يتوقّف نذير جعفر في روايته الصادرة حديثا : "تحت سقف واطئ" عند مرحلة السبعينيات في حلب، بكل ما فيها من ألق ثقافي وأحلام وانكسارات وصخب وتحولات سياسية واجتماعية. وذلك من خلال مجموعة من الشخصيات الطلابية المتمرّدة والحالمة، والتي تخوض صراعا مع نفسها ومع الآخرين، محاولة انتزاع مكان لها في دوامة الأحداث التي عصفت بحياتها. وينهض السرد في هذه الرواية بضمير المتكلم فتتعدّد الشخصيات الرئيسة والثانوية بتعدّد الرواة، وتتحدّث كل شخصية عن نفسها حاضرا وماضيا، وعن شبكة علاقاتها الاجتماعية والعاطفية، وما تمرّ به من ظروف وأزمات وصراعات. ويمتزج الواقع فيها بالمتخيّل في رسم الشخصيات وعوالمها الداخلية، وفي تصوير المكان الحلبي بأبعاده الجمالية والتاريخية والنفسية وما يثيره من تداعيات بدءا من القلعة التي يسميها " الملكة" ومرورا بالأزقة والبوابات في الأحياء القديمة، وانتهاء بمقهى " القصر" الذي كان يشكّل الرئة الثقافية للمدينة، ويعدّ واحدا من الأمكنة التي شكّلت ذاكرة المدينة. ويتخذ المؤلف من حياة الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين وعدد من أصدقائه وأبناء جيله من الشعراء والمثقفين الرومانسيين محورا دراميا لعمله. وهو لا يكتفي بالتأريخ والتوثيق البيوغرافي لهؤلاء الأبطال أو لتلك الحقبة الاستثنائية في تاريخ سورية المعاصر، بل يستحضر الماضي بأبعاده وظلاله المتعدّدة في محاولة لفهم الحاضر وآفاق تطوره. وهي في النهاية رواية عن الشباب وأحلامهم الشاسعة، وعن الحب والخوف والتحدي في ذلك الزمن الجميل والقاسي الذي ما زال لوقعه فعل السحر في ذاكرة الجيل الذي عاش واكب أحداثه وعاش أدق تفاصيله.