د.محمد الدغمومي ل"طنجة الأدبية": -هناك مثقفون وقفوا في موقع بين المنزلتين - كل من يريد تبرير الوضع الراهن يتخلى عن دوره كمثقف-طنجة الأدبية
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حوار

د.محمد الدغمومي ل"طنجة الأدبية":
-هناك مثقفون وقفوا في موقع بين المنزلتين
- كل من يريد تبرير الوضع الراهن يتخلى عن دوره كمثقف

  د.محمد الدغمومي    

الدكتور محمد الدغمومي أستاذ التعليم العالي في مادة النقد والأدب الحديثين وعضو اتحاد كتاب المغرب (كان مسؤولا في المكتب المركزي وكاتبا لفرع الرباط)وهو متفرغ حاليا للبحث والكتابة، له عدة أعمال معروفة في النقد الأدبي عموما  ونقد القصة والرواية على الخصوص.صدرت له عدة روايات ومجاميع قصصية ،يقيم حاليا بين الرباط وطنجة. إلتقيناه وأجرينا معه الحوار التالي :


*في البداية، كيف ترى المشهد الثقافي المغربي حاليا؟
المشهد الثقافي في المغرب حاليا ليس غريبا على منطق الثقافة نفسها ومنطق المجتمع، فإذا كان للإنسان وضع وجودي طبيعي مادي، وهو في تحولاته وسلوكاته وحاجاته ورغباته يخلق مجموعة من الأفكار والعقليات والتعابير التي تنم عن وجود آخر هو الوجود الثقافي، أي كيف ينظر إلى حياته، كيف يضبطها، كيف يشرح رغباته، كيف ينجز ما يحلم به. إذن لنقل أن الوضع الثقافي يعكس الوضع الطبيعي للإنسان المغربي، هذا الوضع الذي يتسم بمجموعة من التناقضات التي نجد لها تجليات في المستوى الاقتصادي، في المستوى السياسي، في المستوى الديني، في المستوى الفني، في المستوى الفكري وفي المستوى التربوي...إذن لنقل إنه وضع قلق وملتبس لسبب أن المغاربة بقدر ما يتوهمون-كأي مجتمع- أن لهم مجتمعا موحدا بقدر ما أنهم لا يعرفون كيف يكون هذا المجتمع الموحد، على المستوى اللغوي، على السياسي، على المستوى الديني نفسه لأن هناك صراعا على المستوى الديني يتجلى على المستوى الأرتدوسكي أو السني أو الأصولي الذي يبلغ أحيانا درجة العنف والتكفير، هذه هي الأحوال التي يعيشها المغاربة بدرجة تتفاوت، كذلك على المستوى السياسي، أي مجتمع نريد؟ أي سياسة نريد؟ أي ديمقراطية نريد؟ أي تعليم نريد ؟ أي لغة نريد أن ندرس بها ؟ أي لغة نتحدث بها ،هل الفرنسية أم العربية أم الأمازغية ؟
إذن فالوضع الثقافي في المغرب، هو وضع قلق متلبس، لا من حيث اعتبار الوضع الثقافي مجموع ما ينتج من الأفكار و الكتابات و الفنون...الخ، و لا باعتباره مجموعة من المؤسسات التي تمثل الثقافة ، و لا باعتبار الوضع الثقافي مجموعة من القيم التي بدونها لا يمكن أن تتحدد المواقع الاجتماعية و تحدد من خلالها السلطة و تحدد النخب و ما يسمى المثقفون و المتعلمون و عامة الناس و المتعلمون و عامة الذين يقال أنهم ينتجون الثقافة الشعبية ، و هذه الأخيرة هي أيضا جزء من التناقض.

*يتهم المثقف المغربي حاليا بكونه لم يعد ملتزما كما في الماضي بقضايا المجتمع ، و أنه قدم استقالته من هموم هذا الأخير ،عكس ما كان عليه الأمر في الماضي ،ما رأيك في هذا الإتهام ؟
أعتقد أننا نستشعر التناقضات من ضمن مواقف المثقفين أنفسهم ،و هذا معناه أن لدينا فئة من المثقفين بعض مكوناتها تتجه إلى تبني مفهوم المثقف الحقيقي ،أي أنها تقوم بمسؤولية الخطاب اتجاه مجتمعها ، فتكتب و تقرأ و تألف و تنتظم في مؤسسات المجتمع المدني و المجتمع السياسي .فلا يمكن أن ننكر بأننا في المغرب نتعامل مع فئة منالمثقفين، نقرأ لهم، نتحاور معهم ونعتقد أن هذا يمثل المطلوب من المثقف، لكن هذه الفئة أصبحت عمليا مواجهة من فئات أخرى تدعى الثقافة باسم نزول المثقف إلى المجال الواقعي، السياسي،التكنوقراطي، ونقصد بهذه الفئة، تلك التي تبرر الأوضاع بتبني شعارات لا يمكن أن تكون موضع نقاش حر أو موضع قبول من جميع المثقفين، مثلا، الذين يدخلون إلى بعض الأحزاب في اليمين أو اليسار وهم -بصفة واضحة- أطر ذات تكوين  عال، هؤلاء تجدهم في أحزاب يمين وأحزاب يسار وأحزاب الإدارة وأحزاب أخرى، فهناك "مثقفون" ينظرون ويدافعون عن الإسلام من وجهة نظر إسلامية، ويواجهون الحداثة ويحرفون مفهومها، وهناك مثقفون يرفعون شعار الحداثة وفي واقع الممارسة يكرسون الانتهازية، وهناك مثقفون وقفوا في موقع بين المنزلتين أي أنهم في الموقع العلمي والأكاديمي ينتجون خطابات حول الدولة المغربية وحول الوطنية والتاريخ والهوية والحرية..وما إلى غير ذلك ولكن مثل هذا المثقف يضع نفسه في موقع محايد بالخصوص من الناحية السياسية أي أنه ينظرنظرة المؤرخ إذا كان مؤرخا أو نظرة الفيلسوف إذا كان فيلسوفا، وهناك من ينظر نظرة التحليل الأدبي النقدي ليمارس نوعا من الترويج لبعض الكتابات ويدعي أنه يقوم بدور ثقافي لصالح الحقل الثقافي، وهناك من يريد أن يكون صاحب مقعد من خلاله يتوسط نيابة عن الكتاب والمثقفين والصحافيين وما إلى ذلك. كل هؤلاء هم موثقفون ،لكن الذي يقوم بدوره كمثقف حقيقي يظل دائما من الفئة القليلة التي ذكرتها في البداية . إذا المثقفون لم ينسحوا و لكن يتكيّفون مع الوضع ،و هناك من يتكيّف مع الوضع ،و يظل متمسّكا بمواقففه المبدئية و هناك من يراوغ و يميل إلى عكس ما ينبغي أن يقوم به المثقف ،أنا لا أسمي الآن المثقف مثقفا إلا إذا كان يدرك حقيقة الوضع الذي يعيشه المجتمع و متمكن من ثَقِيفَة تسعفه في فهم هذا المجتمع و يعرف مدى إمكانيات هذا المجتمع و ماذا يريد هذا المجتمع من خلال الإحساس بمتطلبات الإنسان سواء كان عاديا أو متعلما أو في أي موقع، بمعنى أنه يستشرف مستقبل هذا المجتمع إستشرافا إيجابيا لا أنه يريد أن ينكص به إلى الخلف، و كل من يريد تبرير الوضع الراهن أي يريد الرجوع بالمجتمع إلى الخلف يتخلى عن دوره كمثقف.


بصفتك من جيل الرواد  كيف تقيم عطاء جيل الشباب من كتاب القصة والرواية المغاربة؟
التعامل مع الأجيال ينبغي أن يكون تعاملا مدركا لحظوظ الحق و الحرية ولحظوظ الإبداع والفكر والعلم، وهذا المناخ يخلط بين حق، الحق في الحرية والحق في الشيء، بين حق العلم والإبداع يقع الخلط، فتجد أُناسا يعتبرون أنفسهم أحراراً في أن يكتبوا أي شيء، أن يبدعوا أي شيء، أن يقولوا أي شيء، بحكم أن لهم هذا الحق وأن لهم هذه الحرية، لكنهم ينسون أن هناك أيضا حدًّا ينبغي أن يلتزموا به.. عندما أبدع وأنا شاب من حقي أن أجرب، أن أعطي محاولات وهذا حق لجميع الناس، أن يحاولوا أن يبدعوا ولكن المجتمع ينبغي أن يكون أيضا فيه مدى من النقد لكي يوجد ما يحد ث فيه، هناك تجارب وتراكمات وخيرات موجودة في الزمن، وهي محيطة بنا ونعرفها، نحن نعرف أنه لا يمكن لأي شخص أن يغني كيفما شاء، من حقه أن يغني مع نفسه كما يشاء ولكن إذا أراد أن يكون فنانا له موقع في المجتمع وفي الثقافة، عليه أن يلتزم ، بعدد من الشروط، أن يكون على علم بالموسيقى، ألا يغني الكلام الساقط، أن لا يخلط بين نزا وته الشخصية ومتطلبات المجتمع، إذن هناك النوع من التراكم الثقافي الموجود الذي أنت تنسيه إلى الجيل الجديد و لكنه في الحقيقة في خلطه والتباسه يرجع إلى جميع الأجيال..،نحن نركز دائما على الشباب و كأنهم مرض جديد ،لا الشباب في كل وقت ينتجون و من حقهم أن ينتجوا ، و الزمن يغربل ،هناك من يستمر و هناك من يجد شفاء غليله في أشياء أخرى فيما بعد و ينسى، هناك من قد يصدرعشركتب ولكن كأنه لم يصدر شيئا، هذا مجال الحرية، لكن حينما ننظر إلى هذا الإنتاج من منظور المسؤولية أو إلى ما يمكن أن يعتبر قواعد لهذه الممارسة نجد أن أغلب ما يكتب هو محاولات نحن نتابعها و نقرأها ، أحيانا نترفع عن قراءتها، أحيانا نشجع أصحابها، أحيانا ننتظر أن تتطور هذه الكتابة، أحيانا نعجب ببعضها، و لكن عالما من الطبيعي أن يكون عالم الإبداع و الكتابة، عالم الإستثناء، فليست الكتابة هي التي تعطي القيمة و لكن الإستثناء فيها هو الذي يعطي القيمة، بمعنى أنه ليس هناك مشكلة أن يكتب الناس و أن يؤلفوا عشرات الروايات، كل من يمسك قلما يريد أن يكتب، و يكتب كما يحلو له، بعض الإستثناءات تحدث فيكتشف إسم أو عمل و ينتبه إليه المجتمع و يعطيه اعتباره في التداول و القراءة و النقد، و كثير كثير مما ينشر و يكتب لا يأبه به أحد و هذا شيء لا ينبغي أن  ننزعج منه، المشكل الذي يحدث في المغرب- وهذه هي المفارقة – أن بعض من يكتب وهو لا يملك شروط أو قواعد الكتابة يتمكن من الوصول إلى أماكن التحكم في غيره، بأن يؤسس مثلا جريدة أو مجلة أو جمعية ويصبح من الناس الذين يؤثرون، فيصبح مسكونا بهاجس فرض نفسه على الآخرين وفرض آرائه على الآخرين وفرض كتاباته وكتابة أمثاله على الآخرين، وهنا أنا لا ألوم هؤلاء بل ألوم أولائك الذين يسمحون لمثل هذه الممارسات أن تستمر بدون التوجيه والنقد والتنبيه، إذ يفترض أن لا يكون المجتمع فوضى، والثقافة ليست ثقافة الفوضى، هناك دائما عطاء وتراكم وتقاليد وأعمال أو ما يسمى في السسيولوجيا بالمحددات التي تضبط فعل  الثقافة، ليس هناك ممارسة اجتماعية إلا ولها ضوابط معينة.


يعرف اتحاد كتاب المغرب حاليا أزمة خطيرة لم يسبق أن مر بمثلها، ما رأيك فيما يجري حاليا في الإتحاد؟
إتحاد كتاب المغرب حاليا في وجوده يمثل إشكالا.. فهل الكتابة في حاجة إلى اتحاد للكتاب؟
لا أظن أن هناك ضرورة حاليا لوجود اتحاد كتاب المغرب وبهذه الصفات.. من الممكن أن يكون هناك اتحاد كتاب المغرب يمثل الكتاب ولكن أن يكون في الكتاب بمعنى أنه يستطيع أن يجمع هذا الجسم الذي يسمى الكتاب وأن يخلق بينهم شروط التواصل والنقاش والحوار ويخلق بينهم استعدادات للتعبير عن مواقف أو موقف جماعي، ما تراه في اتحاد كتاب المغرب خاصة بعد مرحلة الأشعري، أي خلال العشر سنوات الأخيرة، أن اتحاد كتاب المغرب أصبح يرادف المكتب المركزي للاتحاد كتاب المغرب، وهذا المكتب المركزي أصبح ينشط وينشط نفسه وبعض من يرتبط بهم من القلة فيكون اتحاد كتاب القلة، وهذه القلة لا تمثل الكتاب الحقيقيين، إنما بعض الكتاب أو أشباه الكتاب الذين دخلوا إتحاد كتاب المغرب في المؤتمرات الأخيرة، أنا أعتقد أن الكاتب الذي يمثل الكتاب ينبغي أن يكون كاتبا أولا وموضع ثقة وأن الذي يرشح نفسه للمكتب ليس في حاجة للمكتب بل ينبغي أن يكون الكاتب في حاجة إليه. فنرى بعض الناس يتطاولون بينما هم من المغمورين، هم من الذين اقتحموا حقل محاولة الكتابة ويريدون أن يفرضوا نفسهم على أنهم من يمثلون الكتاب، وهذا أمر لم يكن مقبولا من قبل، كان هناك مؤتمرات الاتحاد بقدر ما تفتح لائحة الترشيحات، فالتصويت يذهب إلى الأسماء التي لها وزن، أما الآن فانعدمت المعايير وانعدمت القيم، فنجد أناس لا يعرفهم أحد بما في ذلك الكتاب يصعدون في المكتب المركزي نتيجة تنسيقات وترابطات وعلاقات، أنا في نظري أن الإختلال أصبح بنيويا داخل ما يسمى اتحاد كتاب المغرب، قد تلومني بأنني عضو في اللجنة الإدارية لهذا الإتحاد، لماذا ؟ لأنني ما زلت أتوقع أن ينضج بعض الناس و يصحح البعض مواقفهم و تصرفاتهم، و لقد رشحت نفسي لهذه اللجنة الإدارية فقط من أجل دعم كل عمل إيجابي يمكن أن يقوم به هذا الإتحاد و للأسف أنه في أقصر فقرة بعد ترشيح ودخول المكتب المركزي وقع تفجير هذا المكتب، والسبب هي نوازع ذاتية، أولها نوازع الرئيس أي أن مفهوم الرئاسة طغى على مفهوم العضوية بينما يفترض من الناحية الديمقراطية أن المكتب انتخب من طرف المؤتمر والرئيس اقترحه المكتب بينما لا سلطة لأحد على المكتب...



 
  طنجة الأدبية (2009-12-31)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

د.محمد الدغمومي ل

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia