رحيل السنوات-أحمد لغويبي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

رحيل السنوات

كانت الكلمات في حلقي تجف مثل رحيل السنوات وكانت العبارات تتسابق مع العبرات وتتشرد على طول هذا الساحل ، وكان المساء المسائي يحمل على كتفه ثقل الأيام وثقل الزمن راحلا بنا هو الآخر مع هذا الرحيل، ونحن كنا نخرج من الدروب كأفراخ اليمام مطاردون والشمس ذات اللهب الأصفر تنزف على رؤوسنا تكوينا أسفا تخبرنا ونحن الراحلون أن وطنا من الأوطان يحترق، وكان بحرنا الفاضل مكتف الأيدي مأسورا هو الآخر يتلوى على طول الشاطئ ليلحق بنا ونحن سائرون إلى زمن غير هذا الزمن، إلى مكان غير هذا المكان إلى وطن من صنع أيدينا، إلى صخر نحن الذين فجرنا فيه الينابيع الباكية، ونحن الذين لوناه بلون الدمع فصار صفحة حمراء تحت أصيل  الشمس، ونحن الذين لوناه بلون الدمع،   الدمع فصار صفحة حمراء باكية تحت أصيل الشمس ونحن الذين ربيناه سنابل على أكاتافنا فصار يتطاير مع إعصار يونيو  المتقلب. هكذا كنا نمشي وعلى صراخ العازقات كنا نمشي لا نلتفت ورائنا، لأن هناك أسى هناك دموعا تهطل بغزارة من أوراق بات الاصفرار زاحفا إليها. كنا راحلين و التاريخ يئن تحت  صدمة التاريخ،  التاريخ يكتب نفسه كالتاريخ، و الجراح تئن داخل الجراح، و الذاكرة تنوح حين تكبر مع الجماجم المنسية. الصيف منسي وحقول الزيتون منسية و العالم خريطة مهجورة ، العالم قناديل منطفئة على الرؤوس، آه كم كان المنظر رهيبا ونحن نمضي جماعات مخلفين هياكل متراكمة في زاوية التاريخ ونحن سائرون نلتفت وراءنا فيودعنا الرحيل ويسلمنا لرحيل آخر. سألني الصبي الذي كنت أحمله على كتفي كغيمة قاحلة تشحت من السماء عصارة الماء :                                                                    


-أبي أين المسير؟                                                
قلت :ابني هاجر امتلأ ضرعها لبنا حين استسلمت للمسير، المسير هو الرحيل                                                              


قال:وأفراخي تركتهم يئنون، ألا ندعوهم ليتشردوا معنا               


قلت:دعهم يلحقوا بنا                                                   


قال الصبي:ومتى سنلتقي؟                                             


قلت:اليوم لا، وغدا لا زال الموت يقتات من الذاكرة المرهفة لندع عملية التمويت تنتهي وتذوب ثقافة التهجير ويصبح الجرح الغائر المفتوح على الريح. شواطئنا تحملنا نحن المشردون           
قال الصبي:الموت هو هذا الرجل الذي يحمل قبعة حديدية محاط بإطارات وأسلاك هذا الذي يقذف الهاون من فوهة الدخان .        


قلت:لا يا بني ليس هذا هو الموت، الموت يسكن فوهة القلم قبل أن يسكن فوهة البندقية الموت فعل لفاعل مجهول                       


ابني دعني انزف على الشاطئ، دع القمر يكتب على صفحات الفؤاد سنوات الوفاء إنا كنا أوفياء                                     


أنت يا أبي عكس ما أتوقع ليس هذا هو الوفاء                       


بني :اصمت الوفاء هو ما فعلناه حين هربنا بذاكرتنا حتى ينطفئ اللهيب وتغيب الشمس فنزرعها، وقت البذور مارس قادم أيها الصبي، إمض أنت ولا يمضي تاريخك هم يريدون لنا أن نغترب داخل أوطاننا دع لهم البلد ولا تدع لهم الذاكرة إنا عائدون حين يحين وقت البذور.



 
  أحمد لغويبي-المغرب (2014-11-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

رحيل السنوات-أحمد لغويبي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia