بطاطس بحبات ندى-صلاح انياكي أيوب (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

بطاطس بحبات ندى

  صلاح انياكي ايوب    

وقـف زيـد وسط ساحـة امتلأت بسيارات أجرة كبيرة … كان ينتظر تحت أشعة الشمس الحارقة انطلاق أول سيارة في اتجاه قريته النائية . انتظر طويلا … واقـفا تارة وأخرى جالسا القرفصاء على عتبة الكوخ الوحيد الذي يبتلع فضول أغلب المسافرين … يبدو أن انتظاره قد يطول لبعض الوقت … هذه سنة أناس فقدوا متعة السفر !
بصـر الجميـع شاخص في اتجاه الكـوخ … جميعهم يلونون جسد المرأة بتعابير وجوههم الشاحبة … وفي تودد معلن تستعطف هذه السيدة هؤلاء بابتسامة غـامضة تتوزع بين الفـرح والألم … وهـي تبحـث خلف نظراتهم عن جوعهم اليومي والعرق الصيفي ينبعث من أعلى عنقها كحبات الندى لا يلبث أن يسقط واهنا على معجون البطاطس المعد للقلي .
كم يبدو المنظر أليفا في صباحات صفينا ونحن نشاهد الحشرات الطائرة تحط رحالها على صـحن البطاطـس وتنأى في حركات دائبة … لا أحد قادر على أن يغير مجرى ما يحدث … فحتى الكلبة الوحيدة التي تحرس الكوخ ليلا لم يعد بإمكانها أن تفعل نفس الشيء الذي اعتـادت عليه بالفطرة : أن تنبح في وجه الغرباء ! !  هي الأخرى تسير الآن بين جموع الناس برأس إلى أسفل وفم يـتقاطر لعابه لزجا … وجراؤها الخمسة ، في عبث الصبايا يناوشون بعضهم البعض دون أن تغفل أعينهم عن ذيل الأم المعقوف.
ضل زيد يتمعن هذه الصـورة القاتمة لأناس يفضلون الحياة بشكلها الأدنـى … وعيناه لا تفارق سيارة الأجرة التي أدار سائقها الـمـحـرك إيـهـامـا بـانـطلاق الـرحلـة و… المرأة بين الفينة والأخرى يعاودها الحنين لمفاتن جسدها كلما داعبها غزل مستتر ، أو إشارة رمش تنغرس بين مغاليق شهوتها النائمة منذ أن سافر الزوج ولم يعد .
-    أخس …
استفاقت الكلبة من سهوها أمام هذا الأمـر بالابـتـعـاد ، وهرولت بعيدا عن الناس وهي ترمق جراءها من لحظة لأخرى .
الـزيـت الـحـار مـا أن يلامس قطعة بطاطس أو حبة عرق مالح إلا ويبدأ في الطـنين مكونا على سطح الإناء رغوة بيضاء مائلة إلى الصفرة تغذي شهوة الواقفين ، وتزيد من شدة جوعهم ! 
… مـا زال عدد الركاب لم يكتمل بعد ، الشمس تزداد اقترابا من رؤوس الناس والمكان امتلأ برائحة الأجساد الباحثة عن ظل ولو في جحيم امرأة ورائحة معجون البطاطس تتعالى بين الفينة والأخرى ما أن تهب ريح الصيف من إحدى زوايا الكوخ .
-    كأس شاي وقطعة بطاطس وخبزا … ولا تنسي مرقا !
-    في الحال … اجلس هنا ! 
انحنت المرأة وهي تشير للرجل الذي توقف نفسه ما أن رأى الصدر العاري .
-    شكرا … جزيلا !
الجميع يلتهم الآن أكلته ما بين الـواقف والجالس … وزيد لا زال يتأمل سر هذا الإقبال الشديد على قطع البطاطس في اندهاش غريب … ها هو يتقدم صوب المرأة ، ليفك قيود دهشته :
-    من فضلك ، قطعة بطاطس !
-    وخبزا !  أليس كذلك ؟! 
-    لا !  فقط بطاطس بحبات الندى ! !



 
  صلاح انياكي أيوب (المغرب) (2009-07-09)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

بطاطس بحبات ندى-صلاح انياكي أيوب (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia