الـتـبـــان الــكـاكـــي...-الــسعيد مرابطي (الجزائر)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الـتـبـــان الــكـاكـــي...

  الــسعيد مرابطي    

الآن اسـتـوطـنا الـمكـان الـذي  جـنّـد عـنفـوانـه ، وألـقـي بـالـتيه من أعـالي الـمـشـاعـر . هــي الـظـروف مــلء سـويـعـة سـكـنـتـها دفــقة إغــراء ، حـيـث الـمـكـان بـرمــته عـار يـسـتـفـز الــزمن يـبـحث لــه عـن إثـارة . لـكـأنـما الـمشـاعـر تـسـاقـط كـثـمـار طـازجة . مــن تـنبأ  بـصـدفـة أحـدثـت رجّــة بـحجم هـذه العـواطـف الـعـنـيـفة ؟ كيـف حـال الـظـروف الـتـي جـمـعـتـنـا إلــى حـافـة طاولة نــرشـف قـهـوة " عــــربــي" والـنـادل يـشـيـر  بـسـبـابـته:                                                                                                                     Troglodytes !.. Troglodytes!.. *         
     
وقـد انـتـصـب من حـولـها الــفنـدق السـياحـي  يحفه النخيل فـي شـكل مـخـروط .الأرجـح إن إشـارتـه تـعـنـيها دون سـواها . أمـا أنـا فـما عـدت مـتـأكـدا تـمام الـتـأكد مــن أن حـضـوري إلـى هـنـا قـد تـّم عـن طـيب خـاطـر. كـثـيـرا مـا تـتـجـمع في ذهـنـي جـمـلة نـقـاط مــن بـقـاع الأرض ثـّم مـا تـلـبـث تـتـفـرق تـحت حــائـل الـمـسـتـجـدات .                                                                 
        كـأنـي بـالـحـواس انـتـابـتها فـوضـى أبـطـلـت جـهـاز الـتـقـاطها فـتـكـونـت لـديـها  حـالـة شـغـور .الـمـوقـف أمـامــي بـدا يـسـتـدعـي ريـبـة كـما يـحـتـمل يـقـين . إذ لـم يـتـبـاطـأ بـعـلـها الأشـقـر كـما لــو كان عـلـى عـجـلـة مــن أمـره إذ انـخـرط يـهـرش الـجـيب الـخـلـفي لـتـبـانه الـكاكـي وقـد ارتـمى فـي بــلاهة يـدور . شـمـلـته ريـبـة فـاحـتـواها   اسـتـهـتـار ، أطـلـقـت للـضحـك العـنـان ومـطـماطـة* عـنـد الـظـهـيرة وهــج فـي وهـج ... شـدّت لـها الرحال عـارمـة  الـشـهوة , دخـلـتها بــلا أذى ودخـلـتها كـطـريـدة أتـودّد عـلها تربط مـنـديـلا عــلى جـبـيني  فـتـطرد عـني الأذى وتـمـسـح الـعـبـوس عــلى قــارعــة أيـامـــي .
جـلـسـنا والـمـدى ثـابـت يـقـنـص الـعــشق يـغـري ... بـصـرها عــلى كل مـا أحـاط بــها !.. قـفـر قـرمـزي ســابـح فــي مـلــكوت بـداوتـه ،
يـراقـص الـعـجـب سـرابــا بـضــمإ الصـيـف يـغـزل بــلا فـتـور
       صـدى الـمـلاحم .. يـخـتـلي بــالـوافـديــن يـهـتـك سـتـر  الـحـكـايــا .يـمـّـمت الـنــظر شـطـر وجــهها أسـتـطـيـب جــم الـقـسـمـات !.. يــا لألـق الـوجـه الـصـبـوح يـزرع الـفـرح بـمـقـدار !.. تـشــعّ الصَُـباحة..تـضـجّ الـسـّـمـات الـناضــرة . إنسرحي يـا أساريـرها وابـتـهـجي . ألا فـانـدلــقي يــا ضــحكات عـلى شـفـاه يـاقـوت . تـوزعي صـدقــة فــي وجـوه يـتـامى الـقـفر حــرضي علــى الـعـنـفـوان ، الـعـشـب والـــماء والــطّـير . نـعـمَ الـنّــهار حـيـث هــي جـالـسة وحـيـث هـي سـائــحة فــي الأرض . تـغـنـّـجت لـتـجمع مـفـاتـيـح الأسـرار... وضــعت جـسـدا بـضـّـا ونـفـسا مـتـخـمة علــى مــحك بـيـئي ضـروس ، تـفـاقـم فــي الـهـشــاشة والـصـلابة , تــفـتـش بـيـن الأشـيـاء عــن أنـاس هـربـوا بـقـــايـا إنـسـانــية إلــى قـعـر الـحـــياة .
         بــعـلهـا فــي بـلاهـة يــدور . شـمـلـتـه ريـبـة فــاحـتـواها   اسـتـهـتار ، أطـلـقـت للـضـحـك العــنان. توزعــت فـي شـوارع الــسقالبــة وأزقة بني الأحمــر...كان غـزل الـشمس يـمرح بـين جـدائل شعــرها الفــحمي ويغـسل وجهها الــقمـحي مضمخ  بـزهو الــصبا والجمــال . صادفــته هناك عــند بائـع الــورود وراق لــها يـومها حـديـثه مـع صاحب الــكشـك بأســلوبه الــمرح .ابـتــسمت لإحدى عــباراته .
فــك الــحرج فأهـداها بــاقة واسـتمـرا يـمـلآن الأرض غـبطة.         


احـورار الـعـيـنين واللّـكـنة الـلاتـيـنيـة قـريـنـتـان تهجنت فـيهـما الـنـقـائض .كـدت أفــاجئ حـظـرتـها: لـم شـدت الـرحال إلـى هـنا ؟ اسـتـبـد لـت الــوردة بـالـحـجر الـنّـافـورة بـالجـحر!..أحـقـّـا
لـمـغـاويـر مـطـمـاطـة كـل هـذه الـغوايـة ؟ !
          تـفـرق فــي الـفـلاة أثـر الـقـادمــين إلـى الـفـلاة . مــرّوا مـن هـنا اسـتـلـذّوا فـوح الأريـج.. اقـتـاتـوا علـى الـتـيـن والـزيـتـون وحـبـات الـتـين الـشــوكي . فاكـهـة الأرض، يـاقـوت الواقـف ، قـوت
الـمـوقـوف الـنـملـة و الـتـروبــادور .

       اهـتـزاز الـجسـد تـحـت الـضـحـكات يـبث فيًٌُ فـضول الـتـفحص.. آلـة تـصـويـر كـقـلادة مـشـدودة إلــى عـنـق قـمـحـي . عـد ســة تـقـتات عـلى صـور مـاض غــريق وحـاضر مـركب تأسره لمـحكم الأقـفال . صاحـبتها حـية الانتـباه لا تـتـهـيب خـطر . فـتـحـت لـلـسـفر مـغـامـرة عـلى شـكـل اخـتـراع.غــاصـت فــي مـطـمـاطـة الـقـديـمـة، نـبـشـت أسـاطـيـرهــا، تـهـجـت حـروف اسـتـعـارة اسـمـها الـبـاقي خـلـطـت الـمـاء بـالـتـراب أعــادتــ تـشـكـيـلها الأول.
        الـلـون مـصـدر الـغـبـطة . إنــي أتــشـهى هـذا الاحـورار فـي ذات الــعـينـيـن. إنـخـطـاف يـصـدر بـي مـنـها إلـى الـضـفـة الأخـرى كـالـذي يـعـرج ، ذا أنـا عـبـر بــرج جـمـال أعـبـر ...مـنـك يــا خـلـيـطـة الأعـراق تـتـنـزى رائـحـة شـموخ تـجـتـاح الـيـابـسة والـبــحر . تـطـل بـي مـن عـلى طـلـيـطـلة . إنـي عــلى مـرأى ومـسـمع مـن مـلائـكة وجـن آوي إلـى جـبـل الـبـشرى سـيـعـصمني. الـطـوفـان لـم يـبـق ولـم يـذر . أتـمـسـح بـجبـل الـثـلـج يـطـهـرنــي . يـنـقي بـدنـي مـن درن الـخـطـايـا . يـفـرغ فـي صـهـيـد الـحـشــا بــردا وسـلامـا .  مـن سـرق مـنـي نـاقـوس الـقـلـب ؟ قـرطـبة بـهـجة الـمـبـاهـج .. إرثــي الـممـنـوع . من استــرد عنــوة منــي اشبـيـليا ســحـر الــساحر وغــناء الــكــروان؟   أجـوب فـي نـزق أزقـة لـها خـوار ، أسـتـنـشق نـفـسا يـملأ صـدري الـعاري للـطـعـنـات . أروقـة تـمد صـداهـا المـتـعـنـتر مـجـللا بـالـنـقـوش تـعـرض بسـتـنـه وزخــرفـا . تـذهـب الأسـى وتـطـرح الأوزار خـارج حـدود هـشـاشـة هــذا الـجـسد. أمـشـي بـضــوء فـوانـيـسها سـافـر الـوجه والـنوايـــا .ألـتـقـط خـبـر الأقـطـاب .
ألـمـح الـحـلـوي* علـى مـرمـى حـجـر ... هــا فـتـى مـتـشـرد نـاولـنـي مـن قـصـعـتـك قـطــعة حـلـوى ؛ أزل مـرارة عـنـي .
أصـبـغ يــا حـلـوي نـعـمـتـك عـلي . انـقـطـع عـني رزقـي. عـيـون ترصـدنـي لا أعـرفـها وأرجل خـشـنـة تـلاحـق ظــلي ...

     ...قـرطـبة مـا بــها تـمـيـعـت لـفـهـا بـخـار ؟!..مـضـغـت سـيـجـار ة القــلـواز ونـفـخـت جــهد نــفـس باتــجاهـنا وهــي تـضـحك عـالـيا.لازال بـعلـها فـي بـلاهـة يـدور. يـهرش فـي كـل اتـجـاه .
     أمــضـيا الــصبيحـة يقــطفان مــعا بواكير الأسرار الــمهربة بيــن "مــغاور" مــطمــاطة مشـدوهان لـهذي الــبيوت الــبربرية الـمتحدية لـزلازل الأرض .تــعطر أرجاءها الــمزركـشة أصـداء أصوات تــطل تحت
نــقاب الــزمن الــمبهور. يـسكنها جوهر الإنسان. على رغم شظف العيش هم أكــرم خلــق الله وألطفهم   صـعدا على مشــارف أحجارها. لفــحتهما الشمس .
قــعدا على حمر الرمال..تمــدد هــو بعــد ما تـجـرد من تــبانه الــكاكي حتى تـلوح الـشمس بشــرته.
 
   اسـتـفـحال الـحالـة لــديـه دفــع بـه إلــى ولـوج الـمـقـهى . ذعـر تـمـلكه وريـبـة !...
          أمــا أنـا فـلـن أخـرج مـن بـرج الـحمـراء لأمـشـي بنــهارات دامـيات الخطى وســرادق لـيـل ذبـيـح... هــي الـفـاتــحة ومـسـك الـخــتـام .
      تـراتـيـل غـنـاء بـسـمعي هـاجـمت فــجاج الــروح . دق وتــر عـلى مـقام الأصـبـهـان ، أفـرج عن أسـرى القـلـب ... نسـتــا لـجـيا الـحـب الـمـوطـأ ، نـسـتـا لـجـيا مـعـجم الـشـوق الـذي لا يـبـلى... يـهزنـي
      هـتـاف :
                 أبـحـر صـوبـي..! تـخـطّى الـضيـق لـتـطـأ الــزمـن الـبـهي والـمـكـان الودود .!
      ذا أنــا أدخـل حـديـقـة الـعـريف بـها يـكـلـمني الـنارنج والـبهار. آكـل مـن ثـمـر لا عـيـن رأت ولا أذن سـمـعـت !.. أقــف بمرأى الـروح عـلى أحـواض الـماء فـي تـعـبد . الـسـمك الـمرجـاني نـاسـك ، سـابـح فـي سلسـبـيل .  
      تـتـمـلانـي سـاحـة الـمـرجـان ، هـفـهـفـة الـطـيـر ، هـسـهـسة الـماء .     الــكل شـغـوف لـرؤيـتـي يـمسـح عـلى رأسـي .
             ...قـصـر الـحـمـراء مـا بـه لـفـه بـخـار ؟.!.. مـضـغـت ثـانـية سـيجارة الـقـلـواز ونـفـخـت جهـد نـفـس بــاتـجـاهـنا وهــي تـضحـك عـالــيا . لا شــيء يـطـيـح بذروة سـعـادتــها .
    
      لــحـظة اسـتـرعــى انـتـبـاهـي ، لـم يـعـد الـنادل بـحـاجة لـمن يـفـسـر اضـطـراب حـركـاتـه . حـتى إنجليزيته الـتي مـا انـفـكت تـجـلـب لــه إعـجـاب السـيـاح خـانـتـه هـذه الـمـرة . مـتـلـعـثـما بــدا وهــو يـسـتـدرجـها لـلـداخـل . فـي الـموقـف شـديـد حـرج . دلـفـت   بـمـعـيـته  الـمـقـهى . سـرعـان مـا مرقــت مـمـتـقـعة الـمـحـيا تعول  بـاتـجـاهـنا مـن قـال أن الـضـحكة الـعـالـية سـتـموت دونـما سـابـق  إنــذار؟
انـطـفـأت سـيـجارة الـقـلـواز ...بـالـداخـل، تـحـلـقـنا مـن حـول بعـل أشـقــر مرتعـش الفـرائـص . فـي الـذعـر والـذهـول غـرق الـجـميع.
عـجّل عجّـل !..صـوت عـنـد ذروة الـحـرج ، يـأمـر ويـلـح . 
أطـلـقـت سـيـارة الإسـعـاف سـفـارة تـدوي مـنـطـلـقة  فـي عـنـوة .
حـرص الـنـادل

      عـلى رغـم كـل شـيء  عـلى عـدم تـقـديـم جـرعـة مـاء ، كـم ألـح وقـتـها السائح الأشـقـر عـلى أن يـفرغـهـا فـي جــوفـه .
       أمـّـا عـيـون الـجـمـيـع فـضـلّـت عـلى البـلاط جـاحـظـة الـزعـنـفة الـطـويـلة للعقــرب الـصـفــراء !.. جــاءت مـن مـغـاور مـطـماطـة طـافـحـة لـمـودة قـديـمـة .مــؤكـد أنـها اسـتـنـكـرت   هـرش  يـده تحت تـبانه الكاكي  فـقـامت تــــسـلـّم .



  • مطـمـاطـة : بــلدة أثــريـة في صحراء ولاية قــــابـس الـــــتــونـســية .
• الحلو ي: هو أبو عبد الله الشوذي الإشبيلـي كان قاضيا بإشبيليــا آخر دولة الموحدين .أنف من القضاء وغادر بلاده نحو تلمسان. سمي بالحلوي لأنه كان يطوف في السوق وبيده طبق من عود فيه الحلوى لــلصبيان.
• Troglodytes : الـمـــغـــاور هي حفــر عــميقة بربرية الأصل يسـكنها أهل مطماطة .
  الــسعيد مرابطي (الجزائر) (2009-03-31)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الـتـبـــان الــكـاكـــي...-الــسعيد مرابطي (الجزائر)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia