تاريخ النحو-إدريس ميموني (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

تاريخ النحو

تقديم:
إن الغرض من هذا الموضوع، هو التعريف بحقيقة النحو العربي، وعلاقته باللغة التي استنبط منها، وكيفية استنباطه. ثم علاقته بالعلوم العربية الإسلامية، وخصوصا منها الشرعية.وما قد ينتج عن الجهل بذلك. في وقت اضطربت أقوال الناس فيه، وفي أهميته، بين زاعم بإمكانية الاستغناء عنه. وبين متمسك به، غير قادر على إثبات زعمه وإعمال مراده. وبين تائه غير آبه لما يجري حوله. فلم يعد المعلمون لهذا العلم، فضلا عن الطلبة، يميزون بين الحق والباطل فيما يقال فيه. فلما رأيت أن هذا الشأن كل يوم إلى نقصان -على حد تعبير ابن قتيبة في أدب الكاتب- وخشيت أن يذهب رسمه، ويعفو أثره، جعلت له حظا من عنايتي وجزء من اهتمامي.
‏ أما علاقته بالعلوم الأدبية، فالأمر في تأثير هذا العلم فيها واضح، لأن الغاية منها، نظم الكلام على اختلاف تأليفه ومعرفة صحيحه من فاسده‏.‏
وأما العلوم الشرعية فالمعجز الدال على نبوة محمد (ص) هو كله وأشباهه منحصر فيما يسميه عبد القاهر الجرجاني بمعاني النحو..‏ «ذاك لأنه إذا كان لا يكون النظم شيئا، غير توخي معاني النحو، وأحكامه فيما بين الكلم.كان من أعجب العجب حين يزعم زاعم، أنه يطلب المزية في النظم، ثم لا يطلبها في معاني النحو وأحكامه، التي النظم عبارة عن توخيها فيما بين الكلم.»(1)
فإذا أراد المتكلم أن يستعمل بعض تلك الوجوه في كلامه، وليس له دراية بها، كانت وبالا على لفظه، وقيدا للسانه. يقول ابن قتيبة مبينا أهمية تصور الأشياء في حقيقتها قائلا: « إن قوما من أصحاب الكلام، سألوا محمد بن الجهم البرمكي، أن يذكر لهم مسألة من حد المنطق، حسنة لطيفة. فقال لهم: ما معنى قول الحكيم: أول الفكرة آخر العمل، وأول العمل آخر الفكرة. فسألوه فقال لهم: مثل هذا، كمثل رجل قال، إني صانع لنفسي كذا، فوقعت فكرته على السقف، ثم انحدر، فعلم أن السقف لا يكون إلا على حائط، وأن الحائط لا يقوم إلا على أس، وأن الأس، لا يقوم إلا على أصل. ثم ابتدأ في العمل بالأصل، ثم بالأس، ثم بالحائط، ثم بالسقف، فكان ابتداء تفكره آخر عمله، وآخر عمله بدء فكرته.»(2)وكذلك شأن كل من يتعاطى لفن العبارة، لابد من أن يتصور بشكل صحيح الدليل السمعي الذي يتقدم إلى المتلقي عبر اللغة العربية، وليس ذلك -كما قيل- إلا لمن شدا شيئا من الإعراب، فعرف الصدر والمصدر، والحال والظرف، وشيئا من التصاريف والأبنية، وانقلاب الياء عن الواو، والألف عن الياء، وأشباه ذلك. مما فيه إشارة واضحة، إلى ضرورة معرفة خصائص اللغة العربية، وعلى رأسها النحو.
      1- علاقة اللغة العربية بالنحو.
  قبل أن نشرع في التعريف بعلم النحو ومبادئه وقضاياه، يجدر بنا أن ننبه إلى أن اللغة العربية تتعدد علومها وتتنوع، ويحتاج إليها أهل الإسلام حاجة أكيدة، لعلاقة تلك العلوم بفهم كتاب الله، الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد (ص)، ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين. ولعلاقتها بفهم نصوص الحديث النبوي الشريف، الذي نطق به أفصح من نطق بالضاد، وأبلغ من قال أنا عربي من العباد. ويعد النحو أعلى هذه العلوم مرتبة، فبدونه لا يصح الشعر، ولا الغريب، ولا القرآن. فهو ميزان هذا كله. وهو « في علم البيان من المنظوم والمنثور، بمنزلة أبجد في تعليم الخط، وهو أول ما ينبغي إتقان معرفته، لكل أحد ينطق باللسان العربي، ليأمن معرة اللحن»(3) وهو في علم الحديث بمثابة الرأس من الجسد قال شعبة: « مثل الذي يتعلم الحديث، ولا يتعلم النحو، مثل البرنس الذي لا رأس له»(4). وقال حماد بن سلمة: « مثل الذي يطلب الحديث، ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخالته، لا شعير فيها».(5)
أما موضوع النحو فهو« الألفاظ والمعاني، والنحوي يسأل عن أحوالهما في الدلالة من جهة الأوضاع اللغوية، وكذلك يجري الحكم في كل علم من العلوم. وبهذا الضابط انفرد كل علم برأسه، ولم يختلط بغيره».(6) وعلى هذا فموضوع النحو يختلف عن موضوع علم البيان الذي هو «الفصاحة والبلاغة، وصاحبه يسأل عن أحوالهما اللفظية والمعنوية، وهو والنحوي يشتركان في أن النحوي ينظر في دلالة الألفاظ على المعاني من جهة الوضع اللغوي، وتلك دلالة عامة. وصاحب علم البيان ينظر في فضيلة تلك الدلالة وهي دلالة خاصة، والمراد بها أن يكون على هيئة مخصوصة من الحسن، وذلك أمر وراء النحو والإعراب»(7).
 إن أهم ما يمكن استخلاصه من جملة النصوص المقدمة سلفا، ومما أشرنا إليه أعلاه، بخصوص تعدد علوم اللغة العربية، يجد جوابه في أن التعدد، مرده إلى تعدد الجهات التي نظر إلى اللغة من خلالها، وإلى تعدد القوانين المستنبطة من هذه الجهات، حسب ما تحدد في الأصل الأول، المتعلق بمفهوم اللغة، الذي عبر عنه ابن جني، عندما تأمل اللغة، وما وضع بشأنها من قوانين فوجدها عبارة عن « أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم».(8) وما عبر عنه ابن جني في هذا القول، لم يكن سبقا منه، بقدر ما هو تقرير لواقع لغة، تم ضبطها في مصنفات من سبقوه في جميع مناحيها، الصوتية والمعجمية والصرفية والنحوية والبلاغية، منذ وضع الكتاب لسيبويه، الذي تضمن أصول العلوم المذكورة سلفا، مما سيتضح أكثر في المصنفات التي ستأتي بعده.
ومجرد استقراء بسيط للمصنفات التي ألفت قبل ابن جني في جميع العلوم، سواء منها ما عد لغويا، أو ما اعتبر شرعيا، مثل ما ألف في أصول الفقه علي يد الشافعي، سيعلم علم اليقين، أن هؤلاء لم يشرعوا في وضع أصول هذه العلوم، إلا بعدما اتضحت لهم الرؤيا، وتميزت لديهم الفروق بين هذا وذاك، مما قد يدخل في صلب علومهم، بل ومما هو من صلب علم آخر، لكنه يتداخل مع علومهم. وكان أكثر هذه الأشياء حاجة إلى المعرفة الدقيقة، اللغة العربية، فمنها المنطلق وإليها المعاد. ولذلك لم يترددوا، لما رأوا الخطر المحدق يداهمها، في الدعوة إلى تعلمها وتعليمها، بالرجوع إلى أصول وقوانين المتكلمين الفصحاء. في إشارة منهم، إلى المتكلم النموذجي الذي يجب أن يحتذى في كلامه، إذ في سلامة الكلام، سلامة القيم والأفكار. وفي سلامة هذه، تكمن سلامة المجتمع من الاختراق الذي قد يداهمه في كل لحظة وحين. ومن ثم لم يكن العرب ولا من قاموا باستنباط قوانين اللغة العربية، بمختلف أصنافها من الصوت إلى الخطاب، لينظروا إلى الصوت، أو الصيغة، أو المعنى، أو غيرها، في معزل عن المجتمع. فكانت العلوم جزء من مشروع مجتمعي، حمله ولاة الأمر قبل العلماء، فباقي أفراد المجتمع. مما جعل هذه العلوم تتشكل في تصورها العام، وفق هذا المنطلق الجماعي، الذي ساهم فيه العلماء، وولاة الأمر، وأفراد المجتمع، كل على قدر طاقته ومسؤوليته، بدء من جمع اللغة، إلى تدوينها، ثم إلى تأليف العلوم فيها على مر قرون، إلى أن استوت على سوقها. فكانت بحق أهم مشروع تنموي -على حد التعبير المعاصر- يقدم للمجتمع العربي الإسلامي الفتي، وغيره من المجتمعات التي دخلت الإسلام، وأريد لها أن تدمج في المجتمع الجديد، دون أن تشعر بالغربة أو التوحش. فكان أهم مشروع قدم للأمة آنذاك، هو علم النحو، الذي يعد بمثابة الدرع الواقي لأمة قبلت أن تكون العربية لغتها، ومصدر قيمها، ودليل عزتها، ووعاء حضارتها، وإصلاح حالها.
وهكذا لم يفتأ العلماء ينبهون في مقدمات كتبهم إلى فوائد تعلم العربية، وعلاقتها بالإنسان، وبالكون والوجود، في مقالات اختلفت ألفاظها واتحدت معانيها. محاولين توضيح العلاقة بين العالم المشهود (عالم الأشياء)، والعالم المسطور (عالم الكلمات). من خلال البحث اللغوي الدقيق، الذي طال جميع جهات اللغة. وفي هذا الكلام دعوة إلى إعادة النظر والتأمل، في مصنفات علمائنا، لاستخراج كنز ظل مغمورا لقرون عدة، شريطة عدم التميز بين العلوم عند البحث عن الجانب اللغوي، فكل منها أخذ بطرف مما ليس في غيره، وهي خاصية انفردت بها العلوم الإسلامية دون غيرها، وهو مما يجب وضعه في الحسبان.
ولابد للمقدم على هذه الخطوة، من أن يتصور اللغة العربية في حقيقتها، وفي واقعها، فالحكم على الشيء، فرع عن تصوره، كما يقول الأصوليون، والعربية لا تتصور خارج مصادرها، التي هي القرآن الكريم، والقراءات القرآنية، والحديث النبوي الشريف، وكلام العرب شعرا ونثرا. وكما لا يجب تصور العربية خارج مصادرها، لا يجب تصورها خارج المتكلمين بهذه المصادر. وهذه أخص خصائص اللغة العربية، التي بدونها لا تسمى العربية عربية. ويكون المتكلم عنها دون نية استحضار هذه الشروط، متكلما عن شيء آخر غير العربية، وهو ما يحدث لكثير ممن يتكلمون عنها اليوم، وللأسف الشديد، وفي اعتقادهم أن العربية هي ما تكلم به العرب من شعر أو نثر، وفي ذلك خطأ كبير، وجهل شديد. لأن الذين جمعوا العربية ودونوها وصنفوا فيها، وهم الحجة في ذلك، تقرر لديهم في الأصل الأول من أصول النحو، أن اللغة تؤخذ سماعا، والسماع معناه في الاصطلاح: «ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى، وهو القرآن، وكلام نبيه (ص)، وكلام العرب قبل بعثته، وفي زمنه وبعده، إلى أن فسد اللسان العربي بكثرة المولدين، نظما ونثرا عن مسلم أو كافر، فهذه ثلاثة أنواع، لابد في كل منها من الثبوت».(9)
 ويعتبر القرآن الكريم في أعلى درجات الفصاحة، وخير ممثل للغة المدونة، لذلك وقف منه اللغويون موقفا موحدا، فاستشهدوا به وقبلوا كل ما جاء فيه، فلا يعرف أحد من اللغويين تعرض لشيء مما ثبت في المصحف بالنقد والتخطئة، يقول الراغب الأصفهاني: «ألفاظ القرآن هي لب كلام العرب، وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها، وما عدا الألفاظ المتفرعات عنها، والمشتقات منها، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى، بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالنسبة إلى لبوب الحنطة» (10). ولعل تأكيد العلماء على فهم علاقة العربية بالقرآن وعلاقة النحو بالعربية، نابع من مرجعية متن اللغة العربية، الذي تشكل منذ البداية، من النص القرآني، بالإضافة إلى باقي المصادر الأخرى، التي يظل حضورها إلى جانب القرآن، بمثابة حضور الفرع بالنسبة إلى الأصل.     
يقول أبو جعفر النحاس: بعد أن أبطل مزاعم من يطعن على متعلمي العربية جهلا وتعديا. مبينا علاقة النحو بالعربية من جهة، وعلاقتهما بالقرآن الكريم من جهة ثانية قائلا:
«فإن النحو إنما هو العلم باللغة التي نزل بها القرآن، وهي لغة النبي، وكلام أهل الجنة، وأهل السماء».(11) ثم أضاف بعد كلام طويل، «وقد كان الكتاب فيما مضى، أرغب الناس في علم النحو، وأكثرهم تعظيما للعلماء، حتى دخل فيهم من لا يستحق هذا الاسم».(12) ولقد جعل صاحب صبح الأعشى، المعرفة باللغة العربية رأس مال الكاتب، وأس مقاله، وكنز إنفاقه، ولذلك « يحتاج إلى المعرفة بالنحو، وطرق الإعراب، والأخذ في تعاطي ذلك، حتى يجعله دأبه، ويصيره ديدنه، ليرتسم الإعراب في فكره، ويدور على لسانه، وينطلق به مقال قلمه وكلمه، ويزول به الوهم عن سجيته، ويكون على بصيرة من عبارته. فإنه إذا أتى من البلاغة بأعلى رتبة، ولحن في كلامه، ذهبت محاسن ما أتى به، وانهدمت طبقة كلامه، وألغى جميع ما حسنه، ووقف به عند ما جهله، وهو أول ما ينبغي إثبات معرفته»(13) ثم المرجع في معرفة  النحو إلى التلقي، من أفواه العلماء الماهرين فيه، والنظر في الكتب المعتمدة في ذلك. ولهذا السبب جعله ابن خلدون مقدما على غيره من العلوم أثناء حديثه عن علوم اللسان العربي، وتحديده إياها في أربعة أركان: -وقد بين فضل بعضها على بعضها الآخر- « وهي اللغة والنحو والبيان والأدب، ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغاتهم، فلابد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان، لمن أراد علم الشريعة. وتتفاوت في التأكيد بتفاوت مراتبها في التوفية بمقصود الكلام، حسبما يتبين في الكلام عليها فنا فنا. والذي يتحصل أن الأهم المقدم منها هو النحو، إذ به تتبين أصول المقاصد بالدلالة».(14)
          لقد احتجنا إلى إيراد هذه النصوص، بين يدي حديثنا عن علوم اللغة العربية، لبيان وثيق الصلة بين العلوم الإسلامية الدينية المحضة، وبين العلوم العربية التي تعتبر  ـ على حد قول العلماء ـ علوم الآلة والوسيلة، ولندفع وهم من دخله الوهم، فظن أنه يستطيع فهم القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف، دون واسطة علوم اللغة، أو يستطيع التفقه في الشريعة دون تضلع في العربية... فكفى بذلك وهماً وضياعا. وصدق من قال:
حفظ اللغات علينا           فرض كفرض الصلاةِ
 فليس يحفظ ديـن           إلا بحفـظ اللغـاتِ
يقول الشنتريني -المعروف بابن السراج- موضحا هذا الكلام «فإن الواجب على كل من عرف أنه مخاطب بالتنزيل ومأمور بفهم كلام الرسول، غير معذور في الجهل بمعناهما، ولا مسامح في ترك العمل بمقتضاهما، أن يتقدم فيتعلم اللسان الذي أنزل الله به القرآن، حتى يفهم كلام الله، وحديث رسول الله(ص). إذ لا سبيل لفهمهما دون معرفة الإعراب، وتمييز الخطأ من الصواب. لأن الإعراب إنما وضع للفرق بين المعاني…فلو ذهب الإعراب لاختلطت المعاني، ولم يتميز بعضها من بعض، وتعذر على المخاطب فهم ما أريد منه، فوجب لذلك فهم هذا العلم إذ هو من أوكد أسباب الفهم فأعرف ذلك ولا تجد غنى عنه».(15)
          فالنحو هو دعامة العلوم العربية وقانونها الأعلى، منه تستمد العون وتستلهم القصد، وترجع إليه في جليل مسائلها، وفروع تشريعها، فلا نجد علما منها يستقل بنفسه عن النحو، أو يستغني عن معونته أو يسير بغير نوره وهداه.
فالعلوم النقلية على عظيم شأنها لا سبيل إلى استخلاص حقائقها والنفاذ إلى أسرارها بغير هذا العلم، فبه ندرك كلام الله تعالى، ونفهم دقائق التفسير، وأحاديث الرسول (ص)، وأصول العقائد، وأدلة الأحكام. وما يتبع ذلك من مسائل فقهية، وبحوث شرعية مختلفة، قد ترقى بصاحبها إلى مراتب المجتهدين. يقول ابن الأنباري «إن الأئمة من السلف والخلف، قد أجمعوا قاطبة على أنه شرط في رتبة الاجتهاد. وأن المجتهد لو جمع كل العلوم، لم يبلغ رتبة الاجتهاد، حتى يعلم النحو، فيعرف به المعاني، التي لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد، متوقفة عليه، لا تتم إلا به.» (16)
2 - علم النحو: الحد والبداية.
أ – حــده:
          للنحو حدود شتى، وأليقها به كما يقول ابن جني في الخصائص: «انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه، من إعراب وغيره، كالتثنية والجمع، والتحقير والتكسير، والإضافة وغير ذلك. ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية، بأهلها في الفصاحة. وأصله، مصدر نحوت، بمعنى قصدت. ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم.»(17) 
          ويقول صاحب المستوفى المعروف بالفرغاني: «النحو صناعة علمية، ينظر لها أصحابها في ألفاظ العرب، من جهة ما يتألف، بحسب استعمالهم، لتعرف النسبة بين صيغة النظم، وصورة المعنى، فيتوصل بإحداهما إلى الأخرى».(18)
          ويقول الخضراوي المعروف بابن البرذعي: « النحو علم بأقيسة تغير ذوات الكلم وأواخرها، بالنسبة إلى لغة لسان العرب».(19)
          ويقول ابن عصفور:«النحو علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، الموصلة إلى معرفة أجزائها التي ائتلف منها».(20)
          ويقول أبو الحسن الربعي صاحب كتاب البديع: «النحو صناعة علمية، يعرف بها أحوال كلام العرب، من جهة ما يصح ويفسد في التأليف، ليعرف الصحيح من الفاسد».(21)
          أما التهانوي في(كشاف اصطلاحات الفنون) فيقول:«علم النحو، ويسمى علم الإعراب أيضاً. وهو علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقما. وكيفية ما يتعلق بالألفاظ، من حيث وقوعها فيه من حيث هو، أو بوقوعها فيه .. والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في التأليف، والاقتدار على فهمه والإفهام به»(22).
إن ما يستفاد من هذه الحدود كلها، أن النحو علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية، مما يميز بين صحة الكلام وفساده.  
ب -  بدايات التفكير في استنباط النحو العربي.
        يعتبر النحو العربي أحد القوانين التي يتأسس عليه منطق اللغة العربية، وهو قانون المتكلم بالكلام، ولذلك عد أهم قوانين اللغة التي تنتظم بموجبه، وتفسد بفساده. فذلك ما ترويه كتب اللغة بشأن تدوين هذا العلم، وبداية التفكير فيه، حين قدم أبو الأسود الدؤلي إلى زياد بالبصرة فقال له: "أصلح الله الأمير، إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع لهم علما يقيمون به كلامهم"(23) فرفض طلبه، غير أنه سرعان ما تدبر كلام الناس، فوجده قد فسد بمخالطة الأعاجم فعلا، فأمره بوضع ما كان قد نهاه عنه قائلا "ضع للناس ما نهيتك عنه، فوضع لهم النحو".(24) فكانت هذه الفترة، بداية مرحلة جديدة في تاريخ اللغة العربية، انتقلت فيها اللغة العربية، من المنطوق إلى المكتوب.
           لقد بدأ اللحن يتسرب، والفساد يسري إلى لغة كثير من العرب، مع اتساع الفتوحات، واختلاط العرب الفاتحين، بالشعوب الفارسية والرومية والحبشية، فحاول هؤلاء العجم تعلم ما استطاعوا من العربية، وقليل من يفلح منهم في ذلك. فكان ظهور اللحن وفشوه مدعاةً لأهل الحل والعقد، أن يأمروا بضبط اللغة، لضبط الألسن، وبتدوين القواعد واستنباطها، لحفظ كتاب الله من اللحن، والتحريف في اللفظ ثم في المعنى.
والحقيقة أن بوادر اللحن، قد ظهرت على قلة وندرة، أيام رسول الله (ص)، كما سيتضح من خلال أمثلة كثيرة ستأتي لاحقا، فعن عبد الله بن مسعود (ض) أن رجلاً لحن بحضرة النبي (ص) فقال: " ارشدوا أخاكم فقد ضل "(25).كما روي عنه (ص) قوله:" أنا من قريش، ونشأت في بني سعد، فأنى لي اللحن ". فإذا كان اللحن في التخاطب بين العرب، هو الدافع الأول إلى تدوين اللغة وجمعها، واستنباط قواعد النحو وتصنيفها. فإننا نتعرف من خلال الحديثين السابقين، على وجود كلمة اللحن وتداولها، وإن لم ينقل إلينا ما الخطأ اللغوي الذي قصد بها آنذاك. لكن المصادر في تاريخ علم النحو، تذكر لنا أن عمر (ض) مر على قوم يسيئون الرمي فقرعهم فقالوا: إنا قوم متعلمين ( والصواب أن يقولوا: متعلمون) فأعرض مغضبا وقال: "والله خطؤكم في لسانكم أشدُّ علي من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله (ص) يقول: " رحم الله امرأ أصلح من لسانه "(26).
إلا أن أشهر القصص في تاريخ النحو، تلك التي أوردها أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني، إذ دخل أبو الأسود الدؤلي في وقدة الحر بالبصرة على ابنته، فقالت له: يا أبت ما أشدُّ الحر؟ فرفعت كلمة (أشد) فظنها تسأله وتستفهم منه، أي زمان الحر أشد؟ فقال لها: شهر ناجر، يريد شهر صفر. فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك. والحقيقة أنها كان عليها أن تقول إذا أرادت إظهار التعجب من شدة الحر والإخبار عنه، ما أشدَّ الحر. فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال: ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم، وأوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل. (27) فأخبره بالقصة، فحدث ما تم من أمر هذا العلم، مع علي (ض) الذي وضع أصوله، فنقلها العلماء، وفرعوها كما تبين ذلك مع سيبويه في (الكتاب)، الذي يعتبر بحق، خلاصة تجربة طويلة، بدأت مع علي ابن طالب (ض) وأبي الأسود الدؤلي، واكتملت مع سيبويه في مصنفه المذكور في النحو، وهو ما سنفصل القول فيه لاحقا.
2 – مراحل تدوين علم النحو:
       لقد اختلفت الدراسات حول تحديد البداية الأولى لوضع النحو، وتعددت الآراء في هذه المسألة، بحيث لم تأت فيها برأي واحد، ولم تنته إلى قول قاطع. وهذا ليس غريبا في مسألة بداية علم من العلوم، ذلك أن البدايات الأولى غالبا ما تكون مغرقة في القدم، يشوبها الغموض والجهل، لأن تلك البدايات البسيطة، لم تكن تهدف في الغالب إلى ذلك كموضوع مستقل(28).
 وتجمع كل الروايات، على أن واضع علم النحو في صورته الأولى، هو أبو الأسود الدؤلي بطلب من علي بن أبي طالب، بعد أن ازداد خطر اللحن على القرآن الكريم، ثم حمل تلاميذه من بعده عبء هذه الرسالة، إلى أن انتهت إلى عبد الله ابن أبي إسحاق البصري، في بداية القرن الثاني الهجري(29).
ولقد كان الهدف الرئيس لظهور علم النحو وتطوره، المحافظة على اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وصيانتها من اللحن الذي أخذ يشيع في اللغة، وقراءة القرآن بشكل خاص. بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وكثر عدد الناطقين بالعربية. فكان من الضروري وضع الضوابط اللازمة للقراءة الصحيحة للمولدين، وغيرهم من المستعربين، الذين وجدوا أنفسهم بين العرب. لأن اللحن إنما ظهر بشكل كبير في كلام الموالي والمتعربين منذ عهد النبي (ص).
بالإضافة إلى هذا، هناك أسباب أخرى عجلت بظهور علم النحو، تمثل في اعتزاز العربي بلغته وتراثه، وحرصه عليهما، مما قد يفسدهما ويؤثر فيهما.(30)وهذا ما يعكس كون النحو العربي نشأ في جو إسلامي خالص، بعيدا عن المؤثرات الخارجية. فتصاحبت الدراسة النحوية منذ البداية، بمجموعة من العلوم الشرعية، وخاصة علم القراءات القرآنية وعلم التفسير، وغيرهما من العلوم الشرعية كعلم أصول الفقه والحديث..إلخ. يقول عبده الراجحي: "لقد فصل كثير من الباحثين في تاريخ الدرس اللغوي عند العرب، وبخاصة عند تعرضهم لتاريخ النحو، وهم يرجعون نشأة هذا الدرس إلى انتشار اللحن نتيجة دخول شعوب غير عربية في الإسلام...وذلك صواب لاشك فيه، لكنه صواب غير كامل، أو هو صواب لم يلتمس الأهم في نشأة هذا الدرس وتطوره. نعم لقد كان حفظ القرآن من اللحن سببا من الأسباب، لكنه لم يكن السبب الأول، ولم يكن الغاية من الدراسة. والسبب الحقيقي - فيما نعتقد- لنشأة علوم اللغة عند العرب إنما هو السعي لفهم النص القرآني، باعتباره مناط الأحكام التي تنظم الحياة".(31)
وقد اختلف العلماء فيمن تكلم أولاً بعلم النحو من حيث هو علم، وفيمن وضع له بعض قواعده.
ولعل أول من أرسل فيه كلاماً أبو الأسود الدؤلي، الذي اخترع الحركات المعروفة بالفتحة والضمة والكسرة عندما اختار كاتباً، وأمره أن يأخذ المصحف وصبغاً يخالف لون المداد، وقال له: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممتُ فمي، فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت، فاجعل النقطة تحت الحرف، وإن أتبعتُ شيئاً من ذلك غنة، فاجعل مكان النقطة نقطتين.
وقيل: إن علياً رضي الله عنه وجه أبا الأسود إلى ذلك وقال له: انحُ نحوَ هذا... فمن هذا أخذ اسم النحو.
ويذهب سعيد الأفغاني في كتابه (من تاريخ النحو)، إلى أن أبا الأسود، أخذ عنه يحيى بن يَعْمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، وعمرو بن عاصمٍ، وعطاء بن أبي الأسود، وأبو نوفل بن أبي عقرب. وعن هؤلاء أخذ علماء البصرة طبقة بعد طبقة، ثم نشأ بعد نحو مائة عام من تلاميذهم من ذهب إلى الكوفة فعلم بها، فكان منه ومن تلاميذه ما يسمى بمدرسة الكوفة.
وقد كان للخليل بن أحمد الفراهيدي فضل كبير في هذا المجال، وهو كما نعلم أستاذ شيخ النحو سيبويه،حيث أخذ عنه، وكمل من بعده تفاريع النحو، وأكثر من أدلته، وشواهد قواعده، ووضع فيه كتابه المشهور.
ثم وضع أبو علي الفارسي، وأبو القاسم الزجاج كتبا مختصرة في النحو، حَذَوَا حَذْوَ سيبويه.
 وسبب وضع علي رضي الله عنه لهذا العلم، ما روى أبو الأسود -في رواية- قال :دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجدت في يده رقعة. فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إني تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء ( يعني الأعاجم )، فأردت أن أضع لهم شيئا يرجعون إليه، ويعتمدون عليه. ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب " الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبئ به، والحرف ما جاء لمعنى. وقال لي: أنح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك. وأعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر، واسم لا ظاهر ولا مضمر. وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود، فيما ليس بظاهر ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم"(32). 
ثم قال: وضعت بابي العطف والنعت. ثم بابي التعجب والاستفهام، إلى أن وصلت إلى باب ( إن وأخواتها)، ما خلا (لكن)، فلما عرضتها على عليّ (ض) عنه، أمرني بضم (لكن) إليها، وكنت كلما وضعت بابا ً من أبواب النحو، عرضته عليه، إلى أن حصلت ما فيه الكفاية. قال: " ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت " فلذلك سمي النحو.
وكان أبو الأسود ممن صحب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ض)، وكان من المشهورين بصحبته ومحبته، و من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدثيهم من العلماء .
وروي أيضا، أن سبب وضع علي بن أبي طالب هذا العلم، أنه سمع أعرابيا يقرأ: " لا يأكله إلا الخاطئين" فأمر بوضع النحو. ويروي أيضا أنه قدم أعرابي في خلافة عمر بن الخطاب (ض) فقال : من يقرئني شيئا مما أنزل على محمد (ص)؟ فأقرأه رجل سورة التوبة إلى أن وصل إل قوله تعالى:"أن الله بريء من المشركين ورسوله" فقرأها (بالجر) فقال الأعرابي: أوقد برئ الله من رسوله ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة، ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني القرآن، فأقرأني هذا سورة براءة . فقال: " أن الله بريء من المشركين ورسولِه " (والصحيح بالرفع) فقلت : أوقد برئ الله تعالى من رسوله؟ إن يكن الله تعالى بريء من رسوله، فأنا أبرأ منه. فقال عمر رضي الله عنه: ليس هكذا يا أعرابي فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: "أن الله بريء من المشركين ورسوله" (بالرفع). فقال الأعرابي: وأنا والله ممن برئ الله ورسوله منهم أبـرأ. فأمر عمر (ض) بأن لا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع النحو.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره " أخذ أبو الأسود الدؤلي النحو عن علي بن أبي طالب (ص)، وروي أيضا  أن زياد بن أبيه بعث إلى أبي الأسود وقال له: يا أبا الأسود، إن هذه الحمراء قد كثرت، وأفسدت من ألسن العرب، فلو وضعت لهم شيئا ً يصلح به الناس، ويعرب به كتاب الله، فأبى أبو الأسود، وكره إجابة زياد إلى ما سأل، فوجه زياد رجلا ًوقال له: اقعد على طريق أبي الأسود، فإذا مرّ بك فأقرأ شيئا ً من القرآن، وتعـمد اللحن فيه. فقعد ذلك الرجل على طريق أبي الأسود، فلما مرّ به رفع صوته وقرأ " أن الله بريء من المشركين ورسولِه" بكسر اللام، فاستبعد أبو الأسود ذلك، وقال: عز وجه الله تعالى أن يبرأ من رسوله، ورجع من فوره إلى زياد فقال: يا هذا قد أجبتك إلى ما سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إلي ثلاثين رجلا ً.
فأحضرهم زياد فاختار منهم أبو الأسود عشرة، ثم ما زال يختارهم، حتى اختار منهم رجلا ًمن عبد القيس فقال له: خذ المصحف وصبغا ًيخالف المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتها فاجعل النقطة في أسفله، فإن اتبعت شيئاً من الحركات غنة فانقط نقطتين. فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك(33). 
وروى عاصم(34) قال: جاء أبو الأسود الدؤلي إلى زياد وهو أمير البصرة فقال: إني أرى العرب قد خالطت الأعاجم، وفسدت ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ فقال له زياد: لا تفعل. قال:  فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير توفي أبانا وترك بنون فقال له زياد: " توفي أبانا وترك له بنون؟ أدع لي أبا الأسود". فلما جاءه قال: له ضع للناس ما كنت نهيتك عنه ففعل. ويروي عنه أيضا، أن أبا الأسود قالت له ابنته: ما أحسنُ السماء! فقال لها: نجومها، فقالت إني لم أرد هذا، وإنما تعجبت من حسنها. فقال لها: " إذن فقولي ما أحسن َالسماء". فحينئذ وضع النحو. وأول ما رسم منه باب التعجب. وحكى أبو حاتم السجستاني قال: ولد أبو الأسود الدؤلي في الجاهلية وأخذ النحو عن عليّ بن أبي طالب (ض).
والصحيح أن أول من وضع النحو علي بن أبي طالب (ض) لأن الروايات كلها تسند إلى أبي الأسود، وأبو الأسود يسندها إلى علي (ض). ويروى عن أبي الأسود أنه سئل فقيل له: من أين لك هذا النحو ؟ قال لفقت حدوده من عليّ بن أبي طالب (ض).
ويحكى عن يحي بن معين ( يحي بن معين المتوفى سنة 233 هـ، أنه قال: مات أبو الأسود الدؤلي في الطاعون الجارف سنة تسع وستين. قال يحي: ويقال إنه مات قبل الطاعون، وذلك في خلافة أبي خبيب عبد الله بن الزبير(ض).(35)
وأخذ عن أبي الأسود عنبسة الفيل ( عنبسة بن مهدان الفيل)(36)،وميمون الأقرن(37) - (ميمون بن الأقرن النحوي)، ونصر بن عاصم- ( نصر بن عاصم الليثي، فقيه وعالم من علماء العربية، كان فصيحا). قال عمرو بن دينار: اجتمعت أنا والزهري ونصر بن عاصم، فتكلم نصر فقال الزهري : إنه ليفلق بالعربية تفليقا. قال المدائني: وكان يرى رأي الخوارج ثم تركهم ورجع عنهم. توفي عام 89 هـ). إن ما يهمنا من سائر هذه الروايات، وإن اختلفت في من بدأ باتخاذ المبادرة، هو إجماعها حول ظاهرة اللحن، مع التفكير في ضرورة استأصالها، وإيجاد حل لها، فكان ذلك بتدوين قانون اللغة العربية المسمى نحوا، كما جاء في الروايات الواردة في ثنايا هذا البحث.  
          مما تقدم يتبين لنا صعوبة ما يكتنف تاريخ النحو من غموض في منشئه، لذلك تعدد الذين بحثوا في تاريخه وتحدثوا عن نشأته الأولى، كما كثرت الآراء التي ذكرت في خصوصه، فمنذ القرون الأولى والخلاف دائر بين العلماء في هذا الموضوع، والروايات متباينات فيه، بين قائل إن علي ابن أبي طالب هو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي ولقنه مبادئ النحو، وبين زاعم أنه ألقى إليه أصولا فاحتذى عليها ونحا نحوها، وبين قائل إن أبا الأسود الدؤلي هو صاحب الفكرة الأولى، وبين منكر لكل ذلك زاعم أن طبيعة العصر (أي عصر أبي الأسود) طبيعة بدائية، لاتهيئ لأصحابها أن يؤلفوا ويقسموا ويضعوا القواعد والأصول. كما صرح بذلك أحمد أمين حين قال: « تاريخ النحو في منشئه غامض كل الغموض، فإنا نرى فجأة كتابا ضخما هو كتاب سيبويه، ولا نرى قبله ما يصح أن يكون نواة تبين ما هو سنة طبيعية من نشوء وارتقاء، وكل ما ذكروه من هذا القبيل لا يشفي غليلا».(38) إلا أن ابن خلدون يحدثنا عن كيفية وضع قواعد علم النحو؟ وكيف فكر العرب في المحافظة على اللغة ونطقها، بعد أن فسدت ملكات النطق السليم لديهم فيقول: «فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة، شِبه الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالأشباه، مثل أن الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمبتدأ مرفوع، ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات، فاصطلحوا على تسميته إعراباً، وتسمية الموجب لذلك التغير عاملاً، وأمثال ذلك، وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم، فقيدوها بالكتاب، وجعلوها صناعة لهم مخصوصة، واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو، وأول من كتب فيها أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة، ويقال بإشارة من علي (ض) لأنه رأى تغير الملكة فأشار عليه بحفظها، ففزع إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة»(39).
والظاهر أن الذي دفع العلماء إلى أن يهبوا فرادى وجماعات لتدوين قوانين اللغة العربية، ما سبق هذه العملية، من انتشار للحن في الناس، فتغيرت الألسنة، حتى صار التكلم بالإعراب عيبا، والنطق بالكلام الفصيح عـيـبا. وتذكر كتب اللغة قدم هذه الظاهرة، وكيف نظر إليها من خلال ما ورد على ألسنة الخلفاء والعلماء على حد سواء. «فلم يزل الخلفاء الراشدون بعد النبي (ص)، يحثون على تعلم العربية وحفظها، والرعاية لمعانيها، إذ هي من الدين بالمكان المعلوم، والمحل المخصوص. قال عثمان المهري: أتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، يأمرنا بأشياء ويذكر فيها، تعلموا العربية، فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة».(40) وقال الرشيد يوما لبنيه: «ما ضر أحدكم لو تعلم من العربية، ما يصلح به لسانه. أيسر أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده وأمته، ومن كلام مالك بن أنس الإعراب حلي اللسان، فلا تمنعوا ألسنتكم حليها»(41) وقال أبو سعيد البصري:    
            النحو   يبسط من لسان الألكن       والمرء تكرمه إذا لم يلحن
  وإذا طلبت من العلـوم أجلـتها      فأجلها عندي مقيم الألسن (42)
لقد رأى العرب في ذهاب النحو ذهابا لجمالهم، بل إن جمال الرجل كما في الحديث الشريف، اللسان. قال العباس (ما الجمال في الرجل يا رسول الله؟ قال: اللسان) وقال أيضا: (جمال الرجل فصاحة لسانه) وقال (أجمل الجمال الفصاحة) وقال (تعلموا العربية فإن الله مخاطبكم بها يوم القيامة). (43). فبالنحو يكون كمال المروءة، إن لم نقل ما أحدث الناس مروءة أفضل من طلب النحو. فبه يرفع الساقط من السفلة، ويرتقي به إلى مرتبة تلحقه بمن كان فوق نمطه وصنفه، فبذهابه يفسد المعنى، ويقلبه عن المراد به إلى ضده، حتى يفهم السامع خلاف المقصود منه. (44)
لقد عد العرب النحو من شرائط المتكلم، سواء كان ناظما أو ناثرا، أو خطيبا أو شاعرا، ولا يمكن أن يستغني عنه إلا الأخرس الذي لا يفصح بحرف واحد. ولذلك حثوا على تقويم اللسان وتأدب الإنسان، بما ورد عنهم من آثار تدعو إلى تعلمه، وتبين شرف فضله، وجلالة صناعته « فبمعرفته يعقل عن الله كتابه، وما استرعاه من حكمته، واستودعه من آياته المبينة، وحججه المنيرة، وقرآنه الواضح ومواعظه الشافية. وبه يفهم عن النبي (ص) آثاره المؤدية لأمره ونهيه، وشرائعه وسننه. وبه يتسع المرء في منطقه، فإذا قال أفصح، وإذا احتج أوضح، وإذا كتب أبلغ، وإذا خطب أعجب».(45) إن منطق العربي السليم، كان يرفض أن يكون دون ما كان يجب أن يكون عليه، من استقامة في اللسان، وبيان في الكلام، وجلاء في الأسماع.
فهم الذين سمعوا أقوال النبيء (ص) فيه، وأقوال الخلفاء الراشدين من بعده، ثم أقوال العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، فوعوها وامتثلوا لها، واعتبروها أمرا يقتضي الوجوب والعمل بها، ومخالفتها مخالفة للحق الذي لا يزيغ عنه إلا هالك.
ولذلك لا نستغرب استقباحهم للحن ونفورهم منه وابتعادهم عنه، واستهجانهم له، فهو مما لا يرضون أن يلتصق بهم، أو أن يتصفوا به، حتى إننا نجد من الخلفاء من اشتعل رأسه شيبا لارتقائه المنابر مخافة اللحن. قيل لعبد الملك بن مروان‏:‏« لقد عَجِل عليك الشيبُ يا أميرَ المؤمنين قال‏:‏ شَيَّبنى ارتقاءُ المنابر وتوقع اللحن»‏.(46)‏ فإذا كان ارتقاء المنابر يقتضي أحسن الثياب وأفخرها، وأفضل الهيئات وأجودها. فإن أحسن ما يستوجبه أكثر، الفصاحة في اللسان، والبلاغة في الكلام، والجلاء في الأفهام. يقول الدقيقي النحوي: «وكيف ترضون أن تكون ألسنتكم معوجة، وأحدكم لا يرضى أن يكون الحذاء الذي في رجله إلا في نهاية الاستقامة، وأي عضو أولى أن يحرس من الزلل، من عضو كرمه الله، إذ أنطقه بتوحيده. وهذا باب طويل إن أسهبنا فيه انقطعنا من ذكر ما نحن إلى شرحه، أحوج مما يوافق الكتاب. وكله يدل على أن اللحن تستقبحه العرب في جميع الأحوال، من كل ذكر أو أنثى. وهذا مستوفى في كتابي المسمى: منتهى الأرب في مبتدأ كلام العرب».(47) واللحن درجات، أشده خطورة عندما يكون في كلام الله، أو كلام رسوله (ص). ولذلك توعد الرسول (ص) الكاذبين عليه بمقعد من النار، مصداقا لقوله (ص) "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (48). والكذب إنما يكون بتبديل أو تغيير مصاحب بزيادة أن نقصان. وأقبح اللحن كما يقول الجاحظ «لحن أصحاب التقعير، والتشديق والتمطيط، والجهورة والتفخيم. وأقبح من ذلك لحن الأعاريب النازلين على طريق السابلة، وبقرب مجامع الأسواق. ». (49) وعلى الجملة «فالنحو لا يستغنى عنه، ولا يوجد بد منه، إذ هو حلي الكلام، وهو له كما قيل، كالملح في الطعام»(50). وإذا كان ما يرومه المتكلم وراء عباراته هو الإبانة عن مقاصده وإفهام غيره -وهذا أقل القليل الذي ينطوي عليه الكلام- فإن ذلك كله يظل ضائعا، ما لم يتمكن المتكلم من تنزيل الكلام منزلته، بإتباع القانون الذي يقتضيه.يقول عبد القاهر الجرجاني:
«واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخل بشيء منها، وذلك أنا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه، غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه».(51) إن كل متعاط لفن القول، وضروب النظم، فاعل لذلك بعيدا عن القوانين والأصول التي قدمها العلماء، وذكروا مسالكها وطرقها. -هو كما وصفه الجرجاني-  في عمياء من أمره، وفي غرور من نفسه، وفي خداع من الأماني والأضاليل. (52) لأن «الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة، ولكنه يقدح في الجهل به نفسه، لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه، وهم الناطقون باللغة، فوجب اتباعهم. ولذلك لم ينظم الشاعر شعره، وغرضه منه رفع الفاعل، ونصب المفعول، أو ما جرى مجراهما. وإنما غرضه إيراد المعنى الحسن، في اللفظ الحسن، المتصفين بصفة الفصاحة والبلاغة...ولذلك لم يكن اللحن قادحا في نفس الكلام، لأنه إذا قيل: جاء زيد راكب بالرفع، لو لم يكن حسنا، إلا بأن يقال جاء زيد راكبا بالنصب، لكان النحو شرطا في حسن الكلام ».(53)
          والحق أننا إذا كنا لا نستطيع أن ننكر بعض ما يشوب نشأة النحو في تاريخه الأول من غموض بسبب ضياع حلقات هامة من آثار النحو الأولى وأخبارها، فإننا لا نستطيع أيضا أن نقر بأن النحو ظهر فجأة في كتاب ضخم ناضج هو كتاب سيبويه. ولاشك أن (الكتاب) ثمرة جهد سابق وعلم قطع مراحل يمكن اختصارها كالآتي:
      - المرحلة الأولى: ويمثلها علي بن أبي طالب (ض) وأبو لأسود الدؤلي: إن اختلاف الروايات وتضارب الآراء حول أول واضع للنحو، لا يحول أبدا دون الاعتقاد بأن أبا الأسود الدؤلي هو صاحب الأسبقية في وضع الضوابط النحوية، فسواء كان ذلك بسبب لحن ابنته أمامه، أو بسبب لحن قارئ في آية من آي القرآن. وسواء كان إقدامه عليه بإشارة من علي كرم الله وجهه (والصحيح أنها منه)..فإن النتيجة واحدة وهي أن أبا الأسود هو الذي بدأ التنفيذ العملي، والتفريع لتلك الضوابط، -بعدما كانت البداية مع علي (ض) - وأن اللبنة الأولى في بناء النحو العربي كانت من صنعه، وأنه أول معلم وصل إلينا خبره.
   - المرحلة الثانية:ويمثلها تلاميذ أبي الأسود. أمثال عنبسة الفيل، وميمون الأقرن، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر. ولقد حاول هؤلاء التلاميذ السير على خطا شيخهم، وتنافسوا في مد أطراف العلم الذي فتح لهم طريقه، فكان لكل منهم في خدمة العربية فضل يتناسب مع موهبته واستقصائه.
   - المرحلة الثالثة: ويمثلها تلاميذ تلاميذ أبي الأسود، كأبي عمرو بن العلاء (ت 154هـ) وقد أخذ عن نصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت 117هـ) وقد أخذ عن يحيى بن يعمر، وهي مرحلة النظر والمناقشة والتأليف.وفيها بدأت القضايا النحوية تأخذ شكل النظر والجدل والمناقشة والنقد، وفيها بدأ السؤال عن العلة النحوية، وبدأ القياس، وبدأ التأليف.
     - المرحلة الرابعة: وتعد مرحلة التأليف النحوي العام. ويمثلها ظهور عيسى بن عمر الثقفي (ت149هـ)، وقد أخذ عن عبد الله بن أبي إسحاق. وعيسى بن عمر هو صاحب كتابي (الجامع والإكمال أو المكمل) وهما كتابان في النحو، ذكرت كتب التراجم أنه وضعهما، وذكرت بعضها أخبارا حولهما. كما تذكر أن الخليل بن أحمد وهو تلميذ عيسى بن عمر، عرفهما وأعجب بهما، حتى قال فيهما:
بطل النحو جميعا كـله          غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع           فهما للـناس شمـس وقـمر
وهما بابان صارا حكمة           وأراحا مـن قـياس ونـظر(54)
ويذكر ابن النديم في الفهرست، أن الناس فقدوا هذين الكتابين منذ مدة طويلة، ولم تقع إلى أحد.
-   المرحلة الخامسة: ويمثلها الخليل بن أحمد (100-175هـ)، ونفر من العلماء الذين كانوا في تاريخ النحو طبقة وحدهم، مثل يونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش (الأخفش الكبير)، وأبي زيد الأنصاري، وأبي جعفر الرؤاسي (أستاذ الكسائي والفراء). وقد عاصر هؤلاء كلهم عيسى بن عمر وأفادوا منه.
ومن يقرأ ترجمة الخليل بن أحمد بإمعان، وينظر فيما نقله عنه تلميذه سيبويه، يعلم أنه كان حتى عصره ذروة البناء النحوي، بما اتصف به من شمول، وإحاطة ودقة وبراعة في استعمال القياس.
ولابد من الإشارة - قبل الانتقال إلى المرحلة السادسة - إلى أنه لم يصلنا عن المراحل الخمس السابقة، شيء من آثار أصحابها النحوية، إلا ما نقل في كتب من جاء بعدهم من آراء وأقوال في بعض المسائل النحوية. ولعل الخليل أكبرهم حظا، وأبعدهم أثرا بما ترك من أثر رائع في كتاب سيبويه.
      - المرحلة السادسة: يمثلها سيبويه. (ت 180 هـ)، بكتابه الذي يعتبر أول مصنف وصلنا، وهو أول كتاب يتضمن آراء الخليل النحوية، ومن عاصره، كيونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش. وكون (الكتاب) أول مؤلف نحوي وصلنا، يعني أننا في هذه المرحلة السادسة، إزاء أول مرحلة ذات آثار مسجلة. إذ لم يصلنا عن أصحاب المراحل الخمس السابقة، إلا ما رواه من جاء بعدهم من أقوالهم، ولا نعرف من (نحو) تلك المراحل، غير ما سجله لنا (الكتاب). وهكذا فكتاب سيبويه، وإن كان أول أثر نحوي مسجل وصلنا، إنما يمثل المرحلة السادسة من مراحل التاريخ النحوي. ولذلك فلا عجب أن يكون مستوعبا ناضجا مكتملا، فإن المراحل التي سبقته مهدت له وهيأت لظهوره، وبذلك تتم حلقات التاريخ النحوي بشكل مقبول، لا يبقى معه مجال لقول من قال: «فإنا نرى فجأة كتابا ضخما هو كتاب سيبويه، ولا نرى قبله ما يصح أن يكون نواة تبين ما هو سنة طبيعية من نشوء وارتقاء»(55).
          إن المتأمل لكل ما سلف ذكره من آراء وأفكار، حول قضايا النحو منذ البداية وإلى أن استوى الدرس النحوي على سوقه مع سيبويه، يخلص إلى ما يلي:
          أولا: إن السبب الذي دعا العلماء إلى استنباط النحو، ما فشا من لحن عقب الفتوحات الإسلامية، مع امتداد آفاق اللغة العربية، إلى مجالات لم تتح لها من قبل.
          ثانيا: فساد الألسنة حتى بالنسبة للعرب أنفسهم(56) نتيجة اختلاطهم بالأجانب، وهو ما يؤكده الزبيدي في طبقاته حيث يقول: « لم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها، حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان ، فدخل الناس فيه أفواجا، وأقبلوا عليه أرسالا، واجتمعت الألسنة المتفرقة واللغات المختلفة ففشا الفساد في اللغة العربية »(57).
          ثالثا: المحافظة على اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن، وصيانته في صيانتها والمحافظة عليها. لذلك كان من الضروري وضع الضوابط اللازمة للقراءة الصحيحة للمولدين،  وغيرهم من المستعربين، الذين وجدوا أنفسهم بين العرب.
          رابعا: اعتزاز العربي بلغته وتراثه، وحرصه عليهما من الضياع والفساد والتغير. ففي حفظهما، حفظ للإنسان العربي وتميزه. وهو ما يعكس أن النحو العربي نشأ في جو إسلامي خالص بعيد عن المؤثرات الخارجية، فتصاحب ظهوره بظهور علوم إسلامية أخرى كالقراءات والتفسير، وغيرهما.
          خامسا: استهجانهم واستقباحهم لظاهرة اللحن في الكلام، مما دفعهم إلى التشدد في محاربته بشتى الوسائل. فدل على ذلك ما ورد فيه من أقوال، يقول عمر بن الخطاب: « تعلموا الفرائض والسنة واللحن، كما تتعلمون القرآن»(58) وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «إن الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها، فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض، لبغضي استماع اللحن، ويكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها، فيعرب فأجيبه إليه<



  أ.د.
أستاذ علوم اللغة العربية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (بني ملال) جامعة القاضي عياض. وأستاذ زائر، بجامعة الحسن الأول، سطات- المغرب. dmimouni@maktoob.com
الهوامش:
(1) عبد القاهر الجرجاني. دلائل الإعجاز. ص:293 تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة. الطبعة الثانية. 1410هـ/1989م.
(2) ابن قتيبة الدينوري، أدب الكاتب، ص:4. المكتبة التجارية مصر. الطبعة الرابعة 1963م.
(3) ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت. 1995م.
(4) ابن عبد البر القرطبي: بهجة المجالس، وشحن المجالس، وشحن الذاهب والهاجس. ص:43.تحقيق محمد مرسي الخولي. مصر. 1981م.
(5) أبو الفتح الأبشيهي، المستطرف من كل فن مستظرف، تحقيق محمد قميحة:1/55. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، 1986م.
(6) المثل السائر:1/26.
(7) المثل السائر:1/26.
(8) ابن جني، الخصائص: 1/33 . تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
(9) السيوطي، الاقتراح في علم أصول النحو، تحقيق أحمد سليم الحمصي، ومحمد أحمد قاسم. ص: 36. جروس بريس، الطبعة الأولى.
(10) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن:1/3 دار القلم ، دمشق، سوريا.
(11) القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، تحقيق علي يوسف طويل:1/209. دار الفكر دمشق، الطبعة الأولى. 1987م.
(12) صبح الأعشى:1/209.
(13) صبح الأعشى:1/204-205.
(14) ابن خلدون، المقدمة، ص:603.دار الجيل بيروت لبنان،
(15) الشنتريني المعروف ( بابن السراج)، تلقيح الألباب على فضائل الإعراب مخطوط). ورقة 1.
(16) ابن الأنباري، لمع الأدلة في أصول النحو، الفصل الحادي عشر).
(17) ابن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار: 1/34 (باب القول على النحو). دار الكتاب العربي، بيروت لبنان.
(18) الاقتراح في علم أصول النحو، ص: 22.
(19) الاقتراح في علم أصول النحو، ص: 23
(20) الاقتراح في علم أصول النحو، ص: 23.
(21) الاقتراح في علم أصول النحو، ص: 23.
(22) صديق بن حسن القنوجي، أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم:2/560. تحقيق عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978.
(23) أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني:12/348. تحقيق سمير جابر، دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية.
(24) الأغاني:12/348-349.
(25) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، رقم الحديث، 3643.
دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى،1411هـ-1990م .
(26) ابن السيد البطليوسي، الإنصاف، تحقيق محمد رضوان الداية.ص: 172 دار الفكر، دمشق الطبعة الثالثة،1407هـ /1987م.
(27) الأغاني: 12/347.
(28) معاذ سرطاوي، ابن مضاء القرطبي وجهوده النحوية ص :57.
(29) شوقي ضيف، المدارس النحوية. ص: 18 دار المعارف، مصر.
(30) شوقي ضيف، المدارس النحوية. ص: 12.
(31) عبده الراجحي، فقه اللغة في الكتب العربية، ص: 34-35.
(32) السيوطي، سبب وضع علم العربية، تحقيق مروان العطية. ص:34-35. دار الهجرة، دمشق، الطبعة الأولى، 1988م.
(33) السيوطي، سبب وضع علم العربية، ص38-39.
(34) هو عاصم بن أبي النجود، أحد القراء السبعة المتوفى سنة 127 هـ .
(35) أنظر الخطيب البغدادي 14 / 177، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 5 / 190.
(36) أنظر الزبيدي ، طبقات النحويين واللغويين، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، ص : 24. ياقوت الحموي، معجم الأدباء: 6 /91.
(37) انظر السيوطي، بغية الوعاة، ص: 401، أبو الطيب اللغوي ، مراتب النحويين، ص: 20.
(38) أحمد أمين، ضحى الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، الطبعة العاشرة. 2/285.
(39) ابن خلدون، المقدمة، ص:604.
(40) صبح الأعشى:1/205.
(41) صبح الأعشى: 1/206-207.
(42) صبح الأعشى: 1/207.
(43) اتفاق المباني وافتراق المعاني، ص: 137.
(44)صبح الأعشى: 1/204 وما بعدها.
(45) المظفر العلوي، نضرة الإغريض في نصرة القريض: 13-14. تحقيق نهى عارف الحسن. دمشق. 1976م
(46) العقد الفريد، ابن عبد ربه: الجزء الأول (باب الإعراب واللحن)
(47) الدقيقي النحوي، اتفاق المباني وافتراق المعاني: 136-137. تحقيق عبد الرءوف جبر. دار عمار، عمان. الطبعة الأولى. 1985م.
(48) رواه المغيرة، صحيح البخاري: 1/423. تحقيق مصطفى ديب البغا. دار ابن كثير. اليمامة. الطبعة الثالثة. 1407هـ/ 1987م
(49) الجاحظ، البيان والتبيين:1/146. تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل. بيروت.1410هـ/1990م.
(50) صبح الأعشى: 1/210.
(51) دلائل الإعجاز، ص: 77.
(52) دلائل الإعجاز، ص: 293.
(53) المثل السائر: 1/210.
(54).عبد الواحد ابن أبي هشام، أخبار النحويين، تحقيق فتحي السيد، ص: 20. دار الصحابة للتراث، طنطا، مصر. الطبعة الأولى . 1410هـ
(55) أحمد أمين، ضحى الإسلام: 2/285.
(56) انظر نماذج من تفشي اللحن بين العرب أنفسهم. في الخصائص، لابن جني: 3/273 وفي المزهر للسيوطي(النوع الخمسون): 2/494.
(57) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين، ص: 25.
(58) اتفاق المباني وافتراق المعاني، ص:125.
(59) ابن الأنباري، الأضداد، ص: 326 .
(60) أبو الحسن الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 7/163. دار الكتاب العربي بيروت. لبنان. 1407هـ.
(61) ابن الأنباري، الأضداد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. ص:326.
  إدريس ميموني (المغرب) (2009-05-20)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

تاريخ النحو-إدريس ميموني (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia