مــن أول الــســطـر..-الســعيد مـرابــطي/الــجزائــر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

مــن أول الــســطـر..

  الســعيد مـرابــطي    

                 أنـظر.. كـيف جــرت الأمـور  عـلى نـحـو غــير متــوقـع! تـراهـا بـوادر
 كـسـادك الأولـى مــنـذرة   فــي الأفــق ؟ أم  دب ســوس عــارض يـمـتص الرحــيق.
فــما عــادت رغــبــاتــك الــخــالصة محضرة لــديــك ؟ هــا أنت تــرى بــأم عــيــنك مــا يــحــدق بــك . انقــضى نـــصـف سـاعــة شـــطـبـت خــــلالها خــمـسة أســطر عـلى ورقــــة عـريـضة.  لـم يـــنج مــن ســن قــلـمـك ســوى نــصف ســـطر!..
               - نــصـف ســطر بـنـصـف ســـاعة !؟..لا..لا!..أنـــا كـــاتـب فــاشــل بـــكــل الــمـقـايــيس.!  قــلـت ذلـك بـعـصـبية فـيها حــنـق. لــو لا حـــرص شـــديد بــدا عــليـك، وقــــد حـــسـمـت أمــرا تــعــلق بـنـــشـر مـا ســتـكـتـب بــمـجـلة أنـــــوثة.*

               لاســـتـرداد مــزاج ، تـنـظر إلى الــمـنـحـوتــة الــــساكـنـة  علـى يــسار مكـتـبـك . بــين الــفــيــنة والأخــرى ، تــمـرر أنــامــلك علـى تـــعـرجــات شـــكـلها الأنــثــوي ووجـهها الــوضـاء . ثــم  تــسـيح...ألـــيس  لـكــل هــــذه الــفـتـنـة مــن طــيـبة تــرجــى  ووفاء يــــذكـــر ؟
 لــولا تواطؤ حــصل بــيــن أزمــيل وفــنــان، لـما تــم هــذا ولا مــكــن للــفــتــنة أن تــنـفــث ســحــرها إلى أغــوار الــناظــر إلــيــها. وإلا مــا ســر هــذا الــحــجــر الـذي ســكــنت بــه أنــثى تـــضـع الــذكــر فــي مــتـنـاول ألــــف رغــبـة للــعــثــور عـــلـــيها ؟...

              تــتـدارك غـــرضـك ، تــضـغـط مــن جــديـد علـى الـــقـلم .تـــديـر شـــريـطا قـــديـمـا فـي الـــجـهـاز .تــنـسـكـب أغـــنية عـــاشــرتـك أعـــوامـا..تــسـعـفـك كــلما انــتهت بــك حـــال إلـى فـــشـل.
تــفـرغ شــحـنة مــفــتوحة...جمــلـة مــرتــبة الــســياق.. تـهـلــل! تـــطـاوعـك فــقـرة جــديـدة ، تـتــمــاســك .تحدق في الحروف فـتـبـدو  مـتــزحــلــقة لا تـسـتـقر فـوق الـسـطـور.. خـــشـخـشـة مــحـسـوسـة فــي الـــورقـة . بـطـل الأحجية يـنطـح الــبياض. يـصـر على الــنـفـاذ خـارج الجمـود..يــرغـب فـي حــق وجـود ، وقــد يــجــد حـــيلة يــفـتـك بـها خـــلاصـه. مــن يــدري لــعـله يـــكـفـر عــن ذنــب مــا ؟..
يــتحـرر مـن نـعـوتـك، يــتــسـلـق نـزوة مـن نــزواتـه . يــنـط  خــارج الــورقة هــازئــا مـنك ومن عــدمـيته الأولى وحـياد غــير مــبرر. كالــريح يــصــعق دفــة الــباب  خلــفه ! يــــدلف زحــمة شــارع  حــاشـد كــزكام.     
              إيــقاع الــمـديـنة يـضـبطه بــندول ساعة الــسـاحة الــمتــأخر عــن الـوقـت بــربع سـاعة. هـو ذا يــشــم صــباحا رائـحة الــبــحر ، الـباعـة والـخـضـروات. يـنـفـلت مـن صــخب إلى زقاق لا يـعـلم عـنه شـــيئا. مــسـمـيات وأحـلام قـديـمة اسـتـفـاقـت تـشـحذ طــوافــــه بـــالـمـديـنة. ذاكــرتــه تــبـرم تــحالـفـاتها ..تـعـرضـه علـى جـــغـرافيا فــضاءات جابها من قـبل . خــبـر أحـداثـها حــتى. بــه رغــبة في اســتنـطـاق فحــولــته، وإقـحــامـها فــي الــمـــعـتــرك وهو يـعـقـد على شــيء مـا. بـعد أن جـابه فــكـرة ســقوط حـــر وخـيـبات فـعـلن ما فعـلن فـيه.. تــلكم خـصومه الـــقـدامــى!...

              بــدوائـر مـاضـيه تــنـفخ ريـح فــتـعـلق شـــوكة بــحـلقه. يـشــتـد به غـيظ، يــحـفز كــل نـقـطـة مـن كـيـانــه على مــا يــرسم. يــمـضي وعـيـنه على الــمارة تـــرصد ملامحها عبر وجـوه الــنـسـوة عـســـاه يعثر عليهــا بـيـنـهن .وصــلته بـــشـأنها أخـــــبار فــتـحت بـصـدره فـوهـة تـــفـور. رسـكـلت لـديـه استعدادات لا تـقاوم  ومـشـاعـر لا تـوصف. حــاجة لـترمـيم أضـرار شــطبت دفــئا مــحسـودا..نــسـفـت أمــاني وتــركـت أيــامه قــفــرا يــعــوي.
              الــزحــمة ،الــضــجــيج ،تــعرجــات الســير وأشــياء أخــرى مــكــنت للإعياء من أن يـربــكــه . انـزاح قليـلا عــن شارع مـزدحـم, حـتى يــرتب نفــسا عــاقه تـشــويـش أحاط برأسـه. انــزوى إلــى مــقـعد بـحـديـقة صــوفـيا*. جــلـس يفــتــش عــن نــفسه، عـلـق مـن حــيث لم يــشـعر بــهـالــة مشــعة مـن حــول زوجــين بـرفقــة طــفلـهما، يوزعــان الــســعادة بــمــقدار!.. جــذبــه مــغــنــاطــيس الحــبــور.. تــاه فــي شــوارع أيــامــه وأبــوابـهـا الــخــلـفـية... تــدحــرج...
              ... انفــتــحت لــه بــاب أوصــد تها ريــاح..راح يستــرق الــســمع ... نحـنــحــة أب حــنون وخــــيال أم  تــونــون بأغــنــية لحــفــيد يغالـبه الـنــعاس. الــسـقف الـذي يأوهيهم  لا يـخـفي  بــعــض مــخـاوف. لــولا طموح يـقف فــي وجــه وســاوس. حــرص الــوالــدين، ووحيدهما صـاحب الـطـموح الــكــبير،  جـعل   إيقاع الــبيــت لا يــخــلو من نــغــمة تــفاءل لــئـلا يــتــسـلـل للــزوجـة نـشــاز
- لا قــدر الله- فــتنــقطع عــن اســتــقبــال أغــنــيات ظل يــغــزلها لــها دون سواها. لــكــن قــوســهــا ظــلت تنحو خــارج مــدار أمــانــيه. تــمـد وتــرا لــريــح صــمــاء.حتى انــفـرطــت حــبات الـعـقـد!..


             الـمـديــنة تــمور.. ابــتــلــعــته كــكــل الأشــياء . تعــرج فـــي الأزقــة . الــتــوى. خـفـض فـي الإيــقاع .  صــعــد شــارع ديـدوش* . حــدث نــفــســه بــعـقل مــثــقــف : حــافــظ عــلى تــوازنك بــمــحــيط مــا عــادت بــه تــوازنــات ، واثــبــت  أيــها  الـ ...؟
             الـســــيــر عــلى رصــيـف هــذا الــشــارع لــه ضــوابــط  مــســتــوردة. الــراجــلون يــنـســلون لا يــدري مــن أيــن ! الأيــادي مــثـقــلة بــأكــياس وحــاويــات ذات طــراز رفــيع.. الألــوان الـــصـاخــبة تـزرع ألـف فــضول.  المـــحـلات، بــواجـهاتـها الــمــغــرية تــبــطل حــســن السـير. المعـروضات فــخمــة والأثــمــان باهــظة. زبــائــن هــذا الــشــارع مــلــهــمون ..لا يــفـقــدون تــوازنــات. أنــاقــة الــنــسوة والـرجــال مــلــفوفــة فــي الأكياس،لا يـقـبـلون تـنـازلا عــنها .
             ديـــدوش*..الــيوم يــلــهــج بــلــغة مســتــهــجنة ويـتـقـمـقـم*  بـلــبـاس لا يــشــبه تــاريــخ هــذا الــبلد فــي شــيء.
             وهو فـي ســكرته بين المــتناقــضات، تــغــشاه أصــناف من الــعــطر والصـندل الموقـظ للـفــتــنة، تــســمــر لــيس يــدري لــماذا ؟ ينــظر إلى الـرصـيف الــمقابـل وقشـعــريـرة  تسري فــي بدنه . قـاعة الــشاي الــمزركــشة بـروادهــا تـعــيش طـقــوسها . أمـام بــاحـتهــا الــمـبــلـطة،  وقــفــت هـي بــلا حــركــة . زائــغا يــنــظر إلــيــها ..مشــدوهــة تـحـمـلق فـي وجهـه... تــطـايــرت الأوراق ...
        
    هــــــــو: 
مــن سيــصـدق بــأنني أفــرغــت يــدي من كــل شــيء ؟ ومــحــتــمل أيــضــا بــأنــني خــسرت مــا تــبقى مــن فــضــول أدى بــي إلــى مــا أنــا عــليه الآن. رأيــتك حــينما صادفــتك بــشــارع الــحــياة، شفــيفة نــديـة ومــغــريــة.
غــرقــت فــي يــنابــيعك ســرا وعــلانــية. بــدا لي الــعالم وقـتذاك أجــمل مــما كــان. رفــعــت رأســي لــقــبة الــسماء كــأنــما أبــحــث عــن تــوصــية حــتى لا أخــسر شــعــوري الظامئ للــهــوى والــجــمال. ولـربما حــرصــت عــلى اخــتزال الــطــريــق الــشــاق ودفــعــت بــقـدمي فــي كل الجــهــات . كنت جـبـيـنا يــتــفــصد. رأســا تـتــســلق الآمال..قــلــبا يـستـبق خــضــر الــمــنى الــدافــئة.
ونــشــرت خــطوي أزرع الــحــلم بعــزمــي والآمــال تــكــبــر أكــثر!.حــتى بــتَ أعلـقك ألماسة على صــدري مثـلمــا يـفـعل الـجندي الإغريــقي بـألماسته تبــركا بــنــصر مــأمــول فـي معركــة .
بــنــيت الــعش، أمــرتــك عــلى أقطارا لقلب.وقــلــت لــولا تبرين  بــوالــدي .وهويت من عــلـــيائك لأن الــسفــح ظــل  غــوايــتك ومــرتــع نــزقــك!..
واكــتـويــت وحــيدا بــوجع هذا الألم .. كـبــعــض شــمس فــي الـماء الــبــارد!
 فهــل ما زال هــناك شــبه وهــم يــبيــح انــصــياعــي لكــذا الــتــزامــات أخــرى كــائــنا مــا    كــانت.

         هــــــــي:
ذا أنــا أعــترف بعــد فــوات الأوان، بــأنني امرأة اســتهــوتــها مغــامرة خــســيــسة شــنــيعة الــعواقب، عــلى إثــرهــا ضــيعت رجــل قــدرهــا الــجـميل.  فــهــل ادعــي الــيوم بــأنني لــســت مــحــظــوظة ؟ أم  تــرانــي جــانــبت الــحظ  بــمــحض إرادتـــي  وأنــا أعــلم أنــك أول وآخــر رجــل أحــبــني وخــذلــته ؟!



لــيــتــك تــســامــحــني  عــن كــل تــشــويه أصــابك بــســبــبــي! أو عــلى الأحــرى لــيــت بـمقــدوري أتــســلل إلــى دواخــلك حــتى أرمــم مــا انــكــسر وأنــســحب بـلا ضـجـيج !..
لــســت فــي حــاجة لإخــبار . لقد امتــص رحيــقي ذلك الــمقــاول ودفــع بــي إلــى الــشارع لــيــلا وبــلا شــفــقة. يــحــق لــمــثلــك أن لا يــهــتم لأمــري. بــعد أن
تــخــليت عــلى الــجــنة الــتي قــدمــت إلــي، لأ ســتــعر بــجــحــيمه هــــــــو  
وغــطــرســته.
 فــي كــل الأحــوال، إن وضــــعي ا لآن مــفــتوح على التــلاشي
و الــمــتاهــة. 

        - لــم أعــهــد  لــك عــادة شــرب الــشاي بــكــل هــذا الــتـلـذذ!
        - لا تــــســتــقر الــدنــيا كمــا تــريــن عــلى حــال .
بيــنما كــان يــتــفرســها منذ أن جلــسا إلــى طــاولة أنــيقــة يــرشــها انــســياب مــوســيقى حــالم تــموضــعـت بــإحــدى زوايــا الــقــاعة الــسانــحة لــرؤيــة الــباحة الــخارجــية. تــساءل بــغـرابــة :- كــم تــغــيرت مــلامــحها وكـم تــلــونت بــتلون هــنــدامــها!..
         - مــا هــذه الــمــصادفــة الــتي رمــت بــك حــد ديــدوش ؟
         - مــهــمــا تــحــايل الــنــاس فـالــعالم صــغـيـر.
وهــو يــجــيــبــها عــن ســؤالــها، لــم تــحـتـمل عــدم اكــتراثــها أكــثر من ذلــك،انــدفــعـت فــي لــهــفة تــســتــفسر عــن صــبــيها الــذي تــركــته بــمحــض إرادتــها لــه وخــرجــت مــن الــجنة طــوعــا.
         - كــيـف هــو حــال ابننا مــراد ؟ وقــد غـالبـتها غــصة ابـتلعــت عــمق صوتــها.
         - مــراد؟.. قــاوم اشــتـياقه إليــك ولم يــحــتمل الــفراق إلــى أن انتــهى.
         امــتــقــع وجــهــها وانمــحت صــورة الأشــياء أمــامــهــا بــفــعل الــدمـــوع.
         - مــــات ؟!..مــتى ولـــم لــم تــخــبرنــي؟ جحــظ فــيــها ولــم يــعــلق.
         فــي حــين تــوقفــت ســيارة فــاخرة أمــام الــمقــهى أشــار إلــيها أحــدهــم، وقفــت دون اســتــئــذان. ظــل هو يــراقــبها مــن مــكانه ، وفـي رأسه تــتسـابق الــتكـهـنـات .         
شــديــدة الارتــبــتك رجــعت مشـــتت الأفــكار لــتأخــذ مــكــانــها من جــديد لــكــنه
طــلــب الانــصراف  .
         تــذكــر وهــو فــي طــريق الــعــودة أن والــدتــه أوصــتــه بــأن يــقــتني
لــعــبة لابــنه مـــراد فـفعل بــغــبطة لا مــتــنــاهــية.                                
         فــي نــهار الــغد  قــرأ فــي الــصــحف: تــم إلــقــاء القبض عــلـى عــصــابــة
تتــاجــر بالمخــدرات بــيــنهم امــرأة هـي زوجــة لأحــد المـقاولــين الكــبار.
 .....................        
        كــان يــمشــي تــحــت الــمطر، أشــفــقت  عــلــيه وقــد قــررت أن تــمنــحه   
مــطــرية وتــســتـدرجــه للــداخــل، غــير أنــه بــلــغ مــنــطــقة الــتــجــاوز، فــلــم يــقــبل ورفــض تــمــكــيــنك مــن سـحــبه إلــى مــنــطقــة ورقــتك الــعريــضة.  
                                                                                                                        
                                                                      
                                                                
                                                                                                                         

------------------------------
                                                              
- حديقة صوفيا : حديقة بالجزائر العاصمة
- ديــــــــدوش : البطل الشهيد ديدوش مراد.
- يــتـقـمـــــقــم : (بتــسكين حرف الــتاء ) ،  جزائــرية محــكية بـمعنى يظهر الأبــهة



 
  الســعيد مـرابــطي/الــجزائــر (2010-01-14)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مــن أول الــســطـر..-الســعيد مـرابــطي/الــجزائــر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia