رمتني بدائها وانسلت-هايل علي المذابي (اليمن)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

رمتني بدائها وانسلت

  هايل علي المذابي    

 (رمتني بدائها وانسلت ) مثل عربي قديم يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه ويقابله في ثقافة اليوم ما يسميه الغرب بـ(الاسقاط) والذي عرف بأنه عملية دفاعية لا شعورية يعزو فيها الفرد (أو الجماعة ) دوافعه وأفكاره وأفعاله المشحونة بالخوف أو غير المقبولة منه إلى الغير تهربا من الاعتراف بها أو تخفيفا لما يشعر به من الإدانة الذاتية ومن الألم أو التوتر النفسي ، ويعد الاسقاط في هذه الحالة من أساليب التبرير والدفاع عن النفس.
إننا ندرك من هذا علة عدم فطن البخيل لبخله ونسبته البخل لغيره ، كما ندرك أن أكثر من يدعي الفضيلة هي البغي وإنكارها صفة البغي على نفسها ونسبته إلى غيرها وكراهيتها لمثل هكذا وصف أن يطلق عليها وكل ذلك وغيره يعلله الاسقاط وندرك أيضا وهو الأهم ما حمل فيكتور هوجو في كتابه (اساطير القرون ) في القصيدة الأخيرة من مجموعة القصائد المعنونة بـ(محمد والأرز ) ما حمله على ادعاء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي شبهه بالقديس بولص ولقبه بـ(شيخ الإسلام ) هدم أربعة آلاف كنيسة خلال عمليات الفتح في بلاد الشام ، وبنى من بقايا أحجارها وحطامها ألفا وأربع مائة مسجد.
والاسقاط والتجني في ادعاء هوغو على سيدنا عمر واضح ويكفي أن نعرف الفترة التاريخية التي عاشها هوغو وكتب فيها نصوصه وما دار فيها من أحداث وخلاف ذلك أن فيكتور هوغو كان كاتبا روائيا وشاعرا وليس مؤرخا تاريخيا.
- ولد هوغو سنة 1802 م وتوفي 1885 م وهي فترة احتلال فرنسا للجزائر.
لقد سقطت حصون مدينة الجزائر وأمليت على الداي شروط التسليم، وفي صباح 5 تموز (يوليو) 1830م دخلت القوات الفرنسية المدينة العتيدة ولم يراع البند الخاص باحترام الشعائر الدينية كما نصت المعاهدة حينما حول الفرنسيون المسجد الكبير إلى كاتدرائية ، لقد كان الإسلام هدفا كبيرا أمام الفرنسيين: إذ كان الاستعمار الفرنسي استعمارا صليبيا ، كما أعلنوا ، ومن ثم كانت أولى أعمالهم هدم المساجد الأثرية الرائعة وتحويلها إلى كنائس .. وقف الجنرال روفيجو يشير إلى الفرنسيين باختيار مسجد من مساجد الجزائر ليصير كنيسة ، فأشاروا عليه بجامع (القشاوة ) وهو من أجمل مساجد البلاد وأروعها ، وكان في المسجد أربعة آلاف مسلم ، انقض عليهم الفرنسيون وذبحوهم عن آخرهم ، وهم يعتصمون ببيت من بيوت الله وفي 18 ديسمبر من عام 1832م كان المسجد كاتدرائية الجزائر ، ولقد حولوا -غير هذا المسجد - مساجد أخرى كنائس مثل مسجد (القصبة) وهو من المساجد التي ترتبط بها ذكريات إسلامية مجيدة،
وبغض النظر عن سيرة الإسلام التاريخية المتسامحة مع اتباع الديانتين المسيحية واليهودية وكذلك سيرة عمر والعهدة العمرية كل ذلك لا نحتاج لذكره لا لشيء إلا لأن الجميع يعرفه وأكثر، ويبقى أمر آخر يفسر تجني هوغو وادعاءاته عدا الاسقاط وهو (مفاهيم الاعماق ).
فهناك جملة من المفاهيم لدى الإنسان مغروسة في أعماقه ، موجهة لميوله ومؤثرة في سلوكه تظهر من حين إلى آخر في مواقف معينة عبر أقوال وأفعال وهذه المفاهيم هي التي يطلق عليها مفاهيم الأعماق.
والذي يجري داخل الإنسان هو أن الفكر الذي ينظر له يريد أن يطبقه ويمارسه قد يصطدم بمفهوم من مفاهيم أعماقه يناقضه ويدفعه فيصعب في هذه الحال تصديقه أو الاقتناع به.
وقد أشار سيجموند فرويد إلى هذا المعنى بناء على تقسيمه للنفس البشرية ودوافع السلوك الإنساني ، فقال بفكرة (زلة اللسان ) وهو الخطأ الذي يجري على لسان الإنسان بناء على طفو مفاهيم الأعماق لديه المخزونة في اللا شعور ، وقد جاء في الأثر الإسلامي (ما أضمر أحدكم شيئا إلا أظهره الله على صفحات وجهه أو فلتات لسانه).
ولو أخذنا بهذه النظرية وطبقناها على تصريحات الساسة الإعلامية وغيرهم من الغربيين لوجدنا أن مفاهيم الأعماق تجاه المسلمين سلبية مثال ذلك مناداة بوش الصغير بعد أحداث سبتمبر 2001م بـ(حرب صليبية ) اعتبرت زلة لسان منه تراجع عنها ولكن كيف نفهمها على ضوء تفسير فرويد المعتمد عند الغرب في التحليل النفسي؟ ومثال ذلك أيضا قول برلسكوني بأفضلية الحضارة الغربية الذي اعتبر زلة لسان وتراجع عنه فكيف نفهمه على ضوء التحليل الفرويدي؟ والأمثلة على هذا كثيرة لا ينكرها نزيه.
والحاصل أن مفاهيم الأعماق لدى الغرب عن الإسلام والمسلمين أقوى من أن تزيلها نظرية التسامح وأعمق من أن تمحوها فكرة احترام الآخر وقبوله لأنها فكرة متجذرة في النفوس والعقول منذ مئات السنين.
والنتيجة هي بتعبير الدكتور مراد هوفمان هي: (أن الغرب يتسامح مع كل المعتقدات والملل حتى مع عبدة الشيطان ، ولكنه لا يظهر أي تسامح مع المسلمين ، فكل شيء مسموح به إلا أن تكون مسلما.(1)
ومما تجب الإشارة إليه أننا نقول إن مفاهيم الأعماق السلبية عن الإسلام موجودة منذ مئات السنين ولا نقول بعد 2001/9/11 م لأن الحقيقة هي أن أحداث سبتمبر وما تبعها من تغيرات عظمى في السياسة العالمية والمحلية أظهرت مفاهيم الأعماق ولم توجدها ومن الشواهد على ذلك ما يلي:
- يقول المستشرق الشهير غوستاف لوبون: (تراكمت أوهامنا الموروثة ضد الإسلام بتعاقب القرون وصارت جزءا من مزاجنا وأضحت طبيعة متأصلة فينا تأصيل حقد اليهود على النصارى الخفي أحيانا والعميق دائما) (2).
ويؤكد ليوبولد فايسن هذا بقوله: (إن روح الحروب الصليبية ما تزال تتشكل فرق أوروبا ولا تزال تقف من العالم الإسلامي موقفا يحمل آثارا واضحة لذلك الشبح المستميت في القتال). (3).
ويقول المستشرق فان كونجز فالد: (من أراد في الغرب الدخول في نقاش حول الإسلام فإنه سيواجه عقدة مستمرة من المفاهيم التي قد سبق وتشكلت في أغلبها منذ الأجيال السابقة). (4).
ويقول الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية نيكسون: (يميل كثير من الأمريكيين إلى تصور المسلمين على أنهم نمط واحد من الناس غير المتمدنين غير النظيفين المتوحشين وغير العقلانيين وعلى الغالب لايلفت انتباهنا فيهم سوى أن بعض زعمائهم لهم الحظ السعيد في أنهم يحكمون أقاليم تحتوي في باطن أرضها على ثلثي الاحتياطات المؤكدة من النفط في العالم. ليس هناك شعب حتى ولا الصين الشعبية له صورة سلبية في ضمير الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي.(5)
وتقول كارين ارمستونغ في كتابها (محمد: سيرة نبي) لدينا في الغرب تاريخ طويل من الحقد والعداء تجاه الإسلام ، ولكن هذه الكراهية ما زالت تزدهر وتكبر على جانبي المحيط الأطلسي ولا شيء يمنع الناس من مهاجمة هذا الدين حتى وإن كانوا لا يعلمون عنه شيئا. (6)
ولا ننسى التصريحات الشهيرة للمستشار الألماني شرودر عقب أحداث سبتمبر 2001م حيث اعتبر الهجوم على أمريكا هجوما على العالم المتحضر ولبرلسكوني الايطالي عقب الأحداث نفسها حيث قال: (إن الحضارة الغربية أعلى وأفضل من الحضارة الإسلامية) وكلاهما أجج نار حرب وأوقد شعلة صراع حضارة فقد نسي شرودر أن القول بأن العالم الغربي متحضر مرفوض لأنه يفيد عدم تحضر الغير وهو يعني استعلاء على بقية الحضارات وانتقاصا من قدرها وهي فكرة مناقضة لنظرية التسامح ، كما نسي برلسكوني أن القول بعلو الحضارة الغربية وأفضليتها يناقض نظرية التسامح التي تنص على التسوية بين الحضارات وعدم وجود أفضلية بينها.
- يقول كلود لفي ستراوس أن المختلف بثقافته لا يعتبر فقط غريبا بل أيضا بربريا فالغريب هو الآخر بالنسبة إلى الأنا هو من ينتمي إلى ثقافة مختلفة والبربري هو الغريب الذي موضعه في مرتبة أقل من الإنسان .. لذلك يسمي كلودلفي ستراوس مركزية اثنية الحكم المسبق الذي لا يحكم قيميا على ثقافة أخرى إلا بانطلاقها من ثقافته الخاصة وهذا يعني أن المركزية الأثنية بالنسبة للوعي الجماعي هي عند كلود لفي ستراوس (نظير الأنانية بالنسبة للوعي الفردي).
لذلك يدعونا ستراوس إلى التسامح مع الثقافات الأخرى وأن نتعلم تقبل اختلافات الإنسانية وذلك ما يسميه بالنسبية الثقافية ، فليس هناك ثقافة لها الحق في النظر إلى ذاتها باعتبارها أرقى من الثقافات الأخرى ، ولذلك يقول ستراوس (إن البربري هو ما يعتقد في وجود البربرية)، فمن وجهة النظر الانثروبولوجية ليس هناك سلم مفاضلة بين الثقافات وإنما هناك تنوع نسبي بين الثقافات ومفهوم التفوق الثقافي ليس إلا وليد الحكم المسبق الذي تمثله المركزية الأثنية أو الميل لاعتبار ثقافتنا الخاصة نموذجا للإنسان.



 
  هايل علي المذابي (اليمن) (2009-09-14)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

رمتني بدائها وانسلت-هايل علي المذابي (اليمن)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia