الكتابة للطفل – سيما تلك التي تتوجه للطفل في المراحل الأولى من عمره – بقدر ما هي مصدر متعة سحرية للكاتب ، بقدر ما هي كتابة شاقة ، فائقة " الحساسية " والرهافة .
إذ بأقل قدر ممكن من الكلمات ، وأبسط التراكيب اللغوية وأكثرها عفوية ، مطلوب تناول موضوعات مهمة ومتنوعة وعميقة بطبيعتها ، مع تقديم رسالة تربوية ومعرفية راقية ومفيدة ، تعمل على تعزيز القيم النبيلة وإثراء القاموس اللغوي للأطفال ، والدفع بهم قُدماً في طريق تفتح الوعى والخيال .
والشاعر المبدع عبده الزراع يقدم لنا في ديوانه الأخير " قصاقيص .. قصاقيص " نموذجاً رائعاً لأدب الطفل ، حيث اللغة شديدة البساطة ، تضرب بجذورها في الحياة اليومية للأطفال والأسر المصرية . والايقاع الموسيقى في قصائد الديوان رنان ولافت .
" مجنون بالكارتون " احدى قصائد ديوان الشاعر عبده الزراع ، تتضمن حواراً بين "الواد عمر" وأبيه عن الاستمتاع بأفلام الكارتون التي تعرضها شاشات التليفزيون . المساحة الأكبر من القصيدة يحتلها " عمر " الصغير المولع بالكارتون ، والذى يفصح عن إعجابه الشديد بالكارتون ومغامرات " القط والفأر – توم وجيري " .
اللافت أن ولع الطفل بالكارتون على الرغم من أنه يحرم الأب من مشاهدة البرامج التي يحبها ومن " سماع أخبار الدنيا " ، إلا أن الأب يظل حانياً ومتفهماً عشق الصغير للكارتون ، وبالأخص " توم وجيري " ، بل ويشاركه هذا العشق لأن الكارتون " مليان بخيال وفنون " .
والأب يظهر في قصيدة أخرى من قصائد الديوان : " أحسن أب " ، يقول فيها الشاعر :
بابا .. يا بابا
يا أحسن أب
انت جميل
جدا تتحب
قلبك طيب
روحك حلوة
لما بتبعد
ولا تغيب
نرفع إيدنا
وندعى يارب
إن فكرة الأبوة ماثلة لدى الكاتب ، ليست كموضوع أدبى فحسب ، وإنما كخبرة ذاتية مستمدة من الحياة الواقعية ، يتبدى ذلك منذ الصفحة الأولى التي تتضمن إهداء الكاتب عمله إلى : آية الله وعمر وآلاء وكل أطفال مصر.
ولأن الكاتب مثلما هو معاصر ، وشيج الصلة بالموروث الشعبي ، بالأخص في مجال الأطفال غناءً ولعباً ، فيأخذ منه ويبنى عليه ، وهو ما يتجلى في أكثر من قصيدة ، ففي قصيدة " يا وابور يا مولع " ينشد :
يا وابور يا مولع - دق الفحم
وأنا أقولك ولع - دق الفح
ما شى بتتدلع - دق الفحم
يا وابور .. يا وابور
ماشى وبتدور
وساعات بتطير
زى العصافير
وساعات ماشى
وبتتخلع
يا وابور يا مولع – دق الفحم
وكذلك قصيدة " قصاقيص .. قصاقيص " التى يحمل الديوان اسمها :
هنا مقص .. وهنا مقص
هنا عرايس بتترص
هنا مقص وبيقصقص
كل الورق المترصص
يبقى عرايس وبترقص
متلونة ألوان ألوان
زى ألوان الفنان
تناولت قصائد الديوان الأطفال الجديد لعبده الزراع أفكار متنوعة ، استهدفت توسيع مدارك الأطفال وتعزيز قيم إيجابية لديهم ، نظنها نجحت في ذلك ، بخفة ظل ملحوظة ، ودون الوقوع في براثن " الوعظية " والمباشرة . ويقف وراء هذا النجاح رصيد كبير للشاعر ، إذ أن صدر له قبل ديوانه هذا اثنى عشر كتاباً شعرياً للأطفال ، بخلاف المسرحيات والأعمال القصصية . ونال جائزة الدولة التشجيعية فى أدب الطفل عام 2003 . كما عمل لسنوات طويلة سكرتيراً لتحرير مجلة " قطر الندى " التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة ، ثم مديراً للتحرير فيها ، ثم رئيساً لتحريرها . وهو عضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة ، ويترأس شعبة أدب الطفل باتحاد الكُتاب .
تعليقات:
