هاتف

تولدت لدي أفكار عديدة وأنا متجه ناحية قصر الطاهرة التاريخي لألحق بموعد أستاذنا الروائي الكبير الدكتور السيد نجم وكأن رنين الهاتف يخاطبني في حميمية خاصة بل يلح علي في التوقف بعض الشيئ لمعرفة نوع المكالمة الطويلة التي فرضت نفسها دون سبب تفسيري ، فوجدتني بين عالم الأمس بكل مفرداته التي فتحت لي الباب على مصراعيه لمكاشفة حقيقة وألف حقيقة بين نبض غيرقابل للتحريف بمسمى بهلواني !.. كنا نعد العدة للقيام بدور كبير وغير محدد بوقت وزمن كي نعيش في قلب عالم وعالم بروح المبتكر دائما والحضارة التي ينهل منها الجميع الحرف الأول من رسالات وطن .. الوطن العربي يتصدر العالم بوعي الملهم لكل ما هو جدير بالتوقف والبحث عن مكنون علمي مائة في المائة ليبدأ بحلم تصنيع سيارة عربية تحتوي كل الغرباء بمحركاتها السريعة وغير قابلة للاشتعال تحت أي مسمى أجوف وعلاقتها بالحلم الكبير في الصعود لسطح القمر!!
نعم الحكاية تبتدئ من البسيط حتي نصل للمعقد وهذه خصال العربي الكريم عندما يبدع، لايعرف واجهة أخرى من بلدان وحرف وموسيقى وزوجة وطابور يرحب في الوقوف به دون أدنى مشكل .. تاهت السيارة وتبدل الحلم لكننا لم نفقد الأمل في معالجة الموقف سريعا كي نلحق بقطار العمر في تساؤل جديد !

كم نتكلف وقتا ً وجهدا ً كي نحقق المحاولة ثانية دون أن نشعر بيأس وخاصة في ظل التصعيد النفسي من الآخر الذي يفتش كل دقيقة عن مصدرالمكالمة الهاتفية الحساسة وفي هذا التوقيت الحرج من رحلة زمن .. لكنها لحظة متوهجة بعبق هذا المكان الذي جال فيه وصال زعماء وساسة وقادة من الخليج إلى المحيط لكي يولد المعنى الحر من جوف الظلام .. طائرة تأتي وأخرى ترحل لكي يكتب لنا حاضر بين الأمم التي لم تضع الفرصة وتولد لها خاطراليقظة بل هاتف يحثها على مواصلة المشوار دون توقف مهما كانت كل المؤشرات التي تبدو سلبية لكي تسترد إرادتها وعافيتها قبل فوات الأوان لم تلجأ لعراف بل سعت من خلال مبادارة النداء بكل عزم كي تسطر الحرف الأول من فلسفة وطن .
توقفنا وعجزنا لذا وجدت قصرالطاهرة مهموما ً لكنه لم يفقد الأمل أن تعود له حيوية مريديه يوما ً لأنه يعرف قدرالتاريخ والرافد الثقافي الموروث الذي سوف يطرد العملة الرديئة مهما طالت السحابة السوداء .. تذكرت بعضا ًمن حروف مازالت تخاطبني بعفوية وتفرض نفسها من قلب قصرالطاهرة الذي شهد فاصلا ًمن فصول التاريخ وهو يحتضن نصرالأمة وهزائهما بكبرياء الذي يغفر الظرف الطارئ .. وكم تمنيت أن تكون أقامتي هنا لكي أكون قريبا ًمن قرار حتى ولوغاب أعواما ً وكي ألحق بموعد ـ( الدكتورالسيد نجم )ـ دون تأخير.. والذكريات تفرض نفسها لماذا لم نصنع طائرة عربية تطير بنا بلا تأشيرة سفر ويكون نداء قصرالطاهرة لها تحركي بلاخطوط حمراء .. نعم قد يكون مفعول المكالمة فنتازيا جدا ً في زمننا العولمي ولا ضرر من تجربة فن التعامل مع العقل والمكان بوعي تاريخي ومستقبلي لضمان ارتفاع الطائرة من عالم الأرض إلى عالم السماء بلا عقد وقوانين ملزمة لفرض نداء لم أسمع به .. وفضلت المضي إلى منزل الروائي الكبيرـ( الدكتورالسيد نجم )ـ وعيناي تحملان صورة مبدعة لقصرالطاهرة حتى كان النداء الآخر من الفاصل والدكتور نجم يرحب بي وهو يبتسم دون أن يسألني عن التأخير، ربما شعر بفراسة الكاتب ذي التجربة الصادقة بما مر بي وأنا في طريقي له لأهمية التاريخ ومفرده قصر .. منزل.. زقاق.. درب.. آثر.. هرم.. مسجد.. كنيسة.. معبد.. مدرسة.. جامعة.. قبور.. رموز.. شعراء.. ساسة.. أنتصارات.. هزائم.. فتن.. حكم.. الخ.
فجاءت ابتسامته عفوية كعادته وكأنه يكمل المعادلة من حوار الهاتف بعدما تناولنا فنجان القهوة سويا ً بتنهدة حب وعشق لوطن عربي كبير يحمل على عاتقه مفرد المقاومة لابديل عنها لكي يتحقق المشوار بوعي وعقل نابض بالزمانية والمكانية والتاريخية والعلمية التي تبلور مفهوم الوطن ؟

صدق ـ( السيد نجم )ـ الذي تشعر معه بالأمل والابتسامة لم تفارق وجهه الوسيم ربما انعكس عليه قصرالطاهره بجوائز تقديرية رفيعة المستوى فهو يسكن على بعد أمتار من هذا العالم .. عالم قصر الطاهرة والحوار يمتد بيننا من عطفة إلى أخرى بعمق الزمن وهو يسترسل في رحلة نصر أكتوبر عندما كان مجندا مع زملاء أعزاء ومنهم الدكتور بطرس .. والصيدلي ماجد .. وغيرهم يحلمون كل يوم معا ًبتحقق حلم قصرالطاهرة في صناعة طائرة عربية تطير بنا دون تأشيرة سفر!!.. هل كان يعلم بالمكالمة الهاتفية التي جاءتني فجأة دون إرادة مني .. ربما .. لكنه ظل يسرد الحكاية حتى اقترب الليل من منتصفه وكان لابد من مغادرة منزله بعد حوار شهي فرض نفسه بروح جديدة ومعها الرغبة في أدب علمي يلائم عصرا عربيا قادما لكي يتحقق نصر من نوع آخر كما تحقق نصر أكتوبر عام 1973 من القرن المنصرف ؟.. لابديل عن تغير الحلم بمفرد جديد كي تطير الطائرة بكل أمان ولاتسقط مع صوت محركها بمجرد التفكير في الطيران .. صدقت ياعمنا، وغادرت البيت وعيناي تلمحان بزوغ فجر قادم من قصر الطاهرة ومعه رواية "هاتف" ؟