محاكمة-عبدالواحد محمد (مصر)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

محاكمة

  عبدالواحد محمد    

نعم تختلف ثورة الفكر عن ثورة السياسة بكل مداها النفسي والعقلي والتأملي لتحرك فينا حياةمليئة بالتساؤلات التي تدفعنا صوب هدف حقيقي بدلا من الغوص في عالم الطائرات.
حياةمليئة بالتساؤلات التي تدفعنا صوب هدف حقيقي بدلا من الغوص في عالم الطائرات والقاذفات والقنابل الذكية وغير الذكية بلغة القصيدة والحوار والإبداع لنقهر بها الطغيان والخوف من البوح كل مساء ؟
وفي تراثنا العربي ثورات فكرية مكبوتة وحميدة إذ احسنا التعامل مع مصادرها كتابا وأدباء لنسلط الضوء علي كينونتها بعمق ووعي بدلا من النسيان والصمت لعلها تعيد بعضا من الحب المفقود والعدالة الغائبة !
ولشكسبير في مسرحيه ( العين بالعين ) رؤية جديرة بالبحث والوقوف عندها لما يعنيه جيدا من فلسفة العدل والتي جاءت حوارا علي لسان أمير أراد أن يخبرحال امارته متنكرا فجاء بمن ينوب عنه أثناء غيبة زعم أنها سفرإلي بلد آخر وما هو في الحقيقة بسفر بل تبديل ثوب بثوب فيخالط الناس وكأنه أحدهم فيذوق بنفسه حلو الحياة ومرها ..فأوصي نائبه ذاك بقوله ( ألا أن السماء لتفعل بنا ما تفعله نحن بالشموع فنحن لا نضئ الشموع لذاتها وكذلك حسنا تنا اذاهي لم تنشر ضوءها في الناس فهي عدم من العدم ؟
وعلينا أن نعيد لحياتنا قدسية إنسان فقدناه تحت مؤثرات وهمية لا تحقق سوي الدمار وكأنها ثورة الثورات التي ستغير نا بلا منطق وعدل !
وأتذكر ما قاله المفكر الكبير الدكتور زكي نجيب محمود في هذا السياق
( فالثورة الفكرية هنا هي أن تبدأمع الناس من مرحلة الصفر فتصدمهم بما لا يتوقعونه قائلا أن الانسان وصنوف الحيوان سواسية حتي اذا ما بهتوا لقولك ثم زالت عنهم آثار الدهشة بعد حين كان هينا عليك بعدئذ أن تقنعهم بما أرته وهو أن أي انسان كأي انسان أمام الله وفي ساحات القضاء وفي الطرقات والمطارات ومكاتب البريد ومخافر الشرطة ومعاهد العلم ودواوين الدولة وأمام ضباط الجمارك والضرائب
وهكذا ؟!)
وأجد مالفت نظري عزيزي القارئ في الجزء الثاني من رسائل اخوان الصفا ما استوقفني حقيقة لكي اسجله هنا وهي ( محاكمة بين بني الانسان وأنواع الحيوان
اذ ترفع هذه الأنواع الحيوانية شكاتها إلي ولي الأمر مما تعانيه من عنت الانسان رافضة أن يكون للأنسان فضل عليها من حيث انها هي وهو معا صنعة الله ؟
فيسأل ولي الأمر بني الانسان ماذا يقولون دفاعا عن أنفسهم ؟
ويجيبون بما يظنونه مؤيدا لموقفهم من أيات القرآن الكريم لكن الحيوان سرعان ما يقدم تأويلا لهذه الآيات يبين أن الانسان قد جاوز حدود الحق حين فهمها علي الوجه الذي فهمها به !
وأما ولي الأمر هنا فلا هو انسان ولا حيوان ليكون محايدا في نظرته وحكمه بين المتخاصمين ؟
ونجد هنا ملك يدعي ( بيراست الحكيم ) والذي جعل مقر أقامته في جزيرة حبلي بالثمار والبحر والجمال الخ وحدث ذات يوم أن طرحت الرياح العاصفة مركبا من سفن البحر إلي تلك الجزيرة وكان علي المركب قوم من التجار وأهل العلم فخرجوا من مراكبهم إلي أ رض الحيوان من بهائم وأنعام وطيور وسباع ووحوش وهوام وحشرات وكان الكل يألف الكل ويأنس له فاستطاب القوم الجزيرة وما عليها وا تخذوها لهم موطنا وأخذوا يبنون و يعمرون ويبنشطون بحيائهم علي نحو ما أعتادوا في بلادهم أن يفعلوا ولم تأخذهم عندئذ ريبة من أنفسهم حين أرادوا استخدام ماشاءوا أن يستخدموه من صنوف الحيوان لكن هذا الحيوان الذي لم يألف شيئا هذا من قبل هو الذي أفزعته هذه المصيبة التي نكب بها من حيث لايدري وأراد التمرد ولكن هيهات أن يترك الأنسان له زماما بعد أن أمسكه بكلتا يديه
وهكذامن فصول هذه المحاكمة بين الحيوا ن والانسان فعلينا أعادة صياغة واقعنا بلغة فكر قبل أن تبتلعنا فصول أخري من محاكمات ظالمة ولاتعرف شفقة ورحمة لأننا خرجنا اليوم من لعبة القط والفآر ولم تعد لنا شفاعة فتمزقت كل القصائد واصبح منها وهراء لايثمن من جوع فهل نعي لغة العصر ونفيق من غيبوبتنا المزمنة ونقف معا كما كنا في مواجهة كل العقول الماجنة  لكي نسترد  روح العصر بيقين بدلا  من البحث عن شماعة أخطأء  لكل كوارثنا الثقافية تحت مظلة  عناوين بائسة  فربما نقدر حقيقة عجز الرجال وطيش النساء  ولكن الوطن أهم من كل الفلسفات  اليتيمة والشاردة  إذا علينا بمحاسبة  النفس ومحاكمة العقل العربي  علي أهماله لجيل وأجيال  لكي يقبع في عالم  الدجل والدجالين  فمنا الكثير والكثير الذي لايعرف  لمرضه شفاء  ألا عند   التمرجي  وبائع اليانصيب  والساحر الذي لايعرف يشفي إدني عله له ولاسرته إذا كان له أسرة   فما أحوجنا  اليوم إلي عودة  الكتاب العربي الأصيل إلي كل ديارنا لكي نسترد العقل والأرض المغتصبة  بدلا من  محاكمة  الهواء  علي الملا  وكآننا  نعيش العصر بلغة مقلوبة  ؟!



 
  عبدالواحد محمد (مصر) (2010-01-05)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

محاكمة-عبدالواحد محمد (مصر)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia