المذياع العاق-جلال حيدر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

المذياع العاق

  جلال حيدر    

كيف أنتبه إلى هذا الوقت اللعين و هو يشمر عن رزاياه و يحتقن بالحقد و سط إبتساماتكم يا ابنائي ؟
هكذا إنتزع عمي حسين كلماته كمعطف شتوي عن قلبه الحزين ..
و ها أنا اتوسد الحائط العتيق في كوخ جدي و ألتفت من حين إلى حين إلى أشباحنا المتراقصة في الخلف متأثرت بالسيراج التقليدي المتهالك فوق إحدى الصخور التي تشبه سنام الجمل و هي تشكل أيضا أساس الكوخ
إحتسينا بشراهة المقاتلين الذين تنبت لهم في الأرض أزهار الترقب و الطمئنينة بألوان ساحرة و متناقضة "بربوشة" بلبن الماعز و قد طلب عمي حسين قطعة رغيف بالدهان و لم تتوانى العجوز عائشة عن إحضارها بكل فخر ،فكثيرا ما تتباهى أمام العرائس الجدد بخصال يديها هذا يحصل كل صباح عندما يجمعهن البهو الفسيح لينهمكن مثل الماكنات في حياكة الألبسة و غزل الصوف و فتل البربوشة و رواية الأحلام  التي يجتهدن في تأويلها برهبة ..
 نحن العائدون من الحقول البعيدة ممعنين في أشعة الشمس المسهبة في حرق بشرتنا القروية نحمِّل قطعان الشياه مغبة أحقادنا من هذه الجبال التي لا تود أن تتزحزح قليلا من أمامنا كي تفسح المجال لأنظارنا الحالمة بالنساء الكثيرات لتجمع شملها ..نحن الأبطال نشبه ويليام والاس و هو يطلق صرخته المبهرة ..نقف على الينابيع المشعة في المساء و نرافق جيوشنا لتشرب و تثير حفيظة الماء ..
و قد حاولت العجوز عائشة نهينا عن المذياع لإحساس غريب إنتابها هذا المساء هي التي و لطالما تركتنا ملفوفين في صمتنا نلتقط أشباحنا من وهن الذاكرة و الضوء لأنها رأت حلما غريبا ، هذا المذياع الذي تركه أحد الحصادين القدامى الذي جاء من بلاد الجوع و هو يمرر قدميه على سفوح الجبل ليلتقط البلوط ..و قد غير حياتنا بالكامل و أصبح حديث العام و الخاص مثل الجرار الذي جلبه عمي فرحات ذات موسم حصاد و قد أقسم أحسن الحصادين على أن هذا المخلوق عجيب و تغنو به في محافلهم اليومية و قد كانت النساء أيضا يخرجن إلى التلة و هن عائدات من الغدير ليتلصصن عليه و هو يمارس طقوسه الرهيبة في حرث الأرض و بدأ يتأثر الجرار بكل هذا الإحتفاء ووصف بأنه في حالة كئابة و هذا ما يحدث مع الثيران القوية أيضا و جلب له أحد الدراويش الذين يعتزلون في شفاه الغابة مثل الضباع و إستحم فوقه و إذ به يعود إلى رشده و يستمر في حرث الأرض حتى قيل وافته المنية في إحدى الحقول البعيدة و حزن له الرعاة بشباباتهم التي تحمل همومنا ..
إقترب عمي حسين كبير العائلة من المذياع و هو يقرأ تعاويذه لأننا نعتقد دائما ان في يديه تكمن البركة و تستمر المواسم المزهرة و لطالما أخفينا هذا الشعور أمام العجوز عائشة التي كانت تحس بالغيرة منه لأنه يتمتع أيضا بإحترام النساء الحوامل .. كان النشيد مشحونا بالحزن و الصرامة هذا هو الحزن الثوري  كما يقال و نحن نزحزح مأخراتنا حوله كنا شبيهين بلوحة "آكلي البطاطا" التي تعرفت عليها مؤخرا و هي السبب الرئيسي في سرد هذه القصة لكننا لم نأكل المذياع بل كان له وقار بيننا حتى أن فان كوخ نفسه يشبه خالي عاصم الذي يكنى بالقط الذهبي و الفرق بينهما أن خالي عاصم لا ينزع حذائه المطاطي مايزيد الكوخ سوءا و لا ينتبه أبدا إلى العرق المتصبب و هو يكشف المنجل في وجه السنابل المثقلة بالغلة و صوته الصخري العنيف المنبجس كشلالات "بو رشمن" في الأعراس جلب له الحظ و الزغاريد الكثيفة و الإبتسامات الغزيرة الخجولة في المحفل أين تحتشد الموشمات حول العروسة الشامخة كفرس أصيلة تلقي نظرة حول الينابيع  صحيح أنه تعذب و تألم و غنى حسراته طيلة ليال كثيرة حتى مني بالحسناء "ظريفة" البيضاء المكتنزة الوجنتين ذات العينين الواسعتين السوداوين كعيني عجلة صغيرةـ و كثيرا ما يقول : لقد منيت بها كمن ينتزع ضفدعا من فم الأفعى ـ و التي تزداد ألقا مع السنين حتى أنه أصبح يخشى من الموت قبلها لأن الكثيرين من مقتفي أثر الهجالات تغرورق أعينهم كلما رأوها او تحدثوا عن سيرة جمالها الموحش ..
كان النشيد يصاعد من عتبة الكوخ و يعانق الربى الصنوبرية المنهكة كما يفعل بخار القدرة عندما تطهو العجوز عائشة و كان ينتابه بعض الصمت أحيانا إلى الحد الذي أثار حفيظتنا خاصة و العجوز عائشة تقسم بكل الجبال العالية في برقة و كل الأبطال الذين تاهوا هناك و فاض دمهم على القمم الذهبية أن شيئا ما سيحصل .. ما إن نطق المذيع حتى إنحنينا نلتمس الخبر بدى صوته حزينا و مرتبكا ²و كانت الذئاب ترسل شغف أنيابها من بعيد و كأنها تستفسر عما سيحصل ، و ما إن أطفأ عمي حسين لفافة التبغ حتى قال المذيع متمرغا في دموعه مثلما يفعل جارنا صالح عندما يحتاج نقودا من جدته ، توفي الرئيس البطل هواري بومدين ....
عندما ذكرتني لوحة "آكلي البطاطا" بهذه القصة تذكرت أيضا "الواهنة " التي ماتت منذ أيام قلائل و قد كان لها إبن وحيد  من زوجها الذي نفي إلى كلدونيا الجديدة و ما إن بدأ ينبت ذقنه حتى حوصر من قبل الخونة و ابنائهم نكاية في والده الذي كان قوي البنية يصرع كل سفيه ، و لهذا صعد إلى الجبل ليقفز على رؤوسهم مثل ظبي و جند صغيرا و كانت أمه تتبع أخباره و تحط رحالها بالقرب من مراكزهم أين تطهو له الرغيف الساخن و تجلب له السجائر و القهوة و تعد له الرفيس ليقوى عظمه و يستطيع النيل من أبناء العاهرات و لم تكن أمه أيضا قليلة الجمال ما جعله مقربا من قائده الذي أعجب بأمه و كان كثير التردد معه إلى كوخها البسيط و سط الأحراش حتى أنه يفقد صرامة و وقار القائد في حضرتها لكن خميسي لم يكن منتبها لحركات قائده التي استساغتها امه لأجل إبنها البريء كي لا يتعرض لأي سوء و هكذا واصل القائد غرامياته المنهكة في ليالي التسلل الرشيق على ضوء القمر و سط ظلال السنديان و خميسي يكبر في الفلات كشبل تنموا أنيابه و في إحدى ظهيرات التعب و الحر المقرف سمع أزيز شاحنات العسكر و فر خميسي و قائده و مجموعتهم إلى القمة  المنيعة حيث تشكل الصخور حجبا على طائرات الإستكشاف و تركوا المذياع يردد أيها المجاهدون ،أيها المجاهدون .. ما أثار الواهنة التي تبدوا أكثر خفة و رشاقة في هذه الأيام و إقتربت منه و قالت: أخرص العسكر آت .. لم يستغنو عليك لقد إختفو فقط ريثما يمر العدو و يعودون إليك ، أسكت أيها الثوري العظيم أسكت كي لا يكتشف أمر القائد أسكت .. و بينما تخاطبه بحنان الأم صاح في وجهها الله أكبر .. و أردفت يا عبد الله ،أنت مسلم مثلي ،أسكت فالعسكر آت ..
ألقت نظرة أخرى من العتبة و قد تملكها الخوف أكثر بإقترابهم و أصبح المذياع يتفوه كلمات مجنونة و غير مفهومة حتى أنها ظنته جن من الخوف و أخرجت لحافا أخضر أهداها إياه ولي صالح عندما وضعت إبنها كي يحفظه من الشياطين و الأرواح طالما هو في القماط و لفته على المذياع كما تفعل تماما بالخميسي عندما يجوع لأن أثدائها كانت قليلة الحليب حتى أنها زارت عرافة معروفة في الشمال المتواري خلف الأرز ، و جلبت أصيص البخور و جعلت تتفوه بتعاويذ مختلفة و المذياع يزداد جنونا ، و ما كادت تيأس حتى هدأ المذياع قليلا فحمدت الله و نزعت اللحاف الأخضر و وضعت أصيص البخور جانبا و فكرت في مكان إخفائه و قد كانت هناك مطمورة على مشارف البهو لن يستطيع أحد كشفها ، ستخفيه هناك وسط القمح ، و ما إن كادت تلمسه حتى صاح في وجهها مرة أخرى : أيها المجاهدون ،ايها المجاهدون .. ذعرت الواهنة من الذي يحصل و خمنت أن المذياع تأثر بالمجاهدين الذين تركوه هنا و فرو و سوف يسرد أسمائهم عندما يدخل العسكر و سوف يخبرهم أيضا بمكان اختبائهم و هذا ما ترفضه قطعا ..
جلبت فأسا كان ملقا كمعطوب حرب بالقرب من الزريبة الصغيرة و هددته إن تفوه بكلمة للعسكر أنها ستقتله بفخر كمن يبقر رأس خائن و هي تردد : تكلمت معك بهدوء و حاولت تبرير كل شيء تشتكي منه و إستعملت طقوس العرافة معك ظنا مني أن مسا أصابك لكنك لا تفهم ، و إن كنت مسلما كما تدعي فلما تود أن تكشف أمر أصدقائك ...
و قاطعها بصوت مشحون بالغضب : الحرية .. الحرية .. و بدا المنظر بينهما تراجيديا ،كان المذياع كبطل حقيقي أمام المقصلة ..
و قد هوى عليه الفأس و تطايرت أشلائه ، و هي تردد هاهي الحرية ، هاهي الحرية ...
ما إن تفوه المذيع بالخبر حتى ساد الصمت بيننا ،صمت فظيع قطعته العجوز عائشة بعويلها و هي تردد : ألم أخبركم ان شيئا ما سيحصل لم فعلتم هذا ؟...
بكينا كلنا بومدين حلم الفقراء في دشرتي ،لقد تغنى به الحصادون هنا و عمال الغابات و اليتامى و الموشمات ، كنا نعتقد أنه آخر شهيد ظل حيا يرزق بيننا كي لا تنطفأ حرارة الثورة و حنجرة المذياع  إن أحلامنا تفترق الآن مع موته و تحيلنا إلى الفراغ ، في هذه اللحظة حمل عمي علي شبابته و أسند ظهره المحدودب إلى العتبة و نفث لحنه الملتهب  غرقت معه في ذلك الحزن الغريب الذي يشبه الطين و لا ادري كيف التفتت إلى عمي الحسين الذي إستهلكته الحرب و بقيت منه هذه الجثة المتهالكة و هو يبكي بحرارة و فكرت أن أواسيه و أنا أعلم مسبقا أني لا أجيد هذا النوع من النفاق،   إقتربت منه و بدأت أستعير كلمات حفظتها يوم فارقت جدتي ، و لم اوفق ،ثم قلت له " الناس كامل تموت ،النبي أو مات"   انتفض مثل نسر برزت طريدته من جديد ،و ردد " النبي مات " و هو يخرج من العتبة حافيا  إلى الباحة "النبي مات " ..



 
  جلال حيدر (2014-11-20)
Partager

تعليقات:
حسام /الجزائر 2017-08-23
جلال حيدر تافه تفاهة عقله للاسف .. معظم خواطره و انوره التي يكتبها صبيانية و لا معنى لها للدب سوى مجرد تشجيع من طرف اصدقائه الفيسبوكيين الذي يتظاهرون بإعجابهم لهاته الكتابات التافهة التي لا تخرج في فحواها عن وصف امور خيالية كقصص الاطفال قصة القبعة الصغيرة الحمراء و رواية اللبية السخرية و عقلة الإصبع..
هذا مجرد رٱي و ليست اي معرفة او ضغينة بجلال حيدر ..
البريد الإلكتروني : 100014833210643

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

المذياع العاق-جلال حيدر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia