حديث عاشوراء-محسن العافي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

حديث عاشوراء

  محسن العافي    

فاجأني وهو يحمل مسدسه في يده ،وقال لي: ارفع يديك ! فرفعتهما،لقد كان ابن الجيران رفقة صِبْيَةٍ من زملائه يمزح معي ذات يوم من أيام عاشوراء ، تبللت أجزاء من ثيابي بما كان من ماء في مسدسه ، تملكت غيظي وغمغمت بكلام غير مفهوم وانصرفت. لقد تعودنا أن نتقبل ما يفعله الأطفال في مثل هذه الأيام ،ولو انزعجنا .وفي اليوم الموالي و بينما كنت عائدا من عملي ، مررت بالقرب من مدرسة حيث تعالت الأصوات، وتاهت العقول، وأصابني الذُّهول ،لُذْتُ فارًّا من تلك الأصوات الصاخبة ،والحركات الدؤوبة والصياح ،لقد كان الكل يتراشق ببيض الدجاج .
سألت أحد التلاميذ قائلا : من أين تأتي بالمال لتشتري به البيض ؟
رد قائلا :  إن أبي يعطيني إياه .
قلت :هل يعرف أنك ستشتري به بيضا لهذا الغرض ؟
قال لي :نعم  إنه يعرف ذلك ، وعند عودتي إلى البيت، يسألني قائلا : هل أصَبْتَ الهدف ؟
قلت في نفسي :نِعم الشخص أبوك، فهو حريص كل الحرص على إصابتك لأهدافك النبيلة هاته .
ثم استأنفت مسيري لأجد الكرَّ والفَرَّ أمام ثانوية  ضاربة في القدم ،وتاريخها قد ارتبط بشخصيات بارزة تخرجت منها ،وإذا بي أسمع صوتا لبيضة وقد ارتطمت بوجه فتاة في مقتبل العمر،آه! لقد لُطِّخ شعرها ،وسال محتوى البيضة على ملابسها و وِزْرَتِها ، بينما تعالت ضحكات وقهقهات ثلة من تلاميذ وتلميذات، وهم يواسونها في نكبتها هاته، والفرحة تعلوا محياهم .
كنت أتسلل متبعا جدران الأبنية  كالأعمى، لكي أتحاشى ذلك البيض الذي يتطاير في سماء المكان .ولكن المفاجأة كانت كبيرة ،فقد صُبَّ الماء عَلَيَّ  من عَلٍ،  فصرت كالبطريق المبلل الذي يحرك جناحيه فتتناثر قطرات الماء متطايرة من جنباته.
رفعت رأسي إلى الأعلى، أنظر إلى تلك الشرفة ،كنت عاجزا عن الكلام ، لا أدري لنفسي اتجاها ،كنت تائها والضحكات تعلو ذلك المكان وتلاحقني .
تابعت طريقي إلى البيت وانأ أجر رِجْلَيَّ بصعوبة، وحركاتي متثاقلة من بَلَلٍ عَمَّ كل ثيابي، وكل أجزاء جسمي .
لم أكن يوما أظن، أن العبث قد يطالني، فيجعلني هكذا صغيرا حقيرا أمام تلاميذ قصدوا مكانا للعلم لا للرماية . هكذا أراد هؤلاء التلاميذ أن يحتفلوا ،لقد فضلوا العبث الذي لم يكن له حدودا يمتد إليها ، لقد فضلوا  العبث  والتراشق بأشياء لم تكن مُعَدَّة للعب ولا للعبث . ولا أدري هل هذا احتفال ،أم مضيعة وهدر للوقت ؟ وصلت إلى المنزل، وكأن أحدا قد انتشلني من بين أمواج متلاطمة ،كان حالي يدعو إلى ضرورة الاستحمام  .
مر بعض الوقت، سمعت أحد الجيران  يناديني من باب منزله بالأسفل قائلا : هل أنت من صب  الماء من هناك؟
قلت له :أي ماء تتحدث عنه ؟ ثم نظرت من نافذة بالطابق الثاني الذي أسكن بإحدى شققه، فإذا به كبطريق ثان يطرق باب منزله منزعجا بما فعل الجيران  به ،لقد وصل الطوفان إلى حينا أيضا !!لقد وصل العبث !!
فقال وقلْتُ وقال آخرون : إن الإحتفال بعاشوراء قد ذهب وحَلَّ العبث .



 
  محسن العافي-المغرب (2014-10-31)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حديث عاشوراء-محسن العافي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia