيخ؟
ابتسم ابتسامة المنتصر ..أمسك بأخرى، لكنه تمهل هذه المرة.
ماذا فاعل أنا؟ هل أعادي شعرة بيضاء نبتت في رأسي؟ هل انا ضعيف لهذا الحد؟ ابتسم ساخراً..
- "حبيبي، الشيب يجعلك اكثر جمالاً" قالت زوجته مبتسمة.
التفت إليها، كانت تقف حاملة ابنهما الصغير.
حمل ابنه واستدار لينظر إلى صورة ابيه المعلقة على الجدار .. خطى نحوها ووقف يتأملها. كان ابوه قد توفى منذ عشرة سنوات. سرح بفكره بعيدا و تذكر طفولته ,حين كان يصطحبه الى العمل او المناسبات الاجتماعية، وحين كان يقسو عليه أحياناً. - "هل ساصبح يوما مجرد صورة ؟"
بينما كانت هذه الافكار تخيم على رأسه، لمسه ابنه الصغير من وجهه .. نظر اليه، استمر الطفل يداعب وجه أبيه وشعره، ابتسم لإبنه متلذذا بلمساته الناعمة.
أعاد الطفل لزوجته وتأهب للخروج، عند الباب مسح دموعهُ وشعر بحب نحو الشعيرات البيض.



 
  حسين السنيد-بغداد-العراق (2014-07-22)
Partager

تعليقات:
ع ابروح /تطوان 2014-07-22
حكي متالق نابع من احساس وجودي ربما يؤرق الكثير من الناس واخرون لا يحفلون في زحمة الحياة
المراة نعمة في طيها نقمة فعلا هكذا الحياة ابيض واسود وبينهما مساحات واسعة خضراء ورمادية للمتفائلين هذه القصة تطرح اسئلة وجودية و تلامس كنه العمر وتتوسل بتقنيات الوصف والحوار مما يؤكد قدرة الكاتب السردية وموهبته الكامنة
البريد الإلكتروني : a bouroh@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أبيض وأسود-حسين السنيد-بغداد-العراق

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia