النجس الشرقي-نشأت المندوي (ديترويت امريكا)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

النجس الشرقي

  نشأت المندوي    

 قال  صديقي  شاكر  يوم سفري :
-    ان الغربه  عذاب والاوطان لاتتبدل بسهوله . واضاف بهمس رقيق
-    و نحن الشرقيين  بعد الولاده  نرضع من مشيمتي  الدين والدنيا   , فينشطر الوطن فينا  عشوائيا  ونفقد  بوصله الانتماء الكامل 
.صمت  برهه واكمل :
-    وعندما  نكبر  تستهوينا المبالغه بالاشياء  ونتفنن باستخدام اللغه الطنانه والافعال الصماء  لذالك نحن  حالمون   نحب بقسوة ونخون بجنون 
ابتسم فبانت غمازتي وجنتيه تالقا قائلا بغناء  وطرب  هازا راسه بترنيمه خفيفه :
-    (عراقي  هوانا  وميزة  فينا  الهوى  خبل ) 
 لم افهم الجملة الاخيرة  لكنها انطبعت  بذاكرتي كوحم ولادي . ضوضاء المطار وصخب المودعين   جعلني اكتفي بالصمت   . ابتلعتني نشوة سفر وانا اجر حقائبي واهلى يحوطوني كعريس والنصائح كالبرق تهطل على    . امامي الطائره خلف الزجاج السميك  جاثمه على المربعات الكونكريتية  تناديني برحله جوية نحو بلاد  لاتغيب عنها الشمس  .بلاد ستنسيني كركوك المدينه التي لا تنسى . الان بعد عامين  اجلس  في شقه  تحاصرني باسئلتها  البلهاء و تاخذني  بعيدا . لم اتصور حالتي ستؤؤل هكذا  .  زمان لزج و بوصله صدئه و معادلات متشابكة   لدرجة  صرت احتاج مغامرة كي امييز الايام ناهيك عن السنين التي  تساقطت  كورق الخريف  على منصه العمر .
 يراودني احيانا مزاج حلو يجعلني انتشي بمغامرة السفر والمجيئ هنا  . كنت اقول  ان العمر لايعاش مرتين  وكثرة الابواب في بلداننا  جعلتنا نكرة المفاتيح  وعالم اليوم  مفتوح يعيش على المدى المتجانس الخالي من  الحواجز و السراديب   .و احيانا تتقزم نظريتي  فاتحول لكتله اعصاب وعاطفه متأججه .افقد الاحساس بجمال الموجودات فيتعكر طبعي  حالما تجيئ كركوك بظفائرها وضياء ها المغسول بالعسل وصديقي (شاكر) صاحب القلب  الوديع و الوجه الشفاف  و مقالب المراهقة  ايام المتوسطه يوم  جاءني  يترجاني  كتابة رسالة غرام  لفتاة يحبها  كوني اجيد  التعابير الانشائية الملهمه وامتلك خط جميل  .  اتذكر حينها بقيت لساعة متأخرة من الليل . أكتب وانقح   واحذف  واضيف  وفي الختام ذيلتها  على ما اذكر  بشعر غزلي   كي الهب قلب الفتاة   .في اليوم التالي قرأناها سويا  فترجأني  ان ارافقة لايصالها   للفتاة  .  كان بيتها حجري قرب دائره المحكمه  على شارع  فرعي محاذي لشارع اطلس  بلا سياج  له بابا خشبية  وحيده  رديئة الصنع  تليها ستارة من قماش  مزهرة تفصل المدخل عن الفناء الداخلي  او الحوش   .  عصرا عندالعتبة وصلنا البيت  فانتهز شاكر الباب المفتوح  ليرمي رسالته فعبرت الحاجز لستقر في الحوش  . سرنا  فرحين  كمن ينتصر في موقعه عسكرية  ثم انعطفنا نحو الرصيف المقابل للبيت  بانتظار الجزء الاخر من المغامره  . كنا  نراقب الباب بصبر كي تطل علينا الفتاة تلوح بالجواب لا  امها التي خرجت  مندفعه بهستريا غير طبيعية  مخترقة الباب بذعر مجنون و هياج صارخ .كانت عباءتها تستقر على هامة راسها وهي تمسك بيدها اليمنى  ذيل العباءة  و الرسالة وتلوح وتولول باليد اليسرى
.  الشارع بعرض خمسة  امتار لكنها اجتازت نصفه بخطوتين صوبنا.  انصدمنا  للمشهد و تسمرنا  للحاله ولشده الدهشه هرولنا  في اتجاهين متعاكسين بسيقان شقت الريح  والرصيف  بسرعه البرق  من هول المفأجأء  ,كان الخوف الاكبر  ان  يرانا شرطي ساعتها سيكون للامر تفسير ثان لكن للصدفة محاسن   . بعد ثلاث ساعات  في   الليل عند بيت شاكر  التقينا  و جلسنا نتذكر التفاصيل  و نتخيل   ام الفتاة تقبض علينا . ظل شارع  بيت الفتاة لخمسة اشهر محرم علينا خوفا ان تمسكنا  امها  وترسل  جلدنا للدباغ 
ماض دبق فية حلاوه  شهيه  ومراهقه لذيذه رغم خطورتها استعرضته كشريط جميل تدفق كشلال  سلس    يحوي حزمة صور رائعه  .فواصل   لم استطع التخلص منها  .تحاصرني وتنز برأسي كحشره تعاني الصرع . راجت في ذهني  فكره التنزه لعل بالي يهدأ. ارتديت ملابسي ونزلت الشارع . تركت الشقه بفوضى واضطراب . كانت المدينه مكتضة بالبشر وصخبها  يصل هامات الشقق   . المصابيح  الملتويه تشكل قوس قزح ترسل انوارها  على الوجوه فتعكس بريقا أخاذا . شباب ببناطير جينز تجمعوا  على المحال والبارات فيما جلس اخرون بالمقاهي  المنتشرة  على الارصفه غير عابثين بالحياة وما يدور بخلدي . سرت بينهم ببطء وروية  اتمعن  طريقة تصفيف الشعر و تناسق الالوان  المزكرشه على اجسامهم  .جماعات وشلل واكوام بشريه  لاتختلف الواحده عن الاخرى الا بطريقه  اصدار البهجه والاستمتاع بها  . كانوا متكاملين بالصفاء و متناغمين بالالق و مسكونين بالعبثية .خففت خطواتي فاحسست بثقل جسدي  . كنت ضائعا وسط الزحام  تائه وغريب لااعرف مااريد .شعرت بدوار في رأسي فلجأت لبقال في وسط الساحه لشراء كأس قهوه حلوة, شعرت بمرارتها بحلقي  فرميتها غب اول رشفه .فكرت الذهاب  لنهايه الشارع لااشارك المتجمعين  بالحديقه المكشوفه  فرحهم لكني عدلت  بعد خطوتين .استدرت للخلف . رجعت شقتي حيث لاشيئ متغير.  نفس البؤس والاغاني  والمراجيح منذ عده اعوام  .  رميت جسدي الناحل علي كرسي  مادا رجلي باستقامتها .   
جاءني نعاس رخو. فتراءت امي  تلفني بعيونها الخضراء  و تفتح ذراعيها لتمسح وجهي .حضر ابي يلحيته البيضاء وشعره المجعد يربت على كتفي , ثم التم حولي اخوتي السته فيما لاذت تحت ابطي اختي ذات الظفائر السود  لتقرصني  كعادتها   في خاصرتي فاضحك من شده غيرتي  .تغمقت التفاصيل وامتلاءالجو الباهت  بالتداعيات  . انقطعت صلتي بالحاضر . صارت الاطياف تتمزق اشلاءا وتتناثر اشباحهها  في كل الاتجاهات  .ازدادت الظلمة وخفتت صوت الاسئله البراقة . خبا ضياء المصابيح فقط دموعي كانت تتلالآ ببريق اخاذ وهي تتساقط  على جسدي الذي بدأ يتراخي شيئا فشيئا بينما تتصاعد  في الخارج  صيحات الشباب  واغانيهم الملونه و هم يرقصون في ليله استقبال عام جديد



  nashmandwee@homail.com
  نشأت المندوي (ديترويت امريكا) (2009-09-02)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

النجس الشرقي-نشأت المندوي (ديترويت امريكا)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia