الألفية الثالثة لقصص المقاوم :الشريف مولاي اليزيد السني الزروالي القصة الثانية-فؤاد اليزيد السني (بروكسيل-بلجيكا)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الألفية الثالثة لقصص المقاوم :الشريف
مولاي اليزيد السني الزروالي
القصة الثانية

  فؤاد اليزيد السني    

أهل الكهف
كانوا أربعة و "الكلب دوبرمان" رابعهم


لقد كان ذلك في صيف 2009 المنصرم بمدينة طَنْجَة. لقد كان الصباح في منتهى رغبة شعاع السخونة، و عقبته شمس إفريقية حارة. و الجوّ من جهته، قد كان في منتهى الصفاء الصيفي: شمس رائعة، سماء زرقاء في منتهى وسواس الشبق الديني،و الوقت ظُهْرَ جُمُعَة، و الشوارع خالية من كل ضجيج بشري. و قدمت سكينة رهيبة، و من بعدها، انتهت الصلاة و تفرقت الجماهير، و مضى كل إلى غايته. و بدوري مضيت إلى غايتي، قاصدا صالون  حلاقة عبد المبدع الشاوني. و كالعادة، كان صالون حلاقته ما زال مغلقا كالعادة الجارية بها العمل في هذا البلد، الذي كانت مواعيد عرقوب له مثلا، و ما مواعيده الشبيهة بالغربال و الغول و العنقاء و سعاد، ليست سوى أباطيل. و انتظرت، حتى كاد الانتظار أن يهد من أعصابي، و يتحفني كخرقة بالية، حين قدم أخيرا يجرجر ثقل رجليه، أديبنا الحلاق. و قدم يجرجر مخلوقه المغربي الجميل و تطلع في وجهي و في قسماتي، و خشخش مفاتيحه و فتح الباب و شرفني بالمرور. و مررت، و مرّت من بعدي الأوادم و القججة. و تفنن الحلاق الأديب بعض الوقت "تطريما" في بضعة رؤوس فارغة إلا من كثافة الجسد الثقيل و كثرة " الهدرة". و فجأة استدار في قائلا:
- يجب أن تتصل بالنادل.. ! 
و أجبته متحيرا:
- ماذا تعني بالنادل؟
و بحصص في و جهي و أجابني
- الكاماريرو ..  الكارسون
و أجبته:
- و لماذا لا تقول بلغتنا الطنجاوية القهواجي؟
و كمن صبت عليه سطل ماء أجابني:
- إيه ... الكاماريرو. اسمه عبد الله الريفي، كاتب و شاعر، يعمل في "مقهى الربيع" كقهواجي و يود لقاءك هذا المساء.
و خرجت من صالون الحلاق شاكرا له على اهتماماته الأدبية، توجهت ناحية سينما "موريطانيا" و مررت بها ثم دخلت إلى المقهى المقصود "مقهى الربيع" و طلبت شايا منعنعا و كأس ماء، و بعد قليل قدم القهواجي  الشاعر.  و قدم الكلام " الشكري"، أي بما معناه البحث عن الشهرة الأدبية. و دعوني أفسر لكم ذلك، أي أن تصبح كاتبا بدون ثقافة خلفية و لا قبلية و لا فوقية و لا تحتية و لا هم يحزنون، باستثنائها هي .. هي مولات الخلة الخمرية .. و افهم يا الفاهم .. افهم يا بوراس .. الطاسة و القرطاسة و لَلا عَطِيّة !..     
و ناولني الكاتب المتخرج من مدرسة شكري فنجان قهوة و ديوان شعر بالأمازيغية مترجما نصفه إلى الفرنسية و قال لي:
- إقرأ .. و  مضى ..
ثم مضى ثم عاد ثم عبس و تولى و أقبل و أدبر و أخيرا وقف على رأسي و قال لي:
- انتظرني .. ! لا تمضي اليوم خمر و غدا قهر.
و اعتقدتني لم أفهم بل خيل لي ذلك و انتظرت و انتظرت و أخير قدم القهواجي الشاعر و انصرفنا معا. قدم و خرجنا من القهوى و هو يقول لي:
- سترى ما سترى أدب و ثقافة و أخبار غريبة.
و نزلنا من خلف سينما "كويا" و انحدرنا قي اتجاه سينما "روكسي" ثم عند بقالة السوسي الروبيو انحرفنا عن اليمين و بعد بضعة خطوات توقف صاحبي و عبر نحو اليسار و قال لي :
- بهذه العمارة ! و راح ضاغطا عل الزر الكهربائي.
و قدم من  الطابق الأعلى عبر "المكرفون" الملصق بحائط الباب صوت مخلوق يقول:
- شكون أنت ؟
و أجابه القهواجي الشاعر:
- عبد الله الكاماريرو.
و انقطع الكلام، و انفتح الباب المغلق، و قدم المصعد فصعدنا.
و من جديد ضق صاحبي على الباب المحصنة و بعد قليل نبح الكلب و انفتح على وحش هائج من فصيلة "دوبرمان" و على المخلوق الأزعر المتمسك بحزامه. و تفرس في وجهي و في وجه صاحبي و قال لنا تفضلا !  
و دخلنا يمشي أمامي و أنا من ورائه أتفرس في الوجوه الحاضرة حول الطاولة المستديرة.
و حصل التفاعل الكاسر للمفاجئة و حصل التعارف و قال                صاحبي:
- أقدم لكم الصحفي العربي المقيم في بلدة السويد.
و جاء من أقصى الغرفة الغارقة في دخان سريالي أزرق صدى صوت مبحوح بحرارة الكيف:
- يا مرحبا بالصحافة الشقراء ! يا مرحبا .. !
و استدار في الحضور و هو يخاطبني قائلا:
- أقدم لَكَ ضُيوفَ غارنا، الكلب الوفيّ "غولو دوبرمان". و إلى جانبه "الروبيو" عبد الله السوسي، صاحب الكاتب الراحل شكري، و على يمينه، القصاص حميدو "الديواني" و ذاك في مقابلك، حمودة العسكري "السبايسي" الشاعر، و عن يساره المحامي محمد بركات الريفي صاحب رواية " لعل الريف يعود إلى زمن الكاهنة". و ذاك الذي قبالتك، أخريف طيفور زمان، ذاك الذي يكره الحب في كل مكان و زمان. و عقب هذا التقديم السريع قرقعات أناني و كؤوس خمرية، "سربيسية" و ابتدأت السهرة الأدبية العالمة. و تكلم هذا من هنا، عن فلسفة أفلاطون، ذاك من هنالك عن ملحمة كلكامش و الكاهنة، آ خر عن "جاك ديريدا" و "هابرمانس" و بقيايا خطابات "هَيدْكْر" و عمت الفوضى الحماسية. و تُرْجِمَ العالم و حُلِّلَت فلسفته كما علومه و تنبآته. و كاد الخطاب أن ينتهي، لولا استدراكي للمعركة الحامية الوطيس، التي كانت دائرة، ما بين الديواني القصّاص و "الروبيو" الرّاوي، صاحب شكري . و تدخلت هكذا و رقعت ما رقعت من خلافاتهما، و حين انتهيت هب الروبيو واقفا:
- اليوم فقط اقتنعت بأن لفلسفة الديواني حدود. اليوم فقط حصل لصاحبنا أن يصمت ليستمع قليلا و هذه بداية الآية. تصور يا صاح ! منذ أسابيع و نحن محصورين بسلطة الديواني و قد أصبحنا الآن في حل من ثرثرته. أصبحنا أحرارا و الفضل يعود لزائرنا المغترب الذي بعثته السماء لتطهير لسانه ،فمرحبا بالصحافة السويدية و كل أوانسها اللا ّعذراء.
و  من جديد حصلت القرقعة، و تناطحت الكؤوس و النوايا و "الكيف"، و عوى الدوبرمان "غولو " كغير عادته، و فسر الروبيو عوائه هذا، بمعجزة هي بصدد الحدوث، و أعاد الحديث حول نفسه قائلا:
- أنا صاحب شكري و الراوي الحقيقي لأدبياته ! أنظر .. !  
و أخرج لي بالمناسبة، كل اللقاءات الصحفية للصحفيين الأجانب، أولئك الذين قدموا لهذا البلد بحثا عن الشهرة الأدبية. و ألقيت بنظرة خاطفة على هذا الكم الهائل من الورق و استدرت في صاحبنا الروبيو قائلا:
- ألست أميا أنت ؟
و أجابني بكل براءة :
- نعم أنا أمِّيٌّ .. و قد نزل علي الوحي فأصبحت قارئا !
و استدركت نفسي قائلا له:
- تحسبني غريبا عنك و قد عرفتك من قبل، أما أنت من جانبك فإنك لم تتعرف علي.
و أجابني قائلا:
- و كيف .. و منذ متى؟
و أجبته مخبرا إياه، عن مهنته كبائع، بدكانة السوسي:
- حين كنت تلميذا، كثيرا ما كنت أتوقف عندك لاشتراء " الساندويش بالتون ". و عدت عندك بعد سنين بعدية، صحبة الكاتب شكري، و أنت حالك، جد مشغول بالزبناء، و شكري عند " الكونطوار " يسكر  بالروج المغربية "بولعوان".
- بلى ..!  قال لي الروبيو.        
و نهض متهجا نحوي و قبلني على جبيني و استدار مقبلا كلبه الغالي عليه، ثم عاد بالقرب مني قائلا:
- في  الحقيقة إن هذه البلدة، قد مُسِخَت و أصبح كل من يدعي الكتابة من هنا أو هناك، يحدث عن شكري و عن لقاءاته الموهومة بشكري، و عن وصايا شكري الموهومة له. و لم يكن ثمة من خادم لشكري سواي أنا، و ذلك لأكثر من ثلاثين سنة. و لهذا أعتبر نفسي، أقرب الناس إليه و أصدق و أوفى بياع لسيرته الذاتية، للأدباء الأجانب الأغبياء، أولئك الباحثين وهما، عن أسرار معاناته الأدبية. فانظر و استر و لا تحدث هؤلاء الأدباء المتطفلين .. و أشار للحلقة المستديرة حوله و صمت.    
و عاد لغط القناني من جديد و طقطقة الكؤوس النشوى و قرقعاتها، و بدوري انتبهت فقمت واقفا مودعا و الكل يتجاذبني لقضاء بقية السهرة، و حسم الروبيو الموقف قائلا:
- أنت موسوعة يا رفيقي .. ! لقد غيرت من مسار أمسيتنا و أسكتَّ من أسكتَّ من الفلاسفة و الثراثرة عندنا، فمرحبا بك كلما أردت و مرحبا بالصحافة السويدية. بل قل لي و هذا بيني و بينك ما سر الكتابة؟
- سرّها أنك كلما ازددت تشوقا لنكاحها ازدادت مناعة..
و ابتسم في و جهي، و قد فطن لما فطنت له، فلم يزدد إلا تشوقا و رغبة في مداعبة الجهالة. و حين تجاوزت الباب الخارجي مستقبلا حنان طَنْجَة المسائي، لحق بي رفيقي " القهواجي
 " قائلا:
- لقد كنت موسوعة  هذه السهرة ..شكرا للصحافة الزعراء .. و لا تنسى أن لا تعود .. !
و انصرفت معرجا على البحر الطنجاوي اليتيم. و حدثه بما يدور في أعماق نفسي. حدثته عن حبي الغريب لأسرار  المتاهة. حدثه عن ساحرتي الجنية. حدثته عن آمالي الكبار و ترفعت عن كل هؤلاء المستعبدين أنفسهم. تنبأت بمستقبلي كإنسان حر في بلاد الأجانب. تنبأت بحقوق الطفل و الإنسان الغبي و بكل المعذبين على هذه الأرض، باسم الملكيات العلوية المفتونة بقداسة ثرواتها الطبقية، و بما سوف تؤول إليه من عفونة. تنبأت بالقلاع المحصنة، بملوك القرون الغابرة، و انحدرت نازلا في اتجاه سُبُلَ البحر و نسيت ما نسيت و أصبحت فجأة عابر سبيل، لا عنوان له و لا و طن، و مشيت و الحب الإلهي يغمرني، و بكيت حبا في اللاّ نهاية، و تجردت من إنساني الشقي و الجنة البشرية مناي و الحب العبقري دليلي، و صَلّيت أملا في أن يبدل الله من قوم لم يريدوا أن يغيروا ما بأنفسهم.



 
  فؤاد اليزيد السني (بروكسيل-بلجيكا) (2009-06-26)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الألفية الثالثة لقصص المقاوم :الشريف
مولاي اليزيد السني الزروالي
القصة الثانية-فؤاد اليزيد السني (بروكسيل-بلجيكا)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia