الكتـابة النّسائيّة: من الوأد .....إلـى البعث،أمينة المريني أنموذجا-رزيقة بوشلقية-الجزائـر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

الكتـابة النّسائيّة: من الوأد .....إلـى البعث،أمينة المريني أنموذجا

تحاول المرأة الكاتبة عموما والشّاعرة على وجه الخصوص، بواسطة قلمها إعادة إحياء وبعث الذّات الأنثويّة التّي وأدها المجتمع لسنوات، فسعت بفعل الكتابة إلى إثبات الذّات الأنثويّة وإعادة تمجيدها، حيث عملت المرأة على كسر السّائد من خلال الرفض والتمرد على القوانين التّي يفرضها الآخر بجلّ أشكاله، ومحاولة إخضاعها لسلطته، من أجل تهميشها وتقزيمها، لذا جاءت الكتابة عندها قصاصا، أي أنّ ذلك الظلم الذّي عاشته المرأة في الماضي يجب أن يوازيه إعلاء قيمتها في الحاضر، وهذا ما عبّر عنه " سارة جامبل " في معجمه " النسوية ما بعد النسوية "، ص 87، « إنّ المستقبـل مؤنث »، وهنا إشارة إلى النهوض وإعادة بعث هذا الجنس المغيّب والمهمّش لسنوات، والإهتمام به وإعادة النّظر في تاريخنا، فجاءت جلّ أعمال المرأة المبدعة ثورة على السّائد وتمرّد على الأوضاع القائمة، بعد أن وعت نفسها وأدركت أنها جسدٌ مبدعٌ خلاق، فثارت على المجتمع البطريركي وسيادته الذّكوريّة القمعيّة، فخلقت بواسطة قلمها كتابة نسائيّة تتكلّم صيغة المؤنث وفتنته، إذ تجد المرأة الكاتبة في (فعل الكتابة) مساحة لممارسة حريّة القول، والفعل والانفلات من قيود الصّمت، فالمرأة الكاتبة أثناء ممارستها للكتابة؛ تطلق العنان لقدراتها الإبداعيّة، وهي تحاور الذّات والآخر، وتتواصل معهما بجماليّة خاصة تصنعها شفافيتها وصدقها، لأنّ المرأة وهي تكتب تكون في أسمى حالات صدقها فتتعرى أمام ذاتها وأمام القارئ، دون قناع أو حجاب، إنّها تنتج كتابة تمزّق وتخترق كلّ الأقنعة والحجب، فسرت في لغتها معاناتها لتصطبغ الكتابة النّسائيّة ببصمة الألم، وهذا ما يفسّر رفض المرأة الكاتبة، بناء وتشكيل نصوصها إطلاقا من قوالب الآخر/ الرّجل، وإنّما جعلت للغتها قاموسها الخاصّ، فتماوج إيقاع خطابها بأنفاس غوايتها وشروخ جسدها، وهذا ما عبّرت عنه    " لطيفة زيات " حين قالت: «...في الأعمال الإبداعيّة أكتشف رؤيتي للحياة وأبلورها، أخلع أقنعتي فلا أبقى شيئا سوى وجه الحقيقة العاري، أبدّد أوهامي عن الذّات ستارا بعد ستار، أعلو على توجساتي ومخاوفي أحسّ، أجرؤ، أنطق صدقا ولو على ذاتي، أكون المرأة الخائفة المقدامة الضّعيفة القويّة الهشّة، الصّلبة، المتمزّقة بين العقل والوجدان، التّي هي أنا....»، فاشتغلت اللّغة – عندها – في حيّز الرّقة والهشاشة، وهذا الإقرار الذّي نسوقه، هو استنتاج يومئ إليه المتخيّل الشّعري العربي النّسائي.
تعدّ الشّاعرة المغربية " أمينة المريني " إحدى النّساء العربيات اللاّئي استطعن بواسطة قلمهنّ اختراق المجهول، فجعلت للحروف مقاما مقدّساً، هذا المقام الذّي لا يليق إلاّ بلغة المرأة المناضلة، تقول في قصيدة " مقامُ الحروف " من ديوانها " المكَابدات ":
لعلّي أصوغ من الوجدِ
أغربَ شكلٍ
إذا ما دخلتُ عليكَ
قطفتُ للاَميَ مدّاً لطيفاً
يُفتّقُ بستانَ ظلّي...
تأتي اللّغة الشعريّة في مقام بوح الشّاعرة لتغرف من بحر الآخر، وتمدّ لحروفها الحياة وتخرج من ظلّ العبوديّة، وهنا إشارة إلى أنّ المرأة حاولت أن تسلك نهجا مغايرا للآخر، فهي ترفض أن تقع في براثن التبعيّة للرجل، فراحت تغرف أشعارها منه، ليس لشيء سوى أن تمنحها الحياة ومدّا لطيفا، فلا يكون للحروف مقامٌ عند " أمينة " إلاّ إذا ما دخلت على     الآخر، وذلك حين قالت: « إذا ما دخلتُ عليكَ/ قطفتُ للامي مدّا لطيفا/ يفتّق بستان          ظلّي »، هكذا تأتي حروفها إعلانا صريحا بالذّوبان في الآخر والتّفاعل معه، ليغدو شعرها كيمياء أدبيا تنصهر فيه الذّات الأنثويّة المتجليّة وذات الآخر الضمنيّة الخفيّة، كما نجد " أمينة " في تحديدها للشّعر ترفض حصر الشّعر في الوزن والقافية كما فعل ذلك " قدامة بن جعفر " حين قال: الشّعر كلام موزون مقفى، تحدّد أمينة المريني مفهومها للشّعر بقولها:
وما الشّعر إلاّ ذوب روح ونغمـة     أليفين صيغا من لظى القلب والفكر

     لم تكتف الشّاعرة بجعل الشّعر ذوب روح فقط، ولا تحصره في الجانب الشّكلي– أيضا – أي الوزن والقافية وإنّما الشّعر عندها نبع القلب والفكر.
هكذا استطاعت المرأة الكاتبة عموما والشّاعرة على وجه الخصوص، إعادة بعث ذاتها التّي وأدها المجتمع لسنوات، والخروج بالذّات الأنثويّة من دائرة الحريم التّي صنّفها الآخر ضمنها، إلى دائرة أكثر مركزيّة وتحرّرا، وهي فضاء الكتابة الخصب، فحاولت المرأة الكاتبة بواسطة قلمها إضفاء ديناميّة على سكونيّة واقعها المهمّش.



 
  رزيقة بوشلقية-الجزائـر (2016-08-31)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الكتـابة النّسائيّة: من الوأد .....إلـى البعث،أمينة المريني أنموذجا-رزيقة بوشلقية-الجزائـر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia