فن توليد الفكرة و ربط الهوى بالقضية و المبدأ في قصيدة كتمت هوانا للشاعر عبد القادر صيد-فضيلة عبدالكريم - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

فن توليد الفكرة و ربط الهوى بالقضية و المبدأ في قصيدة كتمت هوانا
للشاعر عبد القادر صيد

  الشاعر عبد القادر صيد    

قال :   الشاعر :  محمد جربوعة :


أفشت هوانا في المحافل زينب 


و الغيد إن أفشت تزيد و تكذب


 


قال الشاعر عبدالقادر صيد


كتمت هوانا في الجوانح زينب  


و الغيد إن كتمت تشيخ و تتعب


-------------------------


 


لمعت وجوه البائحات بحمرة 


و حبيبتي مما تكابر تشحب


نجحت بتقليم الأظافر حولها 


لا مشفق من حالها يتعتَّب


قديسة أفكارها لم تمتزج 


ببنات لهو بالحواجب تلعب 


و ترى هوانا مأثما تشقى به 


كتمانه دين به تتمذهب


فتغالب الأنفاس كي تبدو على 


أن الأمور كما تريد وترغب 


لو دققوا في حالها كشفوا الخفا 


لكن ربك حين يستر يحجب


و تحيط صورتها بسمت رزينة 


مهما غويت فإنها لا تعجب 


وتقسم النظرات عدلا بيننا 


موزونة تهدي الوداد و تسحب 


حتى أمرَّ مع الجميع منكَّرا 


لا من يلاحظ أو يشير و يشجب 


و تغيّر الموضوع إن ذكر الهوى 


كيما تغطَّي أمرها و تغيّب


و تردد الأسماء ما حاشا اسمنا 


فإذا مدحت فإنها تتعيَّب 


ماذا أفادت حين قيل خلَّية 


أترى ستسلم من نساء ترقب؟


مسكينة عنها تقول صواحب 


من بؤسها كل الرجال تهيبوا


لي سرها وحدي ولي أنفاسها 


فإذا خلوت بها تبوح وتطرب 


و لهم خيال شاحب من ظلها 


أهواه يُذهب كيدهن و يرعب 


أبقي عليك وفضفضي كي تشبهي 


تلك التي عنها محمد يكتب


أفشت هواها في المحافل و اشتفت


و بقيت كاظمة الجوى يا زينب


------------------------------------------------


و قفت هذا الصباح / 30 / 7/ 2015 م على قصيدة من روائع الشاعر و القاص "  عبدالقادر صيد  " على الصفحة الفيسبوكية  منبهرة تشدني حالة المعارضة الشعرية التي أبدع فيها و ذلك على غرار ما كتبه الشاعر محمد جربوعة . أقول معارضة لأنها تحمل بين طياتها فكرا مميزاً و تصوراً موضوعيا لما هو كائن .و سأحاول هنا ربط الهوى بالقضية و الكتمان كسلوك لصيق بالمبدأ عند المرأة . 


للمعارضة في اللغة معان متعددة، وقد حاول أرباب اللغة قديما وحديثا تحديد مدلولها: قال ابن منظور :"المعارضة : من عارضه في السير إذا سار حياله وحاذاه، وعارضه بمثل ما صنع، أي أتى بمثل ما أتى به، وفعل مثل ما فعل، وهذه المسألة عروض هذه أي نظيرها، ومعارضة الكلام ومعارضيه كلام يشبه بعضه بعضا، والمعارضة المباراة  " .


   ويقول الفيروزي آبادي:" عارضه: جانبه وعدل عنه، وسار حياله، وعارض الكتاب؛ قابله، وأخذ في عروض من الطريق، وعارض الجنازة: أتاها معترضا في بعض الطريق ولم يتبعها من منزله، وعارض فلانا بمثل صنيعه: أتى إليه مثل ما أتى، ومنه المعارضة كأن عرض فِعله كعَرْضِ فعله  " .


                  -----------------------------------


قال :   الشاعر :  محمد جربوعة :


أفشت هوانا في المحافل زينب 


و الغيد إن أفشت تزيد و تكذب


 


قال الشاعر عبدالقادر صيد


كتمت هوانا في الجوانح زينب  


و الغيد إن كتمت تشيخ و تتعب


بين " زينب" التي أبدع  الشاعر عبد القادر صيد في نقل حالاتها و "زينب " في قصيدة  محمد جربوعة  تباين و هو وارد بين "  أفشت و كتمت " و زينب هذه ليست تلك ، لكن الملاحظ أن الكتمان و الردم للمشاعر و التصريح فيه تعب لا يخلو من  الجماليات ، و هو نوع من الشخصية في بعض النساء و هي حالات نادرة عبر عنها الشاعر في صورة رائعة ، و سحر يأخذ بالألباب . لأن الافشاء طبع بعض الغيد نتائجه الكذب و عدم الصدق و التعبير عن مكنونات مدفونة في أعماق النفوس التي لا تحسن اخفاء السرّ .


لمعت وجوه البائحات بحمرة 


و حبيبتي مما تكابر تشحب


قيمة أخرى يتطرق لها ، و هي في العفة و حالة السمو الذي يتمظهر في سلوك  الكتمان ، و هو يحمل دلالات الاختلاف بين النساء في هذا العالم الذي يظل مبهما في بعض المواقف بالنسبة للرجل كشريك ، و المكابدة هنا تحمل صورة قيمة مميزة و هي الصبر و علاقته بآفاق الآتي لكل ذات تريد الرقي بنفسها دون ان تتخلى عن تلك المعايشة لما يجول في الفكر و المشاعر .


نجحت بتقليم الأظافر حولها 


لا مشفق من حالها يتعتَّب


قديسة أفكارها لم تمتزج 


ببنات لهو بالحواجب تلعب 


و ترى هوانا مأثما تشقى به 


كتمانه دين به تتمذهب


ربط المبدأ الذي تعيش لأجله معشوقته ، فوصفها بالقديسة ، الهوى عندها كتمانه دين و مذهب يشكل ألقاً في سماء تزدحم فيه المتناقضات ، و نحن مع هذه العبارات خلتني اسبح في سموات لسيدة ليست ككل النساء اختارها الشاعر لتكون تلك الأيقونة النادرة و الجوهرة الرائعة . 


فتغالب الأنفاس كي تبدو على 


أن الأمور كما تريد وترغب 


لو دققوا في حالها كشفوا الخفا 


لكن ربك حين يستر يحجب


أما في هذه الأبيات ،  زينب  أمامنا و كأننا حيال امرأة من عوالم أخري لا تجدها الا في جمهورية أفلاطون ،  أو تفتش عنها في صفحات التاريخ المنسية ، لأن الصنف الفاضح و الكاشف هو الصورة الطاغية ، زينب تغالب الأنفاس و الأنواء ، زينب كلها سرّ ، في حين تحمل بداخلها روعة الحب الذي لا يمكننا أن نلامس شغاف آهاته ، و لأنها ربطت هواها بالقضية لم تجعله مستباحا للجميع ،  لقد أهدت المرأة إلى الحياة جواهر ثمينة من غالي الصفات لا يعرف قيمتها بعض الرجال إلاّ من رحم الله


لأن بعضهم لم يحسنوا قراءة عبقرية أنوثتها والتفكر في شموخها ورسم كبريائها لأنها لوحة أجمل من الفتنة وأعذب من الفكرة فهي ينبوع لحنان نادر أكبر من الوصف وأغلىَ من المدح ،فهي عاصمة الخيال الجميل في ميدان روعة الحياة والمرأة دائماً تجدها تبحث عن الأجمل لأنها تعرف قدرها جيداً وإن كن بعضهن نسين أنوثتهن فهذا شأنهن وحدهن !!، هكذا تريد  زينب  أن تكون دون النساء . 


و تحيط صورتها بسمة رزينة 


مهما غويت فإنها لا تعجب 


وتقسم النظرات عدلا بيننا 


موزونة تهدي الوداد و تسحب


هذا الوداد موزون على مقاس زينب ، ذلك النموذج الذي انتقاه شاعرنا ليكون طرحا بديلا لما هو كائن ، حتى أبسط الحركات عندها مكامن يجب أن تضعها في موضعها و لا تخرج عن ذلك ، لأنها دائما تضع حبها قضية حياة و ليست لحظة عابرة فيها من الرغبات الجامحة و التي  سرعان ما ننساها مع تبدل الحال أو القضية .


حتى أمرَّ مع الجميع منكَّرا 


لا من يلاحظ أو يشير و يشجب 


و تغيّر الموضوع إن ذكر الهوى 


كيما تغطَّي أمرها و تغيّب


و تردد الأسماء ما حاشا اسمنا 


فإذا مدحت فإنها تتعيَّب 


ماذا أفادت حين قيل خلَّية 


أترى ستسلم من نساء ترقب؟


زينب تحمل من حكمة المواقف وردّ الفعل ما لا تقدر عليه الكثيرات في تحويل مسار السلوك و  ابداء التذمر اذا ذكر من تهواه ، لكن الشاعر هنا يتساءل هل تسلم من  مراقبة النساء . قد لا تسلم من فضولهن . النص هنا يقدم صورة بسيطة و واضحة لا يوجد فيها تعقيد في التأويل و هو أمر يصل إلى فئة واسعة من القراء وهو حالة تلقي جاهزة و بسيطة و ناجحة .


مسكينة عنها تقول صواحب 


من بؤسها كل الرجال تهيبوا


حالة زينب غير مرغوب فيها من كل الأطراف و الجهات و خاصة فئة الرجال لأن صنف زينب الذي يعتمد الإفشاء هو الأكثر حضورا و حظا بين النساء ، و هي الصورة النمطية التي يعتمدها المجتمع في التعاطي مع المتغيرات الآنية في التفاصيل الحياتية اليومية .


لي سرها وحدي ولي أنفاسها 


فإذا خلوت بها تبوح وتطرب 


و لهم خيال شاحب من ظلها 


أهواه يُذهب كيدهن و يرعب 


أبقي عليك وفضفضي كي تشبهي 


تلك التي عنها محمد يكتب


أفشت هواها في المحافل و اشتفت


و بقيت كاظمة الجوى يا زينب


سحر رائع للأبيات الأخيرة بين الكتمان و البوح المشروع في هوى زينب  لها البدايات و النهايات ، فزينب شاعرنا تبوح لأناه لا إلى الملأ ، و تحتفظ ببريق أزلي يلوح بين ثنايا كلماتها المتزنة و التي لا تخيب ظن من كانت هواه .


أخرج من هذه الاطلالة و القراءة السريعة بأن هذا النص الشعري الذي يدخل في فن المعارضات ، له قيمة فنية جمالية بكل ما يحمله من بساطة في البناء الفكري و نسق الصورة الشعرية ، وفق مخيلة لم تجنح كثيرا و تبتعد عن الواقع الذي يحيط بالمتلقي في الراهن السلوكي لحياة امرأة  كما يراها الشاعر عبدالقادر صيد لا كما يراها الشاعر محمد جربوعة ، و في هذه المعارضة توليد للفكرة و القيمة الفنية التي تخدم مشهدنا الإبداعي الشعري . 


انتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهى


 


 


 


 


 



 
  فضيلة عبدالكريم - المغرب (2015-09-19)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة
الشاعر عبد القادر صيد
فن توليد الفكرة و ربط الهوى بالقضية و المبدأ  في قصيدة كتمت هوانا
 للشاعر  عبد القادر صيد-فضيلة عبدالكريم - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia