صاحب الجسد المكور-محمد مباركي (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

صاحب الجسد المكور

  محمد مباركي    

فاضت البلادة دوما من هذا الجسد المكور الرابض أمامي ، الجالس إلى مكتب وثير في قاعة فسيحة ، مؤثثة بتحف مستوردة من بلاد العجم بالعملة الصعبة مسروقة من وعاء ضريبي ، يملأه الصغار قبل الكبار .. أبطأ صاحبي في الكلام ، و دفن أنفه القصير المدبب في كومة من  الملفات ، يتأملها بعينين عمشاوين في استرخاء و لا مبالاة .. تركني متعمدا أنقل نظراتي المكسورة بين التحف و الستائر
 و المكيف الهوائي ، ليباغتني بسؤال خرج بصوت قريب إلى الصهيل " ماذا تشرب ؟ .. عصير؟ " هززت رأسي لا أدري إن كان  بالإيجاب أم بالرفض ، فالدهشة عقدت لساني ، و تناسلت معها تساؤلات خاطفة كالبرق ، " كيف صنعت البلادة هذا العز ؟ "
  " كيف أمكن للجسد المكور تسلق الدركات و كتابة عبارة السيد مدير ..؟ "
كان صمت مسافة المكتب قاتلا ، يفصل بين كيانين متناقضين ، يبعث في جسدي هزات الغيرة و الحنق بأقصى درجات سلم  رشتر، حاولت أن أحبس مشاعري و أداريه في بله ، و التحكم في اصطكاك أسناني بالكز عليها عبثا . سألني ، رافعا عينين مثقلتين بالسهر ، " ما بك ؟ " قلت متلعثما " إن درجات الحرارة منخفضة في مكتبكم يا سيدي " قهقه بضحكة مجلجلة قريبة ، هذه المرة ، إلى النهيق ليسحق ما بقي من حلم " معاوية " . تجوفت غيظي طمعا في تحقيق غرض لغيري و ليس لي .
و تراءت لي مدرسة " ابن بسام " ،  في حي الطوبة الخارجي ، كصحن جاثم بأقسامها الخربة و مقاعدها المتهالكة ، و المقعد الأول على اليسار ، أجلس إليه و بجانبي صاحب الجسد المكور ك "حجرة المحافظة ، صم بكم عمي " ، لا يتحرك ، لا يجيب ، لا يكتب صحيحا ، لكنه يتفنن في النقل ، و يحفظ قاموس الاستجداء ، يستجديني كمتسول محترف . أتركه ينقل مما أكتب و ليس كل ما أكتب ، أحرص على ألا يقاربني في النقط ، بالكاد أسمح له بالمعدل ، فيرضى مغتبطا  ، و المقابل فاكهة التفاح و الموز أو رغيف خبز أبيض محلى ، هي أسماء تتجاهلها أمي  كلما ركبتها في جمل مفيدة متعمدا ،و لا تتبضعها من السوق ، رأيتها تشيح بوجهها كلما رمقتها مصفوفة تنادي بالإغراء ، أبلع ريقي و أحس بذرات التراب تملأ فمي . و تكتفي أمي بالخضار دون الفاكهة ، حتى يشرف الباعة على الرحيل و التخلص مما بقي تحت أيديهم بأي ثمن ، يكون مغريا في الغالب .
و صاحب  الجسد المكتنز المكور، ببطنته ، يغفو جالسا  في  الحصة المسائية ، يباغته المعلم
 سي"الميلود" بصفعة على قفاه القصير ،أصيب من جرائها برجفة الرموش  ،لا زالت تلازمه لحد الآن .
************************
فرقنا التخصص في الدراسة ، و لم أكن أراه إلا لماما ، كنت أقابل ترحيبه و حذلقته بشيء من النفور، كان ثقيلا كالجرف الأخضر، تنبعث من  جسده المكور رائحة السمك العفن في أرصفة موانئ الصيد التقليدي . أحس بنفوري منه في أروقة الجامعة ، لما كانت حمى النضال تسري في عروق  أجساد حالمة بفجر ملون بألوان الزهو و الناطقة بلغة التخريب ، تكتب اللافتات المعادية للجور ليلا لترفعها سواعد التحدي نهارا ، و صاحب الجسد المكور يراقب الوجوه الهائجة ليكتبها أسماءا و عناوينا ، بل ليرسمها صورا تقريبية ليلا و يسلمها ل " أيادي أمينة " تحفظها من كل سوء .
الله .. الله يا صاحب الجسد المكور كيف كنت و كيف أصبحت ؟
و قدم لي كأس عصير في خبث و قال لي " اشرب " قلت شاكرا " معدتي مقرحة منذ أيام السجن " رد ،
 و قد هزته كلمة سجن، " تلك أيام قد خلت ، اشرب ، فطعام المؤمن شفاء ". فشربت مكرها ككرهي لنفسي التي ساقتني لأمثل أمام صاحب الجسد المكور ، طامعا في تحقيق غرض إداري لغيري و ليس لي ، لا أعلم إن كان سيتححق أم لا .



 
  محمد مباركي (المغرب) (2009-11-10)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

صاحب الجسد المكور-محمد مباركي (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia