تودوروف و الدعوة إلى إنقاذ ... الأدب-الصادق بنعلال
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

تودوروف و الدعوة إلى إنقاذ ... الأدب

  الصادق بنعلال    

 " إنه تصور مختزل للأدب، يفصله عن العالم الذي نحيا فيه، يفرض على التعليم و النقد بل حتى على بعض الكتاب. بيد أن القارئ يبحث في الأعمال الأدبية عما يمنح معنى لحياته ، و بذلك يكون هذا القارئ على صواب  " :  تزفيتان تودوروف.

 ما فتئ المؤلف النقدي " الأدب في خطر " للكاتب الفرنسي " تزفيتان تودوروف " يثير اهتماما ملحوظا و ملفتا ، لدى المشتغلين في المجال الأدبي و المعرفي على وجه العموم  ، و ذلك لما استعرضه من قضايا محورية ذات الصلة بالشأن الثقافي و البيداغوجي ، و للنظرة المتجددة التي حملها كاتب طالما أغنى المكتبة الأدبية العالمية بدراسات نقدية بالغة الأهمية ، اتخذت من البنيوية و المقاربة الشكلانية منطلقا لمساءلة منطوق النص الإبداعي ، و استجلاء محدداته الأدبية المخصوصة . و على الرغم من صغر حجم المؤلف قيد المعاينة " الأدب في خطر "الصادر سنة 2007 عن دار فلاماريون ، إلا أنه أحدث رجة غير منتظرة في ميدان الإبداع و النقد الأدبيين ، أعادت الاعتبار من جديد للقول الأدبي المسكون بهاجس البحث و السؤال عن الإنسان في الأدب بحصر المعنى !

1-  الأدب بين الماهية و الرسالة :

و مهما تنوعت تعريفات الأدب عبر مختلف العصور و الثقافات الإنسانية المتنوعة ، يظل في المحصلة الأخيرة ذلك التعبير اللغوي الجمالي عن جوهر الإنسان و تطلعاته و أحلامه و حقيقته الأزلية ، إنه بوتقة تنصهر فيها مختلف المعارف البشرية الحاملة للقيم المثلى من خير و حق و جمال .. مما يستدعي في أي مقاربة نقدية للنصوص النثرية و الشعرية إطارا مرجعيا و مفاهيميا ، يؤلف بين الجديد في عالم الألسنية و المناهج الأدبية الحديثة ، و بين الرؤية الإنسانية العميقة ، و المدركة للرسالة الأدبية الرفيعة للأدب ؛ رسالة البوح بكينونة الإنسان في الزمان و المكان . و ما من شك في أن الأعمال الأدبية العظيمة منذ اليونان فد لعبت دورا مفصليا في التمهيد لبناء الحضارات و الرقي بالأفراد و المجتمعات.. فكيف يجوز الاقتصار على النظر إلى المنجز الأدبي العظيم داخل "محبس" شكلاني محكم الانغلاق ، و إهمال إيحاءاته اللامتناهية  و محتوياته الرؤيوية غير المحدودة ! ؟

2-  النقد بين البنينة و ... الأنسنة :


و قد لعبت الظروف التاريخية و السياسية منذ مستهل القرن العشرين دورا أساسيا في تغيير مسار مقاربة الخطاب الأدبي ، حيث تم الانتقال من مرحلة الاحتفاء بالحمولة الأيديولوجية و المحتوى المضموني للأدب ، إلى التعاطي البنيوي و الملامسة اللغوية الحدية ، خاصة في الفترات العصيبة من تاريخ ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي ؛ حيث المراقبة الذاتية إزاء ثقل أيديولوجية السلطة السياسية . و شكلت الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي في الغرب و فرنسا بشكل خاص مجالا خصبا للتخلص من التعاطي العفوي و " الساذج " مع الإنتاج الأدبي ، لقد كانت المناهج والمفاهيم الاجتماعية و التاريخية و الفنية هي السائدة ، و أقصى ما كان يطمح الناقد آنذاك أن يصل إليه هو التعريف بالسياق السوسيو تاريخي للظاهرة الأدبية و " الغوص " على المعاني " القابعة " داخلها . و هكذا ساهمت كوكبة من النقاد الجدد المسلحين بآخر مستجدات المعرفة الإنسانية من فلسفة و لسانيات و مناهج إبستيمولوجية .. لوضع حد لممارسة نقدية لا تعير أي اهتمام ل " أدبية " العمل الأدبي و نسيجه اللغوي ، و تنطلق فورا في اتجاه " استخراج " مضامينه و قيمه الموضوعية ! و قد لعب رولان بارت و جيرار جنيت و غريماس و تودوروف و كلود بريمون و آخرون دورا جوهريا في إعادة الاعتبار للنص الأدبي بالنظر إليه كوحدة لغوية مخصوصة و مكتفية بذاتها ، و مستغنية عن سياقاتها العامة . و لئن أسدت  المقاربة البنيوية خدمة غير مسبوقة للممارسة الأدبية ، و أسبغت عليها قد غير يسير من العقلنة و الأجرأة ، و التخفيف  من غلواء  القراءات الانطباعية للنصوص الإبداعية .. فإنها غيبت و بشكل غير مبرر " علميا " الاهتمام بقضايا الإنسان، و رؤاه إلى الكون و الحياة و المجتمع. و لعل هذه " الأصولية " البنيوية كانت وراء الدعوات المتجددة إلى إنقاذ الأدب من " الموت " و إبعاده عن خطر يهدد جدوائيته و وظيفته البناءة !

3- الأدب و المؤسسة التعليمية :

إن أهم ما يركز عليه الناقد " تودوروف " في هذا الكتاب المثير للأسئلة الصعبة هو ضرورة إعادة النظر في كيفية قراءة و إقراء النصوص الأدبية في المؤسسات التعليمية ( المستوى الثانوي تحديدا ) ، حيث الاهتمام المفرط بالمصطلحات و المفاهيم النظرية و الأدوات و التيارات الأدبية العالمية .. أثناء تدريس النصوص الإبداعية ، على حساب جمالية الصوغ الجمالي الحي ،  و القيم الإنسانية الثاوية في لحمة المعطى الأدبي و سداه ، و قد أضحى جليا عند عدد غير قليل من الباحثين في الحقل الأدبي أمثال : أمبرتو إيكو Umberto Eco و فرانسوا راستيي François Rastier و قبلهما جان بول سارتر Jean-Paul Sartre .. ملحاحية العودة إلى استكناه الأبعاد الدلالية للمنجز الأدبي الكوني . إنها خطيئة بيداغوجية استراتيجية أن نقتصر على الوصف الشكلاني و الهيكلى المغلق لإبداعات رفيعة و لعباقرة من قبيل ؛ سوفوكلس Sophocle  و شكسبير Shakespeare و دوستويفسكي Dostoïevski وبروست Proust .. الذين أثروا الأدب البشري بصور لغوية حافلة بقيم الحرية و الكرامة و المساواة و التسامح .. و رفض كل مظاهر البؤس و المعاناة و الضياع في عالم غير عادل ! إن الغاية المثلى من دراسة النصوص الأدبية هو استقراء مغزاها و القبض على المعاني العميقة التي تتضمنها عبر أدوات منهجية بنيوية و لسانية و سيميائية أو غيرها دقيقة و محكمة ، تتخذ وسيلة و ليس غاية في حد ذاتها . إننا في أمس الحاجة إلى تحبيب المادة الأدبية إلى المتعلم داخل الفصل الدراسي و خارجه ، ليقيننا الراسخ بأهمية الأدب و وظيفته الاستثنائية في الرفع من المستوى المعرفي و الجمالي للمتلقي ، و جعله أكثر إدراكا لذاته و العالم المحيط به ، و عشقا للكون و ...  الحياة !!



 
  الصادق بنعلال (2015-01-19)
Partager

تعليقات:
العربي الرودالي /تمارة المغرب 2015-02-27
الأدب، سمي كذلك لأنه من التأدب..والتأدب يشمل أجمل ما في الذات الإنسانية من أخلاقيات، تنصبه على هذا الكون صولجان قيم من الفنون النظيفة والبهية والطموحة.. فتعطيه معنى لحياته الذاتية قبل المادية ..وتلك هي أدوار البلاغة الشعرية ووخطوط التشكيل وخيال الحكي وتناغم الموسيقى وجمالية الصورة..كل ذلك هو ما يبحث عنه المتلقي الذي يتجاوز مراهقته القرائية لينضج في محبة الحياة..فتقديرا لتزفيتان تورودوف ، وتحية للدارس والأديب الأستاذالصادق بنعلال
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

العربي الرودالي /تمارة المغرب 2015-02-27
الأدب، سمي كذلك لأنه من التأدب..والتأدب يشمل أجمل ما في الذات الإنسانية من أخلاقيات، تنصبه على هذا الكون بصولجان قيم الفنون النظيفة والبهية والطموحة.. فتعطيه معنى لحياته الذاتية قبل المادية..وتلك هي أدوار البلاغة الشعرية ووخطوط التشكيل وخيال الحكي وتناغم الموسيقى وجمالية الصورة..إن ذلك هوما يبحث عنه المتلقي الذي يتجاوز مراهقته القرائية لينضج في محبة الحياة..فتقديرا لتزفيتان تورودوف ، وتحية للدارس والأديب الأستاذالصادق بنعلال
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

العربي الرودالي /تمارة المغرب 2015-02-27
الأدب، سمي كذلك لأنه من التأدب..والتأدب يشمل على أجمل ما في الذات الإنسانية من أخلاقيات تنصبه على هذا الكون الفنون النظيفة والبهية والطموحة..تعطي معنى لحياته المعنوية قبل المادية..وتلك هي أدوار البلاغة الشعرية ووخطوط التشكيل وخيال الحكي وتناغم الموسيقى وجمالية الصورة..إن ذلك هوما يبحث عنه المتلقي الذي يتجاوز مراهقته القرائية لينضج في محبة الحياة..فتقديرا لتزفيتان تورودوف ، وتحية للدارس والأديب الأستاذالصادق بنعلال
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

تودوروف و الدعوة إلى إنقاذ ... الأدب-الصادق بنعلال

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia