القصر الكبير التي في خاطري-محمد كماشين
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

القصر الكبير التي في خاطري

كصيحة البداية، يتسلل خيط النور لعوالم اللا منتهى، حيث ندرك بقدر طاقة استيعابنا، ندرج ويملأ صدورنا هواء الأمكنة رطبا، يحملنا بتثاقل للقبض على الحرف. كواحدة من الجماجم المصطفة، الفاغرة، الحاضنة لعيون همقاء، وشفاه مرددة ”كلام الله” كطوفان من الآيات يتجدد رسمها على “اللوح” لتستقر في الأدمغة مثل لازمة تتردد على الألسنة.


القدمان يوفضان لمدرسة” مولاي علي بوغالب” هذا الشكل الغريب بتقاويسه، والباسقات يترك ظلها أشباحا تثير الذعر داخلي، ولو كان ذلك وسيلة لمماهاة المكان وأنا أسترق النظر من نافذة /الفصل غير أن المدرس أخذ بالنقر على الإطار الأسود كوسيلة لجذب الانتباه.


هي الجدة تنتظر رنات الجرس عند البوابة لتسلك خط الرجعة، لتعود ممسكة بيد الصبي، وتستأنف حديثا لا ينتهي مع نسوة تعودن ذلك، تمنى الصبي امتلاك مساحة أرحب لكن حصارها كان أقوى من أمنيته.


لم يكن ممكنا أبدا أن أقتحم لجة أفكاره، فسويعات الإصغاء لكلماته، والشفتان تتحركان كما لو كانتا للمعلق الثرثار ، والنظرات تتلاحق ..كل هذا لم يمنعني من قراءة مخططاته، زمن العنفوان وقد – بارحت ممرات المدرسة،…. مكتبتها القريبة القريبة جدا من قلبي، مراقيها حيث كان يحلو الشغب الطفولي – إلى فضاء أرحب (الثانوية) برجته العميقة كالريح اجتثت جذور الأشجان أوردة للقلب من غيمة النبض، فينهمر الحرف رذاذا أحاول القبض عليه فيسري حلما أثيرا يسمح للبياض بإقامة أعراس الكتابة عبر ما يطالبنا به أساتذتنا تارة، وتارة أخرى من خلال كتابة نصوص نتعاون على مسرحتها، أو إدراجها بمجلة حائطية.


للمكان عبقه، طقوسه، أوصياؤه، للكلمة المبدعة عشاقها خارج العبق والطقوس والأوصياء ..يجتذبني البحر ،فيأخذ الأزرق مدى الأبعاد، من أين آتيه من مده؟ من جزره؟ أم منهما معا منشطرا كالرمز المبهم قد يكون أو لا يكون ..قد يستعصي الحرف فيوشحني وشاح الهجير، وكأس النخب مهشمة داخلي، ترنو لرذاذ واحتي: ما قتلوه حرفي الأول نام تحت وسادتي، ما صلبوه، سرق أحلامي..


عمدت إلى تنضيد أحلامي منابر إبداعية، ومع كل إطلالة كنت أحس بخوض تجربة جديدة، إذ ما فائدة الإبداع إذا كان تجارب مكرورة ،وقد نقش في عقولنا أستاذ الفلسفة قولة ذاك اليوناني: ”أننا لا نستطيع أن نستحم في النهر مرتين”.“.


هل باستطاعتنا القبض على الزمن؟؟ ونحن نعلم انه التجربة الآنية الفورية الزائلة باستمرار، فماذا يتبقى لنا غير دفء الأمكنة وسحرها، وعبق الطفولة يكبر معنا قد نتقبله في كليته، أو نفسره وما تراكم في الذاكرة من تجارب، حتى نصل لأبعاد المكان القصوى، فنستنفذها بسلطان اللغة نطوعها وان استعصت، نتوارى خلفها إن لم نستطع التخلص من رقيبنا الداخلي.


ما معنى ألا نكتب؟ هي أن نعيش في العتمة، وان نقبل أن نعيش هكذا


لقد أمدتني أزقة مدينتي ودروبها، بشحنة عجيبة لتطويع الكلمات، حتى غدت أكثر ليونة كلما وقفت على أسرار أمكنتها، وقيمتها، يقول “جيل دولوز“ (إن الفلسفة لا تتبلور في الحدائق الكبرى أو في الطرق، وإنما داخل المدن والشوارع) لذلك لن أعجب حين يتواعد بعضهم عن اللقاء في “أوسلو”أو “نوفا” أو “ميلانو”وكأننا في تجمع للمدن العالمية، والحقيقة أنها أسماء مقاهي محلية تحيل المتأمل لخطورة وضعنا، ولجهل المسئولين وهم يصدقون على مسميات قد تحيل الهوية إلى اغتراب.


إن القيم المثلى هي مثل المفتقد الذي نشعر بالحاجة الى وضع الحقيقة أمامه، راجين الحصول عليه مثل: الطفولة.



 
  محمد كماشين (2017-09-11)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

القصر الكبير التي في خاطري-محمد كماشين

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia