بيان طنجة للاحتفالية المتجددة-عبد الكريم برشيد
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
 أنا الموقع أعلاه

بيان طنجة للاحتفالية المتجددة

  عبد الكريم برشيد    

لقد تم تكريمي مؤخرا في مدينة طنجة، وأعلنت بالمناسبة هذه المدينة مدينة احتفالية، وأصدرت بمناسبة التكريم وثيقة هي عبارة عن بيان تاريخي يحمل اسم المدينة، ويؤرخ لمهرجان المسرحي الدولي في دورته الثالثة، والذي كان عيدا مسرحيا حقيقيا يليق بطنجة وبوجدانها وبذاكرتها وبعمقها الثقافي والحضاري، وأشهد أنني قد عثرت على شيء كثير من روح الاحتفال الصادق والشفاف في هذه المدينة المفتوحة عالى كل الدنيا، وأشهد أنني قد استعدت ثقتي بالناس من خلال نماذج طيبة ورائعة فيها، وإلى الصديق طارق الرامي ورفاقه في جمعية القنطرة، وإلى كل المثقفين والفنانين المبدعين في هذه المدينة الجديدة والمتجددة والمبدعة، أهدي هذا البيان الجديد عن الاحتفالية المتجددة، ولقد وجدت أن الشرفة التي ينبغي أن يطل منها هذا البيان على الناس لا يمكن أن تكون إلا شرفة ( طنجة الأدبية) والتي كانت دائما شرفتي وشرفة كل الكتاب الصادقين، تماما كما كانت شرفة عالية في بيت الإبداع الأدبي والفكري والعلمي، عالية مثل أمها طنجة العالية، ولذلك فإنني سأقتطع من جسد هذا البيان فقرتين فقط، لأنشرهما في هذا الموعد الذي أسميته ( أنا الموقع أعلاه) والذي هو مجرد ركن واحد من الأركان المتعددة في هذه الشرفة.  

في النقد والنقاد ونقد النقاد

نعم، إنني أحب الجمال، وأهيم به عشقا، ولكن أي جمال؟ الجمال المكلل بالجلال وبالكمال بكل تأكيد، وأعشق السحر أيضا، وهو في درجة السحر الحلال، تماما كما أعشق المعرفة وهي في أعلى وأسمى درجاتها، والتي هي درجة الحكمة، وإنني أقول دائما مع ابن عربي (شرف الإنسان معرفته لنفسه) وأقول مع صديقي بحر العلوم في تلك الاحتفالية المسرحية التي تحمل اسمه: ما قيمة أن يعرف الإنسان أصعب المسائل وأخطرها في الوجود والحياة وأن يجهل أبسطها وأسهلها؟
وما معنى أن يدرك منتهى الأشياء وأن يضيع مبتدأها ومنطلقها؟
وما قيمة أن يحيط بكل شيء علما وهو يجهل نفسه وذاته؟
وإنني أستغرب لمن يشتغل بالنقد، ويسعى لأن بعرف الشعراء وشعرهم، وأن يفك شفرة الكتابة وشفرة الكتاب، من غير ان يعرف نفسه أولا، ومن غير أن يعرف بها ثانيا، وأعتقد أن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطي أي شيء، ولعل هذا هو السر في أن يتحول كثير من النقد إلى الوصف وإلى الأحكام العامة وإلى ترديد الكليشيهات النقدية الجاهزة، والتي لا يمكن أن تخرج عن شيئين اثنين لا ثالث لهما، أي المدح المجاني أو الهجاء العدواني ولا شيء سوى ذلك، ولهذا فإنني أقول لكل أصدقائي النقاد الكلمة التالية ( اعرفوا أنفسكم أولا، وتأكدوا بأن من لا يعرف نفسه لا يمكن أن يعرف أي أحد من الناس، وابحثوا عن الجمال في أنفسكم أولا، وتأكدوا مع الشاعر إيليا أبي ماضي بأنه لا مهرب من الحقيقة التالية، والتي هي: (والذي نفسه بغير جمال    
لا  يرى في الوجود شيئا جميلا)
نعم إنني أسافر، بحثا عني أولا، وبحثا عن الجمال والجلال ثانيا، وبحثا عن المعرفة أيضا، وأعتبر أن المعرفة لا تكون صادقة إلا إذا كانت في درجة الحكمة، وإنني أقول مع الشيخ ابن عربي ( شرف الإنسان معرفة نفسه) ، وأي ناقد يقول لنا (إنني أرى) فإنه لابد أن نقول له :
ــ ( كيف ترى ما تراه ونحن لا نراك؟)
اعرف نفسك أولا، وعرف بها ثانيا، وإذا عرفت نفسك عرفت كل الناس، وإذا جهلتها جهلت كل الناس، وهذه هي مأساة بعض النقاد اليوم، لقد كتبوا على نفسهم أن يكونوا خارج أنفسهم، وأن يعيشوا على هامش الجياة، وعلى أن يتحركوا على هامش الإبداع والمبدعين، وعلى أن يكتفوا بوصف الوقائع والحالات بدل أن يعيشوها أولا.
حقا، لقد صدقت يا شيخنا، إن ( شرف اإنسان معرفة نفسه) ومعرفة الذات أولى من معرفة أي موضوع، كيفما كانت خطورة هذا الموضوع، وعليه فإنني أنصح كل النقاد أن يكونوا أكثر من مجرد تقنيين، وأكبر من مجرد حرفيين، وأكبر من مجرد كتاب تقارير، وأن يهتموا بفقه النقد أولا، والذي لا يمكن أن تكون له قائمة إلا مع وجود رؤية جمالية وفكرية وأخلاقية ثابتة، فما أسهل لعبة إطلاق الأحكام المزاجية والعشوائية، وما أصعب الطريق إلى المعرفة والحكمة.    
أنا ما أردت أن يكون لي مذهب من بين المذاهب، ولا سعيت لأن يكون لي مسرح مختلف من بين المسارح، ولا عملت من أجل أن أكون في جهة من الجهات، ولقد اعتبرت دائما أن الكلية (مذهبي) وأن الشمول منهجي، وأن الوحدة ( ديني) وأن كل هذا الكوكب الأرضي وطني، وأن كل هذه اللغات لغاتي، وأن كل الناس إخوتي، وأن كل هذه المسارح مسرحي، وأن كل الطرق التي تؤدي إلى الحق والحقيقة، وإلى الجلال والجلال، هي طرقي، وأن كل الذين يمشون معي في نفس الطريق هم أصحابي وأحبابي، وهم  بالضرورة رفاق الطريق، وإيمانا مني بأنه لا يمكنني أن أمشي في هذه الطريق وحدي، فقد أسست مع رفاقي جماعة المسرح الاحتفالي وبنفس روح الجماعة مازلت أمشي في نفس الطريق.

في الحقيقة والحرس والعسس

أنا لا شيء يزعجني أكثر من وجود شيء، أو من وجود شخص، أو من وجود جهة توقفني عند حد معين، وتقول لي ( من تعدى حدودي فقد ظلم نفسه) لأنني مقتنع بأن الحقيقة ليس لها حدود، وبأن الجمال ليس له حدود، وبأن العبقرية الإنسانية ليس لها حدود، وإن من الغباء أن نجد من ينصب نفسه دركيا في الفكر والفن، ومن يريد أن يكون وصيا على العقول المفكرة، وعلى النفوس الصادقة، وعلى الأرواح الحرة.
ولا شيء يضحكني أكثر، من وجود خيالات وأشباح وصور مشوهة، تريد أن تخيفني وترعبني، وأن تحاول أن تقنعني بوجود أجساد وغيلان وأرواح وهمية لا وجود لها إلا في الخيالات المريضة.
إنني أعرف أن الحقيقة موجودة، ولكن في جهة خارج كل الجهات، وفي مكان خارج المكان، وفي زمن خارج كل الأزمان، وأعرف أن إدراك هذه الحقيقة غير ممكن، ولكن هذا لا يمنعني من أعشق هذه الحقيقة، وأن أبحث عنها، وأن أنفق كل أيام عمري في طلبها والكتابة عنها.
لحد الآن لم أصل، ولم أدرك شيئا مما أريد وأبتغي الوصول إليه، ولي اليقين بأنني لن أصله في يوم من الأيام، أو في عام من الأعوام، ولكنني مع ذلك لا أكف عن الطلب، ولا أكف عن السؤال، ولن (أتوب) أبدا عن ممارسة حقي الشرعي في الشغب، ولن أتوقف لحظة عن حمل الصخرة السيزيفية إلى الأبعد والأعلى، وما يهمني هو أن أمشي وأمشي، إلى الأمام والأسمى دائما، وأن أترك في الطريق كتابات وعلامات صادقة وناطقة وبلغية، ليعلم أحبابي وأصحابي وتلامذتي أنني قد مررت من هنا، وأنني قد كنت فعلا هنا، وهذا هو أنا، لقد كتب علي في أسفار الوجود أن أكون مشاء، وأن أجد متعتي ولذتي في المشي، وأن أبحث عن معنى وجودي وحياتي في هذا المشي.
فأنا المسافر بلا حقيبة، لأن أصدق كل الأسفار هي أسفاري التي كانت نحو نفسي، وفي نفسي وجدت قارات جديدة،  ووصلت إلى جزر وخلجان بعيدة، وقطعت صحاري بها واحات ساحرة، وقطعت بحورا ومحيطات بعدد لا محدود.
لدي مساهمات كثيرة في عالم المسرح، قد تكون كبيرة نسبيا، تماما كما يمكن أن تكون  صغيرة نسبيا، وأعرف أنها قد لا تكون جميلة بشكل كامل، ولكن هذا لا يمنعني من أقول بأنني فعلا أعشق الجمال البهي، وإن كان هذا الجمال لا يعشقني فتلك مسألة أخرى، وما حيلتي إذا كان الحب من طرف واحد معذبا وقاسيا ومدمرا؟
أكتفي بهذا، والبيان الذي نشره المهرجان في كراسة أنيقة مازال طويلا.



 
  عبد الكريم برشيد (2015-02-02)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

بيان طنجة للاحتفالية المتجددة-عبد الكريم برشيد

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia