جنون التعصب الحزبي (3 من 3)-محمد اسحق الريفي(فلسطين)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

جنون التعصب الحزبي (3 من 3)

  محمد اسحق الريفي    

يزعم المتعصب أنه يمتلك ناصية الحقيقة، وهذا خطأ، فلا أحد يستطيع الادعاء أنه يمتلك الحقيقة، فنحن لدينا فقط صورة عن الحقيقة، ويعتمد مدى قرب هذه الصورة من الحقيقة على عقولنا، وأفكارنا، وعواطفنا، والظروف المحيطة بنا، والزاوية التي ننظر بها إلى القضايا.  وما دام الناس يختلفون في هذه الأمور، فلديهم صور مختلفة عن الحقيقة، ولهذا ينشأ الخلاف بين الناس في الآراء والمواقف.  والتعصب الحزبي هو طريقة غير صحية للتعامل مع قضية الاختلاف في المواقف والآراء، إذ الأولى بالمتعصب أن يحاول الاستفادة من وجهات نظر الآخرين لإدراك حقائق الأمور، وتكوين صورة حقيقية للقضايا والأمور.

وحتى إذا لم يسعف المتعصب عقله وخبرته والمعرفة التي يمتلكها في إدراك الحقيقة، فعليه أن يبقي باب الحوار مع الآخرين ومحاولة الفهم وتنبي مواقف صحيحة مفتوحاً على مصراعيه، لأن إغلاقه يعني اليأس وتخطيء الآخرين لحد تكفيرهم، وعدم إعمال العقل في القضايا والأمور، والحرمان من الاستفادة من التفكير الجماعي والشورى وحكمة الحكماء وخبرة الخبراء في كل المجالات، ولا سيما السياسية، التي تتطلب ديناميكية في التفكير والمواقف، وقدرة كبيرة على التحليل المبني على استقراء الماضي واستشراف المستقبل.

ومما ينبغي الإشارة إليه هنا، أن خطر التعصب الحزبي لا يؤدي إلى توتير العلاقات بين الجماعات والأحزاب في البلد الواحد وتدهورها فحسب، ولكنه يصيب أيضاً الجماعة نفسها التي تضم متعصبين حزبيين لها، حيث يؤدي التعصب إلى قطع الطريق على الاستفادة من طاقات الأفراد في الجماعة الواحدة.  فالانغلاق الفكري الناجم عن التعصب الحزبي يفقد الجماعة قدرتها على الاستفادة من الأفكار الإبداعية، لأن المتعصب يقمع أفكار أبناء جماعته إذا لم تكن متوافقة مع أفكاره، ليثبت لأعضاء جماعته أنه صادق الانتماء لجماعته، وأنه حريص على مبادئها وأفكارها ونهجها، وليثبت لنفسه ولغيره من أعضاء جماعته أنه أهل للقيادة وتحمل المسؤولية، وأن استخدام نفوذه في صد الآخرين وتحجيمهم وإبعاد شبح منافستهم له مبرر بحرصه على الجماعة.

كما يميل المتعصب الحزبي إلى إقصاء أبناء جماعته الذين يمارسون النقد الإيجابي بحرية، ويناقشون المواقف والقرارات والممارسات، ويقترحون اقتراحات غالباً لا يستطيع عقل المتعصب استيعابها، ويقتل عندهم ملكة التفكير الإبداعي، لأنه يخاف من الأفكار الإبداعية، ويظل ملتصقاً بالأفكار التقليدية، التي قد تكون خاطئة وتحتاج إلى إعادة نظر فيها.  ولذلك فإن التعصب الحزبي شر على الجماعة التي ينتمي إليها المتعصب، وعلى الجماعات الأخرى وعامة الناس وكل فئات المجتمع والأحزاب التي تنشط فيه.

ولكن كيف يمكن معالجة جنون التعصب الحزبي؟!

من وجهة نظري المتواضعة، أرى أن العلاج يتكون من شقين: شق نظري، وشق عملي.  أما الشق النظري، فيتمثل في تصحيح المفاهيم حول معنى الجماعة في الإسلام، فالجماعة في الإسلام لها مفهومان: مفهوم سياسي، ومفهوم شرعي.  والمفهوم السياسي هو الولاء والنصرة للمسلمين، بغض النظر عن الجماعة التي ينتمون إليها، ويقتضي هذا المفهوم طاعة ولاة الأمر وموالاة المسلمين ونصرتهم والدفاع عنهم وعدم الخروج على جماعتهم.  أما المفهوم الشرعي، فهو ما يشير إليه الفقهاء بـ "السنة والجماعة"، وهو الاجتماع على الأصول الثابتة في الكتابة والسنة والإجماع، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من لزوم الحق واتباع السنة.  وأنصح بقراءة موضوع نشرته إسلام أون لاين عبر موقعها بعنوان "مفهوم الجماعة: بين الضيق والسعة".

أما الشق العملي، فأقصد به المشاركة في الأنشطة والبرامج العامة التي تقوم بها وترعاها جماعات أخرى، كأنشطة الدعوة إلى الله، والأنشطة السياسية الهادفة لنصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين، والتصدي للعدو الصهيوصليبي وكل أعداء أمتنا.  وكذلك المشاركة في مؤسسات المجتمع المدني، وعدم تركها لمجموعات ممولة ومدعومة من الغربيين، ولا سيما تلك المؤسسات التي تتعلق بالتنمية الإنسانية وحقوق المرأة والحقوق الإنسانية العامة، وهي مجموعات تساهم في تحقيق أهداف الدبلوماسية الغربية الممولة لها، وتستخدم أداة لابتزاز الحكومات لصالح الغربيين وضد أمتنا العربية والإسلامية.

ولقادة الجماعات والأحزاب دور مهم في معالجة التعصب الحزبي، من خلال تعزيز التعاون وإيجاد فرص وبرامج وفعاليات تحقق التعاون بين أعضاء الجماعات المختلفة، فالتعاون يجب أن يحل محل التنافس السلبي الذي ينجم عنه نزاعات وصراعات تذهب ريح الجماعات وتبدد جهودها.



 
  محمد اسحق الريفي(فلسطين) (2009-09-25)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

جنون التعصب الحزبي (3 من 3)-محمد اسحق الريفي(فلسطين)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia