" أسئلة لوالدي "-محمد مباركي (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

" أسئلة لوالدي "

  محمد مباركي    

مسني جنون القراءة بعد منتصف الليل ، إذ يهدأ البيت من شقاوة الصغار و يدخل الكبار في بيات شتوي كالدببة ، إلا من الوالد يتهجد في غرفته الأرضية تحت ضوء خافت متناغم مع قدسية المكان ، و هكذا دأبه كل ليلة ، يناجي ربه و يدعو للأمة بالصلاح و النصر. أسمعه يهمهم ، فأتساءل،  أي نصر يا والدي في الزمن المشئوم ، شؤم أهله ؟ فهؤلاء الجيف ياستأسدون في القطاع أمام أعين الدول العظمى و الصغرى على السواء ، و هذا حارس  البستان المعلوم ، سيعتقلونه كاللص ، لن يفديه  أحد بالروح و الدم كما ينعقون بشعارات الزبل ، لن ينفعه صولجانه الملوكي . كيف ستكون صورته، مصفد اليدين، و قد زحفت الصفرة على لونها النيلي الداكن ، هل سيكفر عن ذنوبه ،  بإطلاق سراح المعتقلين  السياسيين ، قبل أن يصطادوه من جحره كالجرذ ؟
يا والدي  ماذا تقول في هذا التلاسن، لغة لغط  ،تبدأ به الجلسة الافتتاحية لقمة تنزلق إلى الحضيض
و تنتهي قبل أن تبدأ ، و ينفض المؤتمرون سكارى و ما هم بسكارى ؟
أدعو لي الله ، يا والدي ، أن يبرأني من جنون القراءة بعد منتصف الليل .
 أنظر لهذا الكاتب كيف يتحذلق كالمومس بين كلمات و سطور كتابه  مقالاته ، يتزلف للحاكم ليكرمه بمنصب وزير حقوق الإنسان ، أو وزير للسياحة من نوع خاص ، . هل أسميه مثقفا ؟ و الثقافة صفة ملازمة  للرفض . ماذا أقول لشهداء الكلمة الذين مضوا ، وقد قالوا " لا " للحاكم في عنفوانه و جبروته ؟ هل أحكي لهم عن دار لقمان كيف تحولت إلى ماخور تمارس فيه الدعارة السياسية . هل أحكي لهم عن المهذارين كيف يتفننون في التمسح بالأعتاب . شاهدناهم أمام منصات الخطابة يكسرون ألواحها بقبضاتهم الحديدية فيلهبون حماس من لا حماسة فيه. و بقدرة قادر أصبحوا ولاة أمورلا يحسنون سوى الضرب على طبل الاكراهات، حتى عافهم الناس .
يا والدي إن الزمن يحبو إلى الوراء ، و أنت تعجبني بخلوتك الصوفية ، تغترف من طواسين الحلاج    
الهيام و العشق الأزلي . أدعو الله أن يقبضك في المحراب مبتهلا لأبني لك ضريحا يصبح مزارا لأبنائك يدعون لك حتى لا ينقطع عملك . يا ناسكا وحده وحد الأحد، قد كثر أرباب الوثنية في وطنك ، ركوع
و سجود لآلهة من لحم و دم .
يا والدي أما آن لهذه الأمة أن تأخذ درسا في البناء ؟
 لماذا هذا القزم ،من ستينات القرن الماضي ، لا يتذكر إلا أحقاد  حرب البسوس في الصحراء ، كيف تحول إلى حاكم أثخن المرض جسمه و لا يريد أن يتململ ليعود إلى أرشيفه المغبر في أقبية النسيان . لماذا أ نفق ما جاد به النفط على تكديس أسلحة انتهت صلاحيتها، فلا هو استعملها ضد الجيف لما دخلوا القطاع  و لا هو باعها متلاشيات لشراء الخبز و بناء قاعات للدراسة ودور للسكن ؟
يا والدي ما لهذه الأمة ارتدت الجنون لباسا و تاهت في الغبراء ؟



 
  محمد مباركي (المغرب) (2009-09-26)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia