حبيبي فيلسوف مشاغب-محمد الشاوي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

حبيبي فيلسوف مشاغب

  محمد الشاوي    

كنت في مراهقتي مولعة بقراءة قصص مشاهر الفلاسفة والمفكرين و المسيقيين وكذلك العباقرة من الفنانين والمبدعين.
كان يراودني سؤال أساسي تركت الإجابة عنه للأقدار وهو : هل يمكنني أن أقع في حب أحد من هؤلاء؟ ولماذا لا يكون فيلسوفا؟
كم أعجبت بأغنية سعاد حسني في إحدى أفلامها الشهيرة وهي تغني عن الفيلسوف وتقول في حقه ، وهو محبوبها وعاشقها المغرمالولهان ( محمود عبد العزيز) ، الذي تطلب منه أن يعلمها كل مايعرف مما قرءه ، تقول :
 " حبيبي إنتَ يافيلسوفْ يَا بُو نَظَرَاتْ عنهمْ مني ، مقدرشي أحبكْ يا دي الكسوفْ غير لما قبلك وتعلمني ، علمني...
علمني كل إلي قاريتو ، و على الرفوفْ دِي راسيتو ، علمني ..."
مرت الأيام والسنوات وإلتقيت بالفيلسوف في القطار فوقعت في حبه وصرت أردد ما
غنته سعاد حسني لمحبوبي الذي يبتسم لي ويغنيها معي كما لو كان محمود عبد العزيز.
لقد صدقت يا علي محمد طه حينما قلت في الجُندول  : " إلتقتْ عيني به أول مرة فعرفتُ الحبْ من أول نظرة"  ، نعم من أول نظرة...عرفت حقيقة نبل أخلاق هذا الرجل ، فثقافته أعلى من ما كنت أتصور في تخصصه وكذلك في الآداب والعلوم واللغات ...صدق من قال بأن الفلسفة أم العلوم ، وحتى حديثه فهو شيق يجعلك تستمع له باصغاء ، فقد إكتشفت هذا حينما كنت أجلس بجواره في مقصورة القطار وهو يتحاور بلغة سلسة وبسيطة خصوصا حينما يجعل من لغته العالمة والمتخصصة سهلة ك " الدارجة" إذ يقول لسيدتين بدويتين تجلسان بجواره وهما يكاذان أن يموتامن شدة الضحك :
" أَشْرِيفَة را قَالاَ شْقَارَة ،الله يْرْحَمْ لْقْبَرْ وْ مَا
خَلاَ :<< رُدْ بَالْكْ هَادِي بْلاَدْكْ رَا نْتَ مْحْسُودْ عْلِيهَا .. رَبِي عْلِيهَا كْبَادْكْ كِيفْ رَبِيتُو فِيكْ. >>
نَاسْ دْيَالْنَا فَرْطُو وْلِي عْطَا الله هُو هَذَا.
حْنَا كَنْزْطْمُو عْلَى زْبِيبَا وْ كَنْدُقُو  حْلاَوْتَا ، دَابَا دُنْيَا تْخَلْطْتْ وْلينَا كَنْزْطْمُو فْلْجَرَائِمْ وْ لْحَوَادِثْ وْ تَا هَدَاكْ  شي لِي مَا كِتْسْمَاشِي ..."
كلامه كله حكم ، طرائفه ممتعة تجعلك تقبل على الحياة بتفاؤل وتسخر من مشاكلها وهمومها كما كان يفعل سقراط في أثينا.
لا أخفيكم سراً لقد أغرمت به وعشت معه قصة حب جميلة ، تصوروا أن أول لقاء ألتقي به في
نزهة غرامية قررنا القيام بها في إحدى مدن الشمال الجميلة وهي مدينتي ومسقط رأسي طنجة عروس الشمال .
قال لي : حبيبتي قبل أن نقوم بجولتنا سنذهب سويا لقضاء غرض معين
فبدأت أتساءل أي غرض هذا الذي يطلبه حبيب من محبوبته في لقاء غرامي ؟
أجبته  بلهفة : فل نبدأ به هو الأول أخبرني أنه مستاء من الأحياء وقررت زيارة الأموات ، تعجبت لما يقول وبدأت أضحك ، لكنني وجدته يتكلم بجدية .
فابتسم وقال : سنذهب لزيارة والدك المرحوم الحاج حسن .
تساءلت في نفسي أي فيلسوف هذا؟
الذي يطلب من محبوبته هذا الطلب ؟
كم أعجبني هذا الموقف الذي ما زلت أتذكره إلى اليوم وأحكيه لكل من أعرفه   .
في الحقيقة إزداد تعلقي به وخصوصا أن وفاة والدي لم تكمل بعد سنة على هذا الوقع الحزين على قلبي .
دخلنا "مقبرة المجاهدين" سويا وفي موكب مهيب ونحن نلقي السلام  وكأن جميع الموتى ينظرون إلينا ويهمسون في أذني بصمت حتي لا يسمع محبوبي ويقولون :
أيتها الآنسة حافظي على حبيبك الفيلسوف وضعيه نصب عينيك فهو يحبك بصدق ، إنك لن تجدي مثيلا لوفائه، حذاري أن تغضبيه.. !!
كان المكان جميلاً  في المقبرة ، الأشجار خضراء والزهور منفتحة ، إننا في فصل الخريف ، كما لو أن الربيع قد إقترب .
سلمنا سويا على والدي وقرأنا على روحه الطاهرة آيات بينات من الذكر الحكيم، بعد ذلك خرجنا سويا واتجهنا إلى مكان جميل إرتاده المفكرون والأدباء والرسامون ...
إنه مقهى " الحافة ".
قضينا أمسيتنا في هذا المكان الرومانسي ونحن في جو من المتعة والفرح والسرور الذي
ينعم به جميع العشاق ونحن نشرب الشاي الأخضر المنعنع .
 طلبت من الله أن لا ينتهي هذا اليوم حتى أستمتع بحديثه الجميل، لكن الأقدار شاءت أن نفترق فقد حل الظلام وأذن صوت المؤذن لصلاة العشاء .
خرجنا سويا من المقهى وتجولنا بالقرب من القصر الملكي بعد ذلك وسط المدينة،
و في " البُولِيبَارْ " .
إنتهى اللقاء بذهاب محبوبي بعد أن أوصلني بالقرب من منزل سكن أسرتي ، والذموع تتساقط من عيني وهو يغني لي أغنية موسيقار الأجيال محمد  عبد الوهاب " يا مسافر وحدك" التي يقول فيها :
" يَا مْسَافِرْ وَحْدَكْ وِ فَيِّتْنِي ، لِيهْ تِبْعِدْ عَنِّي، لِيهْ تِبْعِدْ عَنِّي وِتِشْغِلْنِي ..."
أجبته بنفس كلمات الأغنية فقلت له :
" عَلَى نَارِ شُوقْ أَنَا حَسْتَنَا وِأَصَبَرْ قَلْبِي
 وَ تْهَنَى ، عَلَى بَالْ مَا تْجِينِّي وَتْهَنَى ..."



 
  محمد الشاوي-المغرب (2014-12-31)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حبيبي فيلسوف مشاغب-محمد الشاوي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia