درس سينمائي بأصيلة للمبدع أحمد المعنوني-أحمد سيجلماسي
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
متابعات

درس سينمائي بأصيلة للمبدع أحمد المعنوني

احتضن مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية مساء الجمعة 16 أكتوبر الجاري درسا سينمائيا (ماستر كلاس) ألقاء أمام ثلة من المهتمين والمبدعين المخرج المغربي الكبير أحمد المعنوني ، وذلك في إطار الأنشطة الثقافية الموازية لعروض ومناقشة الأفلام ضمن برنامج الدورة الثالثة لمهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي بأصيلة .


تمحور هذا الدرس / اللقاء ، الذي سيره وساهم في إنجاحه بشكل كبير المخرج والمنتج والباحث جمال السويسي ، حول تجربة المعنوني في إبداع الأفلام الوثائقية والروائية وخصوصا حول طريقته في الإشتغال والتحضير لتصوير الأفلام الوثائقية حيث أكد على ضرورة البحث القبلي والإعتناء بالتفاصيل والجزئيات وممارسة الكتابة والتدوين وتجنب الإرتجال والتسرع . كما أكد على أهمية الإنصات والنظر إلى أشياء الواقع المحيط بنا وإلى الناس بتمعن للتمكن من انتقاء ما يصلح للتصوير والنقل إلى الشاشة . وأشار إلى أن الرغبة في نقل ما نشاهده ونسمعه إلى الشاشة وفق رؤيتنا الخاصة بغية اقتسامه مع الآخرين تعتبر أمرا ضروريا لإبداع أعمال صادقة ولها قيمة ، وإلا سنكون مثل من ينتج صورا كليشيهات لا تتطلب مجهودا أو تكوينا أو موهبة . الخصوصية والتميز إذن في العمل الفني أمران مطلوبان وضروريان ، فالفنان الحقيقي هو الذي يتميز عن الآخرين بأسلوبه الخاص وبصمته الواضحة .


وانطلاقا من عرض مقاطع من فيلميه الناجحين " أليام أليام " و " الحال " حاول المعنوني التفصيل في بعض اختياراته الجمالية ، مؤكدا على أهمية مسرحة الواقع والعناية بالكادر أثناء التصوير والعمل على جعل الكاميرا ذكية من خلال عمليات توظيفها .


كانت هذة الجلسة مع المبدع الكبير أحمد المعنوني جد ممتعة ، ومما زادها إمتاعا التدخلات النوعية لبعض الحاضرين التي دفعت بالمعنوني إلى الحديث عن أشياء كثيرة من بينها العلاقة بين البعدين الروائي والوثائقي المتداخلين في أفلامه ، حيث أشار إلى أنه لا يرى فرقا جوهريا بين الوثائقي والروائي بل أكثر من ذلك فالذي يمارس العمل الوثائقي يكون حظه أوفر في النجاح عندما ينتقل إلى العمل الروائي .


ولتسليط مزيد من الأضواء على المسيرة الفنية لأحمد المعنوني نقترح الورقة التالية :


 


أحمد المعنوني : من العلوم الإقتصادية إلى فنون الفرجة 


 


يعتبر أحمد المعنوني ، المزداد يوم 25 نونبر 1944 بالدار البيضاء ، واحدا من المخرجين المغاربة القلائل الذين ظلوا أوفياء لمستواهم الفني في السينما ، خصوصا في أفلامه الروائية الطويلة الثلاثة : " أليام أليام " (1978 ) و " الحال " ( 1981 ) و " القلوب المحترقة ( 2007 )  ، في انتظار خروج فيله الرابع " جولي عايشة " الذي يعمل حاليا على توضيبه ،  إذ لم يسجل عليه أي تراجع في القيمة الفنية والفكرية لأفلامه التي حظيت بانتشار واسع داخل المغرب وخارجه وحصدت العديد من الجوائز الوطنية والدولية . ورغم اختلاف مواضيع هذه الأفلام ظلت بصمته كمبدع متميز حاضرة فيها وظل يتطور من عمل لآخر بحكم نضجه الفني ومراكمته لتجربة سمعية بصرية معتبرة ومحترمة . ففيلمه الأخير " القلوب المحترقة " ، على سبيل المثال ، الذي صوره بفاس ، يعتبر عملا متكاملا يكشف عن قدرات هائلة في تحكم المخرج المؤلف في خيوط السرد الفيلمي وفي إضفاء شاعرية ملحوظة على المحكي الفيلمي المستلهم في جزء كبير منه من سيرته الذاتية . أما فاس العتيقة ، التي شكلت دروبها ودورها ودكاكينها وناسها وبعض مآثرها فضاء ات طبيعية لأحداث الفيلم وشخوصه ، فقد صورها المعنوني بجمالية ملحوظة رغم اختياره للونين الأبيض والأسود ، واستطاع أن يخرج من ممثليها المحليين كالمتألق محمد عز العرب الكغاط ومحمد عادل والراحل إدريس الفيلالي شوكة و فاطمة مستعد ومحمد السقاط وحسن بوعنان وغيرهم ما لم يقدر عليه غيره من المخرجين حيث جعلهم لا يقلون أداء عن باقي الممثلين كهشام بهلول وأمل الستة ومحمد مروازي ونادية العلمي وخلود وغيرهم ؛ ولعل الذي ساعده في ذلك تكوينه المسرحي وعلاقات الإحترام المتبادل التي نجح في نسجها مع كل العاملين معه في الفيلم . أضف إلى ذلك توظيفه الجيد لجانب مهم من تراثنا الشعبي الموسيقي والغنائي ، الغني والمتنوع ، بتعاون مع الفنانين المتألقين محمد الدرهم ومولاي عبد العزيز الطاهري .


فيما يلي ملاحظتين حول المسيرة الفنية لهذا المبدع السينمائي الكبير 


أولا : ما يلاحظ في مسيرة هذا المخرج البيضاوي تكوينه الرصين في العلوم الإقتصادية ، الذي انطلق بمسقط رأسه واستمر بفرنسا إلى حدود 1969 ، وهي السنة التي تخرج فيها من جامعة باريس ( دوفين ) . فهذا التكوين العلمي مكنه من أرضية ثقافية صلبة سيكون لها لاحقا تأثير في اختياره لمواضيع بعض أفلامه السينمائية والتلفزيونية المرتبطة أساسا بجوانب من واقع المجتمع المغربي وتاريخه المنسي . ولعل انجداب المعنوني المبكر إلى المسرح ، عشقه الأول منذ مرحلة التعليم الثانوي ، وتكوينه داخل جامعة مسرح الأمم بباريس ابتداء من سنة 1971 ، هو الذي عمق رؤيته الفنية للإنسان ومعاناته المختلفة وأكسبه قدرة هائلة على إدارة الممثلين بشكل جيد ( فيلم " القلوب المحترقة " نموذجا ) . وقبل أن يدخل عالم السينما ، ألف وأخرج العديد من المسرحيات من بينها مسرحية " صدى الشباب " التي شارك في تشخيصها المبدع الجيلالي فرحاتي أواخر ستينيات القرن الماضي بباريس .


مارس أحمد المعنوني السينما أولا كهواية أو تمرين من خلال إنجازه لفيلمين وثائقيين قصيرين بالأبيض والأسود من مقاس 16 ملم هما " فونكس بالمغرب " (1972) و " مهرجان طبركة " (1973) وفيلمين وثائقيين قصيرين آخرين بالفيديو هما " مسرح الكراكيز " (1973) و " الطفولة المهاجرة " (1974) قبل أن يتخرج سنة 1975 من المعهد الوطني العالي لفنون الفرجة بمدينة بروكسيل البلجيكية في تخصص التصوير السينمائي . ولعل هذه الدراسة السينمائية المتخصصة هي التي ستمكنه من تحقيق رغبة دفينة لديه تتمثل في التوثيق بالصورة والصوت لجوانب من تاريخنا ( الشعبي ) المعاصر في بعده الإجتماعي ( فيلم " أليام أليام " عن ظاهرة الهجرة ) أو الفني ( فيلم " الحال " عن ظاهرة " ناس الغيوان " الفرقة الغنائية / الموسيقية المغربية المشهورة ) أو المنسي ( فيلم " الكَوم المغاربة " – 1992/ 52 د / وثائقي بالفيديو عن المجندين المغاربة في صفوف الجيش الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية ) أو السياسي ( فيلم " حياة وحكم محمد الخامس "- 1999- وثلاثية " المغرب/فرنسا : تاريخ مشترك " (2006) وهي أعمال تلفزيونية ) أو الأدبي  ( فيلم " أحاديث مع إدريس الشرايبي " سنة 2007) .  


ثانيا : إن التكوين العلمي والفني الرصين الذي تلقاه أحمد المعنوني ، وعشقه الكبير للفنون ( أغاني وموسيقى فرقة " ناس الغيوان " نموذجا ) ، وممارسته الميدانية للكتابة والتصوير والإخراج ... أثمرت سينما لها بصمتها الخاصة ، تفرض احترامها على المتلقي المحلي والأجنبي . وتجدر الإشارة إلى أن تجربة المعنوني الفنية ، التي قاربت نصف قرن  ، لها أبعاد أساسية ثلاثة : بعد مسرحي وبعد سينمائي وبعد تلفزيوني . فيما يتعلق بالبعد المسرحي يلاحظ أن المعنوني مارس التأليف والإخراج المسرحيين كهواية واحتراف ( وهذا البعد في حاجة إلى دراسة من طرف النقاد والباحثين المسرحيين ) ، وكان المسرح هو المنطلق في هذه التجربة . والمعروف أن جل الذين نبغوا في السينما ، كممثلين أو مخرجين أو كتاب أو غير ذلك ، جاؤوا من المسرح ( أب الفنون ) ، ويمكننا الإشارة بهذا الصدد إلى ثلاث تجارب مغربية كنماذج لكل منها خصوصيتها : الجيلالي فرحاتي ، الذي صور المعنوني أول أفلامه الطويلة " جرحة في الحائط " سنة 1977 ، ونبيل لحلو ، الذي ظهر المعنوني في أول أفلامه الطويلة " القنفودي " سنة 1978 ، و يوسف فاضل ، الذي تحول إلى كاتب سيناريو مطلوب بكثرة حاليا . وفيما يتعلق بالبعد التلفزيوني يلاحظ أنه في غياب شروط احترافية لممارسة العمل السينمائي في المغرب ، خصوصا في عقدي السبعينات والثمانينات ، وفي غياب صناعة سينمائية حقيقية ومنتجين حقيقيين ، اضطر المعنوني أن يشتغل لفائدة بعض القنوات التلفزيونية الفرنسية وغيرها ، بعد استقراره بالديار الفرنسية ، وذلك لكسب قوت يومه وضمان حد أدنى على الأقل من الحياة الكريمة . وهكذا أخرج سنة 1983 فيلما وثائقيا قصيرا بالفيديو تحت عنوان " ألعاب الخليج " و سلسلة برامج لفائدة القناة الثالثة الفرنسية بعنوان " فسيفساء " و " العيش مجتمعين " من 1983 إلى 1988 ، بالإضافة إلى الأعمال الوثائقية المذكورة أعلاه ك " الكَوم المغاربة " و " حياة وحكم محمد الخامس " و " ثلاثية المغرب فرنسا : تاريخ مشترك " المكونة من " قصة الحماية " و " المقاومات " و " التحديات الجديدة " ، التي أنتجتها قناة دوزيم سنتي 2005 و 2006 ، و " أحاديث مع إدريس الشرايبي " من إنتاج القناة الثانية المغربية سنة 2007 ... وهذه الأعمال التلفزيونية ، بدورها ، في حاجة إلى دراسة وتحليل للوقوف على خصوصيتها . أما البعد السينمائي فيتمثل في أفلامه الطويلة الثلاثة " أليام أليام " و " الحال " و " القلوب المحترقة " وأفلامه القصيرة والأفلام المغربية والأجنبية التي أدار تصويرها مثل : " اليوم الجميل " ، وهو فيلم روائي قصير من إخراج الفرنسي جيل مونيكي سنة 1977 ، و " الملكة لير " ، وهو روائي طويل من إنتاج ألماني أخرجه التونسي مختار شرفي سنة 1982 ، و " أوهام " ، وهو روائي قصير من إخراج الأمريكية جولي داش سنة 1984 ، و " جنة الفقراء " ، وهو فيلم روائي طويل صور المعنوني جزأ منه بفرنسا في منتصف التسعينات قبل أن يتمم تصويره بالمغرب محمد عبد الكريم الدرقاوي ليخرج إلى الوجود سنة 2000 بتوقيع المخرجة إيمان المصباحي ... وما يلاحظ على هذا البعد الثالث هو أن الأفلام التي ألفها وأخرجها أحمد المعنوني تتميز بالحضور القوي للجانب التوثيقي/التسجيلي فيها ، فكل واحد منها يشكل وثيقة سينمائية أو مصدرا من مصادر تاريخنا المعاصر ، يعكس بصدق وفنية بعض هموم ومعاناة وانكسارات وإحباطات وتطلعات الإنسان المغربي في لحظات معينة من تاريخه الفردي والجماعي . ولعل صدق هذه الأفلام وعمقها الإنساني وتمكن مبدعها من أدواته الفنية هو الذي منحها بعدا كونيا وجعلها تحظى بإعجاب وتقدير عشاق السينما داخل المغرب وخارجه والدليل على ذلك مشاركتها في العديد من المهرجانات الدولية عبر العالم ( كان ، منهايم ، دمشق ، دبي ...) ونيلها لجوائز بل واختيار فيلم " الحال " من طرف المخرج الأمريكي الكبير مارتن سكورسيز ، رئيس مؤسسة " سينما العالم " ليعرض ضمن فقرة " كلاسيكيات " بالدورة 60 لمهرجان كان السينمائي سنة 2007 بحضور المعنوني . وعلى ذكر فيلم " الحال " ، الذي صور أولا بكاميرا 16 ملم ثم حول إلى مقاس 35 ملم ، تبنت المؤسسة المذكورة مهمة ترميمه وإعادة استنساخه بغية حفظه من التلف كجزء من التراث السينمائي العالمي . ومعلوم أن هذا الفيلم ، الذي راج عالميا واشترته العديد من القنوات التلفزيونية ، هو الذي استلهم منه مارتن سكورسيز موسيقى فيلمه " المحاولة الأخيرة للسيد المسيح " التي وضعها بيتر غابريال . الفضل إذن يرجع إلى فيلم " الحال " في التوثيق سينمائيا لتجربة مجموعة " ناس الغيوان " في الموسيقى و الغناء ، التي أحدثت ثورة ثقافية واجتماعية في مغرب بداية السبعينات من القرن الماضي ، والتعريف بها على نطاق واسع .


 


 



 
  أحمد سيجلماسي (2015-10-17)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

درس سينمائي بأصيلة للمبدع أحمد المعنوني-أحمد سيجلماسي

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia