تقديروعرفان..سطور في حق الدكتورة نجاة المريني-هند بن محجوب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

تقديروعرفان..سطور في حق الدكتورة نجاة المريني

  نجاة المريني    

لست أدري إن كنت أكتب عرفانا بالجميل أو حفظا للذاكرة أو إشادة ومودة وتقديرا لمن علمتـني حرفا ، بل  حروفا وأبوابا وفصولا من الحياة العلمية و الفكرية والأدبية .
نعم ، إني أكتب موقنة بهذا كله ؛لأن الاستاذة نجاة المريني بصمت تاريخ حياتي العلمية الأكاديمية ببصمات لا يسعني تجاهلها ، ولا يسعني إنكارها حجة بضعف الذاكرة ، أو شـح الوقت مع الالتزامات التي قيدت مساري المهني بعد مناقشة أطروحتي الجامعية .
صحيح أن الوقت يصير سيفا في هذا الزمن ، ولكنه هو نفسه يصير حلقات لترميم ذاكرة الماضي التي جمعـتـني وإياها وما تزال في دروب الحياة ، فهل عساني أوفي حقها كأكاديمية مغربية مثابرة ، أم عساني أوفي حقها كمعلمة ومربية أجيال صادقة ،أم عساني أوفي حقها كإنسانة نبيلة وأم رؤوم ،لا أدري في لجة  هذه المحطات أيها أكثر عمقا في نفسي .
إني لأتذكر أول يوم حللت فيه برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة محمد الخامس بالرباط في أكتوبر سنة 2002، وأول يوم جلست فيه بين يديها ، أو حتى قبل أن أجلس، كنت قد أُعجبت  بها وبشخصيتها بصفة عامة ؛  شعرها الرمادي اللامع ،هندامها الأنيق المتناسق ،رصانتها وجديتها ،حيادها وحرصها المتواصل على العطاء ثم العطاء ، والبذل هو عنوان الأستاذة نجاة المريني ، غيرة وحبا على هذا الوطن وعلى أجياله ، وحفظا لتراثه العلمي من التلاشي والنسيان .
انخرطت في وحدتها التي كانت رئيسة لها ، وحدة تحقيق المخطوط العربي ، في حلقات دروس تطبيقية لمنهجية التحقيق ، وأذكر أن أول درس لست أنساه ، لم يكن درسا في تقنيات التحقيق ، ولا وسائل التعامل مع التراث المخطوط،  ولا ولا ...بل كان درسا أخلاقـيا بامتياز ، درسا موجها نحو النفس والسلوك ، ومنهجية التعامل مع المستقبل من الأيام  في مجال البحث العلمي ، والذي بحكم قصر رؤيتنا كشباب متحمسين ، وطلبة مندفعين بالرغبة في دخول التجربة العلمية الجديدة ، لم نكن نتـلمس صوره بشكل جلي إلا مع توالي الأيام والأعوام ، وها نحن نقف عند نصائحها إكبارا وإجلالا .
إن الأستاذة نجاة المريني قالت يومها إن سلاح الطالب الباحث في هذه الوحدة أو غيرها هـو الصبر ، ثم قالت الأمانة  ثم الصدق والإخلاص ، كل هذه الخصال مجتمعة حقا هي عنوان المحقق الناجح الحقيقي الذي يؤدي الأمانة حقا ، ويكشف حجب التراث صدقا ، ويفتح مجال البحث العلمي الرصين فتحا .
إن سؤال الأخلاق في بداية مشوار البحث العلمي ضروري ، لأن التراث قبل كل شيء أمانة ، والله عز وجل أمر بحفظ الأمانة عند قوله تعالى في سورة النساء الآية 58  :" (" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا")،"  وشدد على جسامة مسؤوليتها ، وأهمية قيمتها عند قوله تعالى  في سورة  الأحزاب آية 72:" (" إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً")" .صدق الله العظيم.
ولوعي الأستاذة الباحثة الفاضلة بذلك ، جعلت أولى جوامع كلمها في المحاضرة الأولى التي جمعـتـنا بها ، في التعريف بقيمة الأمانة ثم الصبر ، وكنت أحيانا أتساءل عن جدوى ذلك ، لكني صرت مقتنعة أن الصبر في كل المجالات حسن مستحب ، وأن الصبر في مجال البحث العلمي  صبر مرارته كالعلقم، لكن  خواتمه أحلى من العسل الشهد ، صبرا على متاهات البحث ومطباته ، وصبرا على تتبع أثر المعلومة ، فحيثما اقـتـفي أثرا للمعلومة صارت ضالة الباحث ينشدها حيثما وجدها .
والصبر على التعلم ساعة والصبر على الحصول على بعض من العلم كافة ، يتطلب إعطاء الكل ، كل الباحث وليس بعضه ، وكانت الدكتورة نجاة المريني تردد دائما في محاضراتها التي كنت أسجل ، وأنا قريبة دائما منها علني أقتبس منها جذوة من قوتها وإصرارها وكل عزمها ، كانت تردد : " إن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك "،فصرت أتحايل على العلم ، فأعطيه مرة بعضي،  ومرة كلي ، فلم يعطـني شيئا ، إلى أن أعطـيته كلي، وأخلصت له النفس والعقل والقلب ، فصرت أرى الفتوحات ، وأرى ما يجعلني أستيقظ على هموم البحث وشِعبه، وصرت أستمتع وألـتـذ بكل ما أتوصل إليه ، حريصة على أن أحظى بما للعلم من طلاوة وحلاوة .
العلم خلق قبل كل شيء ، هكذا كانت  الأستاذة نجاة ترى بأن التزود بمحاسنه طريق لاحب للنجاح في الدرس وفي الحياة ، فالباحث  مهما ارتقى في دراسته وحقق ما يطمح إليه إن لم يكن خلوقا ، فإنه لن يحظى بالتقدير والاحترام ومحبة الآخرين .
  إن النجاح في مسالك البحث والدرس لن يتأتى إلا بالجد والاجتهاد ، والمتابعة والمثابرة ، ومن ثم نستطيع جني الثمار رطبة نـدية .   
إن الأمانة والصبر لا يجتمعان إلا ليقدما باحثا تسعد به الأمة ، وتزدان بعطائه المكتبة ،والأستاذة نجاة المريني ما فـتـئت تكرر وتلح على أن يكون بالإضافة إلى هاتين الخصلتين ، خصال الصدق والحرص والعرفان بالجميل .
ومن باب العرفان بالجميل ،  أكتب هذه السطور ، التي آن فيها الأوان للبوح بعد الصمت ، بعد كل هذه السنوات من الطلب و الدرس والعشرة العلمية الحق  مع هذه السيدة الراقية في الفكر والخلق والعلم،  أن أخط هذه الكلمات ، وحق للمغرب  أن يفتخر بدرة مكنونة غالية ، وجوهرة نادرة ترصع جبينه العلمي الأكاديمي ، نـوه بها الأستاذ الأكاديمي الجاد عميد الأدب المغربي الدكـتور عباس الجراري ،وقد قضت  سنوات بحثها وتحصيلها طالبة باحثة في حلقات الدرس والتحصيل تحت إشرافه بنفس الجامعة ، وبقدر حبها وتقديرها وعرفانها لهذا الهرم العلمي المغربي ، فإنني  أود أن أقتـدي بها ، وأقدم كلمات في حقها وإن كانت مختصرة للتعبير عن تقديري لها ولعلمها وعملها  عرفانا وإكراما .
الأستاذة نجاة المريني امرأة قوية طموح  ، جادة في عملها ، مخلصة لطلابها، الأستاذة نجاة المريني حريصة كل الحرص في مجال البحث العلمي على جودة العمل،  سيدة خـلوق ، تحافظ على ربط جسور علاقات إنسانية راقية مع الجميع ، فهي إن تأخرتَ عن السؤال عنها سألتْ هي عنك ، وهي محفزة ومشجعة دوما لك على النجاح ، لا توقفها العقبات ولا النكسات ، تسير وتجعلك تسير مضيا نحو الأمام ، امرأة لا تلـتـفت للوراء ولا للمثبطات ، وجهتها النجاح والمستقبل بكثير من العزم والإصرار ، تزرع فيك البسمة والأمل ، تفرح لفرحك ،وتواسيك في مرضك ،وتساندك لحظات  ضعفك ، لا تبدي ضعفا ولا استسلاما بل ترسم ابتسامة مشعة بنبرة قوية مهما كانت الظروف وفي أصعب الأوقات .
فلكها يدور حول البحث العلمي الأكاديمي الجاد الرصين ، تثمن المجتهدين ،وتحفز المواظبين ، وتضيء طريق المتعثرين ،كل هدفها خدمة التراث المغربي وإعطاؤه المكانة التي تليق به ضمن حلقات الآداب والعلوم الإنسانية العالمية .
وأتذكر جيدا كيف حفزتني على طرق أبواب البحث أثناء إشرافها على رسالتي لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة :"أشعار كتاب المن بالإمامة تقديم وتحقيق" ،عند مباشرتي تحقيق النصوص الشعرية الواردة في المتن التاريخي ، أتذكر كيف مرنـتـني على تصيّد المعلومة واقتناصها ، والتحقق من نسبتها لصاحبها ، وتحري ذلك تحريا علميا ، وهذا شأنـها مع عامة الطلاب الذين يتحلقون حول دروسها ومحاضراتها  .
 كما حفزتني على مقابلة أهل العلم وأخذ العلم من أفواه الرجال كما يقال ، ورافقت خجلي بلطف وتؤدة ، فأدركت أن العلماء الأجلاء يستقبلون طالب العلم ويحتفون به ويشجعونه ،فجالست الدكتور المشرقي المحقق عزة حسن ، والمؤرخ المغربي الدكتور عبد الهادي التازي ، فـكان لذلك  وقـع حسن في نفسي ، إذ وجدت في توجيههما تحفيزا للوصول إلى ما أنشده ، وكنت كلما طرقت باب عالم جليل فاضل ، إلا واستمتعت بالإضافة إلى علمه ،بخزانته العلمية التي تتكدس فوق رفوفها الكتب والمجلدات ،وكل ما يحيط بمجلسه من كتب ومجلات وجرائد وغيرها .فرسخت صورة طلب العلم طابعها في نفسي ، وأدركت حقيقة أن العلم لا يعطيك بعضا من جله إلا إذا أعطيته كلك .
ولم تكن الأستاذة نجاة المريني أقل فضلا من هؤلاء العلماء بل كانت أكرمهم ، فما فتـئت تفتح أبواب بيتها لطلاب العلم ،توجـه وترشد ، وتعير الكتب النفيسة ،  ولا يكاد يخلو ركن من بيتها من كتاب ، فمجلسها تغطي الأوراق محفله ، وهي دائما منشغلة بالبحث،  تستقبلك بحفاوة بالغة ،وتطل عليك بابتسامة رصينة ،تـشع  ملامحها وتشرق وهي تحدثك ، ترفع عنك  الكـلفة كلما استقبلتك ،وتنخرط معك في مواضيع علمية تارة وتعلمية تارة ، وتقدم لك تجربتها في المجال العلمي والمهني  بتواضع وحكمة ، تجعلك تنخرط في هدوء ومتعة مع حديثها ، وهي لابد أن تقدم لك  في نهاية زيارتها نسخة من آخر أعمالها ، أو أعمال راقـتها ، فلن تخرج من بيتها أبدا صفر اليدين ، وهي تعتـني عناية خاصة بتسطير إهدائها برقيق الكلم وجميل التعبير .
عندما تعلم أن خدمة الوطن هي أسمى خيارات وتجليات واهتمامات الدكتورة نجاة المريني ، حقيق عليك أن تصير تلميذا لها ،منصتا إلى توجيهاتها ، سالكا خطاها خلقا وبحثا علميا وجدا واجتهادا . ولعل أبيات الشاعر المجيد علي الصقلي في التنويه بالأستاذة نجاة المريني خير ما يختم المقال :
        نجاةُ كفـى بك أســـطع كـوكـب         يـــشــعُّ بـآيـــاتـــك الخـــــالـــداتْ
فــنونا تــزاحــــم في ريــشــة           تــسيـل عـلى الـطـرس بالمعجزاتْ !
كــرمــز لأفــــضـل عــالــمـة          وبـاحـثـة تــكـشف الــظــلـــمـــاتْ
وخــيــر مـثـقــفـةٍ لـم يُــشَــبْ           نــسـيـجُ ثـــقـا فــتـها بــهَـــنــــاتْ
إذا هــي قـالتْ ... فــخـيرمـقال         لــهـا بـشــهـادة خـيـــر الــثـقــاتْ
ومــا بـيـن مـحـبرة ويــــــراع         لــهـا المــلك في أرفــع الـدرجــاتْ
كــذا هـي نـور فــريــد الشعاع         لــماضٍ تــزكــَّى ، وأكـــــرم آتْ



 
  هند بن محجوب (2014-11-04)
Partager

تعليقات:
hamza moufakkir /maroc 2016-07-18
جملة ما في القول أن الدكتورة نجاة المريني وأمي وأستاذتي الفاضلة هند بن المحجوب ، مأثرتهما قائمتن على سوقها لاتحتاج لمثلي أن أعددها ولا أن أسردها، لأن جميع طلاب العلم يعيشونها . وأختم بآية كريمة قال عز وجل ـ وقل رب زدني علما ـ صدق الله العظيم .فأسأل الله العظيم أن يجزيهم عنا خير الجزاء وأن يجعلهم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن ألئك رفيقا إنه هو اولي على ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد
البريد الإلكتروني : hamza.moufakir@gmail.com

يوسف /المغرب 2015-05-26
حتى انت يا دكتورة هند تستحقين اكتر من مقال بل مجلد لا يكفي
البريد الإلكتروني : youssef-casa17@hotmail.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

تقديروعرفان..سطور في حق الدكتورة نجاة المريني-هند بن محجوب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia