يستيقظ الشهداء طيورا خضرا-محمود مرعي (فلسطين)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

يستيقظ الشهداء طيورا خضرا

  محمود مرعي    

في هذا النهار المتكرر منذ زمن ، يستيقظ الشهداء طيورا خضرا ترفرف فوق الجليل والمثلث والنقب وغزة والضفة ، وتأوي إلى المسجد الأقصى ، تطوف في جنباته وتمسح بأجنحتها ما علق بالمكان من غبار ( العابرين في كلام عابر ) ، وتفرش أرضية المسجد الأقصى وقبة الصخرة بريش أجنحتها فيأتلق بيت المقدس كله وأكنافه نورا ، وتفوح منه رائحة الجنة .
في هذا اليوم يرفع الأقصى رأسه شامخا في وجه نيرون ، يصرخ في وجهه ويقول بلغة فصيحة لا تلعثم فيها ، ها هم أبنائي وبناتي يقفون سدا في وجهك ، فاغرب عني الى جهنم ، لن يكون لك فيَّ موطئ قدم ، وأنا الأقصى لا أموت ولن أهدم ولن أهزم ، ها هي الجموع زاحفة بهاماتها الشامخة تناديني ، فلبيكم يا أهلي لبيكم.
في هذا اليوم يطل علينا الشهداء من خلف السدم ، يسيرون بيننا ، يشاركوننا الحياة التي رسموا لنا معالمها منذ رحلوا عن الدنيا واستقروا في قلوبنا وأرواحنا .
اليوم يتوافد شهداء الوطن منذ القسام ، إلى قبة الشيخ الشهيد أحمد ياسين في موكب كبير متعانقين ، يتحلقون حوله ، في درس فريد ، يستمعون إلى النشيد الذي عزفه الشيخ عز الدين القسام يوم غادر جامع الاستقلال في حيفا ، إلى أحراش يعبد " إنه جهاد ، نصر أو استشهاد " .
نشيد توارثه الناس منذ عزفه القسام إلى يومنا ، وما زال اللحن يتجدد ، ولا يزيده تقادم الزمن إلا بريقا ورونقا .
هذا اليوم سار الشهداء في مقدمة المتظاهرين في الجليل والمثلث والنقب والضفة وغزة ، ملوحين للجموع بالرايات المجيدة المخضبة بحناء شرايينهم ، تحفهم الزغاريد من كل صوب ، ويتقدمهم الشيخان الجليلان القسام وياسين بكل بهائهما ، وهيبتهما التي لم يستطع نيرون أن ينال منها .
يطوف الشهداء منذ الصباح وما زالوا ، فوق الربى الخضراء يروونها لتبقى خضرتها ورائحتها الفلسطينية ، يسقون براري البلاد بالأحمر القاني ، فتثور البراري ويهيج ربيع الجمال .
يمسح الشهداء اليوم دموعا ما زالت تسيل من الأوقاف والمآذن التي يحاصرها ( العابرون في الكلام ) ، ويصلون تحت ظلالها فروض الصلاة ، ويرتلون ما تيسر من آيات الشهادة والفخر والعزة ، كما كانوا يرتلون .
يتلفتون ويحدقون في الجهات ، يطيلون التحديق في وجوه الولاة على امتداد لغة الضاد ، ويبكون ، ثم يرتحلون إلى قبابهم النورانية وفي نفوسهم غصة ،وعلى ألسنتهم وصية لنا : لا تخذلونا يا أبناءنا ، لا تخذلونا .



 
  محمود مرعي (فلسطين) (2009-10-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

يستيقظ الشهداء طيورا خضرا-محمود مرعي (فلسطين)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia