عساك تنتبه-حميد كوفة-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

عساك تنتبه

  حميد كوفة    

لست تفتقد أينما مررت أناسا أقعدتهم الحاجة والمسغبة على هوامش الطرقات، هنا تمحى من الوصف صفوة من الكلمات الأنيقة، لامكان لها،فالكرامة،عزة النفس،الجمال....:كلمات قلقة في الظل.
أرامل،يتامى،شيوخ،ذووعاهات،هنا جرح غائر في وجه بهي،هباء عالق في أستارالديكور العام للمكان،يتكاثرون قرب الأبناك والأسواق والشوارع الحافلة من مدينة فاس.
نخبر حالهم- نحن أبناء المكان- جيدا، مأتاهم حيث تكدس آلاف المهاجرين من القرى المجاورة،في أحياء بعضها فوق بعض،تلفظ الشقق بؤسها صباحا،وتتلون المشاهد بصور
باعة متجولين،وحرفيين بسطاء،أو متسولين.
كدأبها منذ عشر سنوات، قابعة هنا "مّي حليمة"،عند شجرة "النارَنْجْ"بركن في الشارع الرئيسي،حيث واجهات المحلات التجارية تراها براقة،والمارة في غدو ورواح بمحاذاتها، الجلسة المحتشمة والأسمال نفسها،والكلمة الصادحة: "صدقة لله" تثير نزق العصافير في ترديدها،تذكر الشجرة جيدا تحشرج صوت هذه السيدة، حين نادت بها أول مرة،نسيت أن تأتي بقنينة ماء فظلت ظمأى،حدثتها نفسها بشراء جرعة باردة في شهرغشت ،ثم أملت عليها ثانية ما يمكن أن يقوله الناس: متسولة وتشرب ماء معدنيا؟ كما أنها لا تعلم ثمن القنينة،ربما ساوى ما تجده يسراها من قطع نقدية قليلة عندها.
اعتاد المارة من هنا على حضورها اللافت،روح تستجدي في أرذل العمر، كما ألفوا دعواتها إن نفحها أحدهم بما وسعته نفسه، عشرون،ثلاثون درهما،قد تزيد وقد تنقص،
تفي في اليوم بكسرة خبز وجرعة ماء،أما المأوى ومن يقاسمها المعيشة فلا يدري- هنا- أحد،لعل "النارنج"والعصافير وحدها تعلم الخبر.
بدوري ألفت تواجدها،وألفت منها دعوتها:"الله يْحَنّن عْلِيك القْلوب" أجدها تلمس فؤادي في العمق،دعواتها منتخبة،وبحة صوتها صادقة.
الشوارع حبلى بالمتسولين،و"مِّي حليمة" أصبحت تنازع البقاء وسط هدير من الأصوات المستجدية،أرامل،يتامى،شيوخ،ذووعاهات،أطفال ، أفارقة أبناء الهجير.. أركسترا تعزف
سيمفونية بائسة تَكْلِم القلب الحي،سوق لا كالأسواق،عساك تبتاع دعوة تنفعك يوما، قد علم كل ركنه،وحدها الأقدمية تعطيك حق المكوث هنا لا هناك.
صباح باكر ليوم جديد،وزحف جديد صوب ثخوم زاوية في هذا الشارع تشهد ل"مي حليمة"بحق الملكية،عشرسنوات ،وحدها العصافير-هنا- أحصت لهذه العجوز تردد لازمتها:" صدقة لله". خائفة هي،عسى شيبتها وطول الألفة تشفع لها بالحق في دريهمات.
صور جديدة ترمقها العيون،ولهجة غيرمألوفة -هنا- تترامى في الأسماع،وشوشة في الظل،من،ماذا،كيف،لماذا...؟ استفسارات بدأت تهم ساكني الزوايا والأركن،زوار جدد،
جوازات سفر بالأيدي،مهجرون من ديارهم،عرب مسلمون أتوا من هناك،من بعيد حيث
الديار غرقت في يم أحمر،حيث صدح الصوت بالحرية ربيعا فأقبر الصائت وتبخر الصوت،
ناجون حملوا صوتهم،وجاءوا هنا:"سوريون مهجرون من ديارهم،إخوانكم يا مسلمون"
مشهد يعصر القلب أي قلب.
انمحت الحدود وبدأت الألسن تهمس بحق الأقدمية،أطفال يعترضون سبيلك،و الصوت
الضعيف خبا في جوقة الأصوات المنتحبة، عسى الجيوب المعسرة تسع الكل. توارى العديدون، أرسل نظرة حيرى كلما مررت  بركنها،" الله يْحنّن عليك لَقْلوب" هاجرت،
 لعل الشجرة تدري كنه الغياب،ولعلها استحيت أن تنهر طفلا يردد لازمتها :"صدقة لله".
يومها فوجئت وأنا أراها جالسة عند عمود نور قرب المصلى، حيث صلينا صلاة الفطر
نعم "مِّي حليمة" ببحة صوتها الصادق،وعكاز لم أره بجوارها من قبل،وجدتني أتلفت حولي عساي أجد من يستجدي بما تسمعه أذني من دعوات - حسبتها - بالشامية.
قال صاحبي: عجوز مخادعة،لا تجيد التسول بالشامية،تثير شهيتي للضحك.
قلت: أحسن الظن وجد- مبتسما- بما وسعته نفسك.
قال معترضا: تحرم نفسها العطاء بهذا الخداع.
قلت:انظرحواليك،عشب تدوسه الأقدام سيستحيل لونه، فليتك تفهم عنها،وعساك تنتبه.
نفحتها بما تيسر،وظللت مستغربا يوم العيد ،كيف عرفتني"مي حليمة"  حين دعت لي  بصوت خافت خافت:"الله يحنن عليك لقلوب أوليدي"؟؟



 
  حميد كوفة-المغرب (2015-04-25)
Partager

تعليقات:
شيرازي ع /المغرب 2015-05-25
تحية عالية لك سي كوفة.مزيدا من العطاء
البريد الإلكتروني : abdou_aam@hotmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

عساك تنتبه-حميد كوفة-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia