أين ذهب القراء...؟؟؟-عبد الغفور مغوار-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

أين ذهب القراء...؟؟؟

  عبد الغفور مغوار    

  كان طموحه في أن يلمع اسمه على الساحة الأدبية مجرد حلم عابر. وكان لا يكتب إلا لماما، غير أنه كان ينتقي الكلمة الهادفة من أعماق قلبه وكان يختار الموضوع الأهم من صميم الواقع. لذا كانت كتاباته يدهش لها بعض أصدقائه ومنهم من كان يحثه بإلحاح على أن يطرق الأبواب وينخرط في نوادي الأدب. لم يكن يشعر بما يحفزه على خوض تجربة كهاته لسببين: خجله ويأسه. أما خجله فكان يمنعه من الاحتكاك، وأما يأسه فكان بسبب عدم الثقة بالنفس أو على الأقل ضعفها. أسباب أخرى كان يتحجج بها من قبيل أن نوادي الأدب اليوم كما كل النوادي تتحكم فيها لوبيات تقطع السبيل عن الغرباء. لسنا بصدد تأييد هذا أو تكذيبه، فدعونا نكمل قصة هذا الأديب. 
  بقي الرجل على حاله يكتب لنفسه ونادرا ما يقرأ له شخص ما. مرة فكر بأن يجمع إنتاجه الأدبي وقد صار غزيرا، انتقى من مؤلفاته ديوانا شعريا وقصد دور النشر، وما أدراكم ما دور النشر اليوم! لم يرحب به ولا ناشر لكونه شاعر مغمور. استنتج، بعد طول جهد وتردد على الناشرين، أنه عليه طبع ديوانه على حسابه وتوزيعه بنفسه. فكانت مغامرة، وأية مغامرة!
 دبر حاله وجمع مالا، طبعا أكبر حصة منه اقترضها من هنا وهناك. وكلما حل عند صاحب المطبعة كان يسدد وكانت التكلفة تزيد عن المبلغ المحدد سابقا والحجة التي يبرر بها المطبعي زيادته غالبا ما كانت واهية لا منطق فيها، غير أن صاحبنا كان يحوقل مفوضا أمره إلى الله ويدفع، لأن شوقه لرؤية مولوده الأدبي كان يأج في صدره. لا داعي لوصف كيف كان نومه وقيامه وكيف كان فكره بل وعيشه قبل أن يرى كومة كبيرة من كتب كلها تحمل اسمه وصورته على دفتيها. حار كيف ينقلها إلى بيته أولا وأين سيضعها ثانيا. اتصل بصديق يملك سيارة فأسعفه. أهله في البيت  أفرغوا حجرة من بعض أثاثها لتصبح مستودعا لكتبه آملين في أن يرجعوا إليها أثاثها قريبا.
 قصد الأكشاك والمكتبات في المدينة والمدن القريبة ليزودهم بنسخ من ديوانه فمنهم من كان يمتنع بمجرد حركة من رأسه وتغيير ملامح وجهه. استبد به اليأس حتى أهمل نفسه وأعرض عن توزيع كتبه التي أصلا لم يوزع منها إلا ما أهداه لمجموعة من معارفه، بعضهم أخذ منه النسخة المجانية مجاملة وركنها بعد ذلك في ركن مهمل من بيته.
 مع مرور الوقت ظل يلح عليه دائنوه في أن يرد لهم نقودهم. فقد أمهلوه ما استطاعوا. بات من المفروض عليه التصرف في نسخ ديوانه والتي- يا لسخافة الوضع!- لم تكن تتعدى الخمسمائة نسخة. فكر بأن يتجول بما يستطيع حمله منها في شوارع المدينة، وحزم في الأمر. لكن قليلا من كان يشتري منه شفقة عليه. تعبه من كثر التجوال أدى به إلى افتراش مكان في الشارع تماما كما يفعل الباعة، وكان يفعل ما يفعله هؤلاء عندما تواجههم قوات الأمن التي تمنعهم من استغلال الملك العمومي. فمرة كان يلم بسرعة بعضا من نسخه والبعض الآخر الذي لم يستطع لملمته تدوسه الأقدام، ومرة وهو يركض هربا من قوات الأمن كان يتناثر بعضها على الطريق، ومع ذلك قليل جدا من كان ينتبه لها فيلتقطها. عاد بعد ذلك للتجول بها في الشوارع وهو يهتف:
-    ديوان شعر بعشرة دراهم ... من يقرأ شعرا بعشرة دراهم ....؟
 المبلغ الذي كان يهتف به زهيد جدا وأقل بكثير من تكلفة النسخة.
 تردد على الأماكن الغاصة بالمارة، وعلى المتاجر الفاخرة وعلى صالات اللهو والمقاهي. كانت عودته إلى البيت مساء أرق من نوع آخر، الغرفة كما هي، وأثاثها متراكم في مدخل البيت. أتعبه الوضع ما يكفي بسبب ضغوط أهله.  كان قراره أن يتخلص من نسخ ديوانه بأي شكل. توجه إلى المكتبات العمومية وتبرع هناك بعدد منها والغريب بل البشع أنه لم يقابل ولو بكلمة شكر تليق بمبدع مثله. خرج إلى الشارع مرة أخرى يهتف:
-    خذ بالمجان نسخة واقرأ شعرا...؟
تستنتجون كيف كان يقابل هتافه؟ أما هو فقد استنتج أن الاستثمار في الكتابة تجارة كاسدة في زمن تنكر للقراءة.

ملاحظة هامة:
 لهذا السبب لم أنشر بعد ولا مؤلفا واحدا من مؤلفاتي.



 
  عبد الغفور مغوار-المغرب (2015-08-10)
Partager

تعليقات:
بن حليمة امحمد /سعيدة - الجزائر 2015-08-26
( إذا عُرِف السّبب بطُل العجب )إنّــه حـقّـا لواقع مرير ليته اقتصر على بلد ما لقد عــمّ فلـمَّ بالعـقول و جلب الهــمّ للكتّــــاب كن حكيما و لا تيــأس عملا بالمقولة: ( كلّ محنة تزيد حكمة ) أمر طبيعي لا يدعو للتّساؤل أو التّعجب فأمّة إقـرأ قلّما تقرأ
البريد الإلكتروني : mhbenhalima@gmailcom

عبد الغفور مغوار /المغرب 2015-08-18
سررت بالمرور وزادني التعليق النبيل شرفا.ألف شكر على التشجيع و التحفيزن دمت بألف خير.
أما عن تجربة النشر فمن خلال تجارب أصدقاء لي أجدني متخوف من النشر، ربما ستكون فرصة في وقت ما، انا أنتظر مع المنتظرين، وجزيت خيرا.
البريد الإلكتروني : merab_11@hotmail.com

عشاق الأدب /المغرب 2015-08-15
قرأت القصة الواقعية المريرة والرائعة بأسلوبك الأدبي الثري لثاني مرة بشدة ماهو أسلوبك السلس لذيذ وممتع
تستحق النجاح والصعود بدلا من هذا العناء كان عليك قصد مسابقة أدبية شهيرة أحيانا تغتالها أنامل الغش وغير هذا لكن البعض هناك أسعفه الحظ ومنحه فرصة ذهب ثمينة
وحقق كل أحلامه وتألق نجاحا ....
لابأس سيسطع نجمك يوما ويبقى هذا النص تاريخا فنيا وقدوة يحتدى بها لكل الوجوه الشابة العاشقة للأدب
البريد الإلكتروني : manalbakali@hotmail.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أين ذهب القراء...؟؟؟-عبد الغفور مغوار-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia