الاغتسال-نشأت المندوي (ديترويت امريكا)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الاغتسال

  نشأت المندوي    

عبر مخاضٍ وحشي, تراءت الأشجار وهي تنوء من ولادة عسيرة. ثمة حزن حاد بدأ يسري في عروق الجسد المنهك، خيمّ بالقرية الجاثمة خلف النهر في تلك اللحظه من ساعات الغروب , حلمٌ وفرحٍ  خاص.
 تحت ظل الشجر الوارف بوسط الغابة ثمه امرأه تستلقي على ظهرها . ثكلى،  تلهث  . تناغي باسماء متقطعه   . على جسدها المتورم  ثياب ممزقه وانتماء مشوش   , وحيده , غريبة,. لا أحد يلملم أوجاعها أو يخفف من  تعاستها،  . حافية. متعبة ، في صدغيها دماء حارة،  فوق خاصرتها قيح ازرق مخضر  ,  مجار دموع وسخه حفرت على وجهها سرقت نضرة الوجنتين و عملت خطوط سوداء متشعبه
صدفه رآها صبية كانوا يلعبون ، ذعروا أول وهلة، خافوا من كبر بطنها وطول شعرها. بدت في حاله إغماء, كأنها قادمة من سفر طويل، تراجعوا، ثم ولوا الأدبار إلى بيوتهم، أخبروا أهاليهم.
قال شاب من أهل القرية: وهو يفتل شواربه الغضة, ماسحا عيناه على نصف النهد الأبيض ممن إلتم حولها, كان في العقد الثاني من عمره :
ـ غانية ومطارده بسبب إثمها.
أضاف آخر, بدت هيئته تكشف وضعه المزري. كان بلحية مجعدة،  وصل الموضع تواً، دون أن تزوغ عيناه عن فخذيها المفتوحين إلى حيث ملابسها الداخلية، وبصوت جهور:
-    حملها مرعب ومخيف قد تكون مضطهده، أمهلوني يومين لأتقصى أخبارها.
 فيما أردف رجل طاعن بالسن ذو شيب أبيض, يعتمر كوفية حمراء مخططة يلتحف عباءة, يتكأ على عصا. له عينان تبلع بحارا من الصبر. جاء من خلف الجموع، اومئ لهم بعصاه أن يشقوا طريقاً له إليها:
- سنسمع قصتها بعد الولادة. أرجوكم التزموا الهدوء.
وصلها الشيخ, تتبعه زوجته. تأملاها, نزع  عباءته وغطاها، نظر  زوجته . تهامسا بإشارات بدت مفهومة من كثر الاستخدام . استدار نحو الجمع، أمرهم بالتفرق. عدا أربع نسوة أمرهن بحملها لباحة بيته حيث الخيمة المعدة للضيوف.
سويعات قليلة, كانت المرأه فوق فراش من قش ترتجف بشفاه زرق، امتلأ رحمها بالأوجاع .علا صراخها، فزغردت النسوة اللاتي جيئ بهن لمساعدتها على إخراج مولودها، طارت عصافير حول الأشجار وهبت رياح تحمل رسائل من قبور الناس الذين ماتوا بلا ألم.
تنفست المرأة الصعداء فالتفّ أهل القرية حولها،  شاع خبر عاجل أن المرأة جنّ لأن ساعة ولادتها تأخرت كثيرا، لذا زينوا أزقة القرية بتماثيل طينية، وعملوا طقوسا غريبة وقالوا:
-    إن الوليد مازال يحلم، إنها ساعة الولادة وعلى الكل المجيء.
 من فوق الأرض المنحدرة صوب القرية الوديعة. جاءوا ثانيه كالأمواج، التموا حفاة حولها، غنوا كوحدة واحدة واقاموا الصلاة بخشوع كأنه صفير إنذار للكون. أن مولد هذه المرأة الغريبة سيكون بركة ويمن، هكذا قالوا، لذا ذبحوا القرابين ولفوا جسدها بقماش مزركش بالطير, ابتهلوا بدعاءات ممزوجة بتراتيل دينية. دبّ  هسيس حكايات واشاعات  مضطربة  حول المرأه تناقلتها ألسنة النسوة  الجالسات على عتبات البيوت وبين الازقه  بشجاعة مصطنعة وخبث متعمد .
الزمن يتباعد بهدوء لزج ولاشيء يعكر صفو الغروب سوى همسات الصبية الملتفّة حول الجسد المسجى على القش.
في منتصف الليل ابتدأ القمر بالاغتسال. اصطف أهل القرية حولها صفين،  في الصف الأول نساء وصبيان بينما تعالى ضجيج عال من الصف الثاني, حيث يلتحم الرجال إلى الخلف وينثرون ورودا مغمسة بالحناء.
تصاعدت تراتيل دينيه عبر إيقاع طبل راقص، اختلطت بصراخ المرأة حيث لايدركها الوليد الآتي, يا له من طفل جميل، اقترب المخاض, بانت الساعة، فزانت في فضاءات القرية مراسيم الولادة.
جاء الطفل. تقاذفته النسوة بنشوة, علت أفواههّن زغاريد و باتجاه السماء رفعن وجوههن  ، من جبين المرأة نزل عرق مدرار امتزج بخصلات شعرها الملتصق على رقبتها. أحست بطعم الملوحة وبكاء مولودها، فانغمست روحها ثانية في احتضار قادم لم يحسه الاخرون، ارتجفت ، طلبت ماء، فجيئ بإبريق منه ، بللت شفتيها  وأنزلت  قطرات عده في جوفها اليابس.
انبزغ الغسق يحتضن سماء القريه , وأطل المجهول بعد مخاض مر، فاصطفوا من جديد، هدأت أهازيجهم و طأطأوا الرؤؤس، التزموا السكوت, وبدت صرخات الوليد تتصاعد نحو الفضاء ليأخذ معه الأم الحلم.
لاذ صمت خرافي بعد صعود الروح. أطبق الفجر  على وجوه الصبية و لف النساء المتشحات بالدهشه والانتظار ريح ملوثه، وشيئاً فشيئاً تحول صراخ الوليد إلى ضحك متواصل وأخذ يتعالى و يتعالى. ويا له من طفل جميل إنه قدر القرية الجديد



  nashmandwee@hotmail.com
  نشأت المندوي (ديترويت امريكا) (2009-09-16)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الاغتسال-نشأت المندوي (ديترويت امريكا)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia