في القطر المغربي شعراءُ أمازيغ كُثـرٌ يقولون الشعر إلهاماً.. تتدفق الكلمات الجميلة المُوحية من بين شفاههم تدفقاً.. يحترقون بلظى القريض احتراقاً فيعبّرون عن خوالجهم و أحاسيسهم تعبيراً مُنْساباً شفافاً يحمل الكثير من مَيَاسِم العذاب و الصدق و العمق و الفَرادَة.
في االقطر المغربي شعراءُ أمازيغ يقولون الشعر في صمتٍ.. يُكثرون من قرْضه، و لكنّ الناس من حَواليهم يَحْسِبونهم مُقِـلّين أو لا صلة لهم بعالم القصيدة.. اختاروا أن يكونوا شعراء و شواعر في الظل بعيداً عن أضواء الشهرة و عن إغراءات المُسْتقطِـبين و عن طقوس "الأدب المُـناسَـباتي "!
قد لا تُسْعفني هذه الأسطر على أن أسرُد لكم نماذجَ من هؤلاء الشعراء و الشاعرات، و لكن حَسْبي ها هنا أن أعرّفكم بأحدهم ممّن أعرف معرفة حقة اجتمع فيه ما تفرَّق في غيره.. اجتمع فيه الإحساسُ الصادق و التعبير المُتّزن البديع و التفاعُل المتواصل مع آهات الأنا و مع ظروف الآخر المحيط به و البعيد عنه معاً.. إنه الشاعر الأمازيغي الشابّ عبد الحفيظ الحَجُّوجي الذي رأت عيناه ضوءَ الوجود ذاتَ يوم من أيام 1975 بمدينة العروي (إقليم الناظور ) الواقعة إلى الشمال الشرقي من المملكة المغربية. في ريبرتواره الشعري قصيدٌ عديدٌ يمكن أن يستويَ في دواوينَ إن جُمِع (ثمة مجهودات و مقترَحات من بعض الباحثين للقيام بهذا العمل قريباً أو الإسْهام فيه). و قد بدأ في كتابة نصوصه الأولى أواخرَ الثمانينيات، و لكن انطلاقته الفعلية في دنيا الكلمة الشاعرة الناضجة كانت خلال النصف الأول من تسعينيات القرن المنصرم. و نظراً إلى قيمة مَقُوله الشعري، و حضوره المتميّز في عالم القصيدة الأمازيغية المعاصرة، رغم ابتعاده المستمرّ عن الأضواء البَرّاقة التي تُظهِر من تشاء و تقْبِر من تشاء، فقد اسْتُدْعِيَ مراراً للمشاركة في عدد من اللقاءات و المهْـرجانات في مدن مغربية كثيرة كالناظور و وجدة و فاس، و لاسيما في أوساط الطلبة داخل الكليات.
و لمّا كان الحديثُ عن كامل تجربة الشاعر عبد الحفيظ الحجّوجي الغنية في هذا الحيّز الضيّق غيرَ ممكنٍ، فقد ارتأيتُ أن أقفَ تحديداً عند أحد نصوصه المنتمية إلى بداياته الشعرية، و يتعلق الأمر بقصيدته "أَجْذِيذْ " (الطائر) المنظومة سنة 2000 ، و التي اشتغل فيها، بوعي و عمق واضحين، على ثنائية الأرض/السماء أو القيد/الحرية بلغةٍ رصينة، و بإيقاع رنّان. و وُقوفي عند هذا النص لن يكون بالتحليل و المقارَبَة النقدية، بل سيكون ترجمة له إلى العربية لتعريف القارئ العربي بالشاعر و بعض شعره عَلَّ هذه الخطوة تكون مُحَفّزاً للدارس و الباحث عن كنوز الشعر المـــغربي المـعاصر المكــتوب باللــسان الأمازيــغي للنـّبْش في هذا الشعر المـتمــيّز قوالـبَ و موضــوعاتٍ، و استكْــناه دُرَرِه، و سَبْـر أغْــواره، و ملامَسة أبعاده المختلفة.
قصيدة "أجْذِيذ" باللغة الأمازيغية (لهجة تَرِيفِيتْ)
1- ضُـــو أيَجْـــذِيذ ذﮔ جَـنّا وَدْجـــي وِشْ غَيَــطْــفَـــــنْ
2- ضُـــو أيَجْـــذِيذ ذﮔ جَـنّا وَدْجــــي مِـــشْ غَــيْرَقْـفَـنْ
3- ثَــمْـــوَاثْ ذيْـــسْ ثِسَـــنْدَشْـــتْ ثـمْواثْ ذيْسْ إنَدّايْنْ
4- ثَــمْــوَاثْ ذيْــسْ يَـنِّي إيَمّانْ ذﮔ ضُورَانْ ذﮔ ذمْرَاوَنْ
5- ثَــــمْوَاثْ ذيْــــسْ ثِـخَـشْــفــينْ نْ وَزْرَانْ إقََــــــذعَنْ
6- ثَــــمْوَاثْ ذيْـــــسْ رَقـْـفَـــــزْ إذِشْ تْــخَـــــــــــمّارَنْ
7- أزْري أنَّــــشْ ذِرَقـْــفَــــــزْ ذازْري إخَــــــــــــرّيقَنْ
8- أزْري أنَّــــشْ نْ تِــــذَتْ سُــهَــــزّي نْ وافْــــريوَنْ
9- أمْــــشانْ نْـــــتُوذاثْ أنّاشْ يَخْضاريثْ أوشِي خَرْقَنْ
10- وَنْ يَـــــخْسَـــــــنْ أثِــــبَـــدَّرْ وَسِّـــي مِنْ ثِــرَقْــفَنْ
11- ضُـــو أيَــــجْذِيذ ذﮔ جَــــنّا وَدْجـــي وِشْ غَـيَـطْـفَنْ
12- ضُـــو أيَــــجْذِيذ ذﮔ جَــــنّا وَدْجــــي مِشْ غَـيْرَقْفَنْ
13- وَحْــــذَشْ نِــغْ أكَـــرْفاﮔ ضُـــو ما مَــشْ ثَخْــسَضْ
14- رَذِجْ وَيْــــزَمَّ أشْ يَـسْــشَـــــنْ ما مَـشْ غاثَضْوَضْ
15- وِيزَمَّانْ أغاشْ دْ يَسْشَنْ وِيزَمَّانْ أغاشْ دْ يَسْوِزَّضْ
16- شَـــكْ ثـُـعْـــــــرِيذ ذﮔ جَــــنَّا رَذِجْ واشِـي تِــيوَاضْ
قصيدة "أجْذيذ" (الطائر) مترجَمَة إلى اللغة العربية
1- طِــــرْ ،يـــا طـــائرُ، في العَـــــليَـاءِ لا أحَـــــدَ يَأسِــــــــــرُكْ!
2- طِــــرْ ،يـــا طـــائِرُ، في العَـــــليـاءِ لا شَــــيْءَ يَضِـــــــيرُكْ!
3- فـي الأرْض فَـــخٌّ.. في الأرْضِ قــنَّاصُونَ يَتَـــرَبَّصونَ بِكْ!..
4- فـي الأرْضِ مَـــنْ يَــــصـــيدُ فــي المُـــرُوجِ و البَـــــرَاري..
5- فـي الأرْضِ شِــــــــــــــبَاكٌ حَــــدِيــدِيـــــــــــــةٌ حَــــــــادّةٌ..
6- فـي الأرْضِِ القَــفَـــصُ الــذي فـــيه يُــــــــــــــودِعُــــــــونَكْ!
7- جَـــمَالُـــكَ ،و أنــــتَ تَــقْــبَــــــعُ بين جُــدُرِهِ، جَمــالٌ زائِفْ..
8- جَـــمالُـــكَ الحَـــــــــقُّ في حَـــرَكةِ جَـــــناحَـــيْكَ انْـــــــتِـشاءًَ
9- مَــــــــــكانُ حَـــــياتِــــكَ اخْـــــتارَهُ لـــــكَ خَــــالقُــــــــــــكْ !
10- لا أدْري مــا دَهَـــى مَنْ تَـــطَــــاوَلَ عـــلى تـــبْديــــــــــلِهْ!
11- طِــــرْ ،يـــا طـــائرُ، في العَـــــليَـاءِ لا أحَـــــدَ يَأسِـــــــرُكْ!
12- طِــــرْ ،يـــا طـــائِرُ، في العَـــــليـاءِ لا شَــــيْءَ يَضِــــيرُكْ!
13- طِـــرْ ،يا طــــائرُ، كــما تَــــشاءُ: وَحــــيداً أوْ معَ سِـــرْبِكْ!
14- لا أحَــــدَ بــــــــقادِرٍ على أنْ يُـلــقِّــنَــــكَ أصُــولَ الطّـيَرانِ
15- مَنْ يَقدِرُ على الإشارَةِ إليْكَ؟!.. مَنْ يَقدِرُ عَلى مَدِّ اليَدِ إليْكْ؟!
16- أنْــــتَ دَوْمــاً فـي عَـــــــلُ.. لا يَــــدَ تَـــصِلُ إليْــــــــــكِْ!!!