قصة قصيرة وطن الخبز الأسود-محمد مباركي / وجدة - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

قصة قصيرة
وطن الخبز الأسود

  ذ. محمد مباركي    

رضعت من حليب أمي حبا  لوطن لم أره ، لما فتحت عيني أول مرة على هذا الوجود ، قالت لي أمي
 و ربع  من الحقد ، خنقني ، ألم تعلموا أني أحسست بالغربة في وطن الآخر ؟  ".
 " أدهشتنا بصراخك الحاد عند مولدك  "  ، قلت " يا أمي  ألم تعلموا أني  استنشقت هواء ملوثا بقرن
 و ربع  من الحقد ، خنقني ، ألم تعلموا أني أحسست بالغربة في وطن الآخر ؟  ".
تملكت أمي الدهشة من هذا الإحساس المبكر، قالت " من أين لك بهذا الإحساس يا صغيري ؟ "
قلت " يا أمي العزيزة قد  تملكني الإحساس بالغربة في بطنك في شهري السابع ، هل تدرين أني كنت أسمع و أضحك و أبكي ؟ كانت الكلمات تصل إلي واضحة وضوح وجهك البدري ، كنت تقولين
 " أن الخبز الأسود  في وطني أحلى من الخبز الأبيض في غيره ، و اللقيمات فيه أحلى من العسل المصفى في غيره،و سحنات أهله أوسم من كل السحنات ، و حتى عرق أجسادهم ، وقد اختلطت بتربة الحقول، أزكى من عبير الأقحوان ، فهم مني و أنا منهم . صحيح هذا؟. فردت بصوت مكسور
" صحيح .. صحيح.."
وطني لفظ أجدادي فتركوه غير آبهين، فارين من المسغبات و التيفوس و الترتيب الجائر و نظام الالتزام ،  منهم من ترك أطفاله في الشعاب ، ومنهم من مات في الطريق، و منهم من وصل إلى وطن الآخر في هجرات توالت  مع السنين ،  يجترون ذكريات وطن طوقه الاستعمار و خدام أعتابه الأوفياء .
  أكل أجدادي أوراق الأشجار و جذور نبتة " تابكوكة " الحارة قبل أن يأكلوا  الخبز الأبيض للوطن الجديد  حتى  ألفوه  و  نسوا الوطن و خبزه الأسود . كانوا يشتاقون للذين خلفوهم وراءهم في الوطن،
 و الذين أبوا الخروج منه ، كانوا  يلتقون بهم   في أحلامهم الليلية ،أين كانت تلتقي الأرواح المتحررة من الأجساد .
رأيت جدي لأبي  يتساءل بمكر
"الوطن؟ عن أي وطن تتحدثون ؟ الوطن الحقيقي ها هنا " ، وضرب الأرض بقدمه و  عصاه ، و حفن تراب أرض الآخر و قبله حتى علقت حبيبات التربة بشاربه  التركي الكث .
 و الكل قال مثل ما قال " الوطن الحقيقي هاهنا وطن الخبز الأبيض". و حملق جدي في وجه ابنه الأكبر
و سأله سؤالا و هو يعلم إجابته ،  "قل لي أين جعنا و أين شبعنا ؟" فرد عمي بثبات  ،
" جعنا هناك و شبعنا هنا "  فقال جدي " الوطن مع الشبع إذن " .تهلل وجه عمي المنغولي و ابتسم في بلاهة المجاذيب و هز رأسه كبغل .
  و رددت  أنا  - ابن العاشرة –  مقولة أمي " لا ، ليس  هذا هو الوطن الحقيقي ، بل الوطن هناك وراء الأسلاك الشائكة ، وطني ، علمني أن خبزه الأسود أحلى من الخبز الأبيض في غيره ، ". و هربت من جدي إلى جدتي  و أجهشت بالبكاء الصادق في حضنها ، هدهدتني و مسحت وجهي ، فعلقت دموعي مالحة بباطن كفها ، و تمنيت أن تبقي كفها  لأشتم رائحة الحناء . أحنت رأسها و تطلعت إلى وجهي المبلل و قالت بهمس  " صدقت يا صغيري، فالوطن هناك وراء الأسلاك الشائكة  الحاقدة ، حقد هؤلاء الذين نحن بين ظهرانيهم ، طعم خبزه الأسود ليس كمثله طعم ، و نسمات هوائه أرق من أي النسمات ،
 و ترحيب كلابه بأصحابها ليس كمثله ترحيب ، وذودها عن الديار و وفاؤها صادق ليس فيه خداع ، حتى أهله بكرمهم  الحاتمي ، يدعون الله أن يأتيهم بضيف يقاسمونه  طعامهم حتى و إن كان خبزا أسودا و زيتا و تينا مجففا   ، هؤلاء هم أهلي و أهلك يا صغيري  في وطني  ، حتى وان كان وطن كذا ..  فهو وطني .
تعلمت الدرس و أقسمت بأغلظ الأيمان أن أعود إلى وطني ، و من أجل ذلك  حرضت جدتي و أمي و أبي  و كل أعمامي، إلا عمي الأكبر صاحب الوجه المنغولي على عصيان جدي الذي ربط الوطن بالبطن.
و هددنا بسلاح تقليدي معروف " دعوة الشر" ، قلت " ألبسها يا جدي عباءة من أجل وطني ".
انبهر الجميع بشجاعتي التي قتلها فيهم جدي عبر السنين. قال لي
 " من أين لك بهذا العصيان أيها المارد ؟ "
 و ضربني بعصاه فألمني، لكني بقيت على إصراري بعناد .



 
  محمد مباركي / وجدة - المغرب (2010-03-17)
Partager

تعليقات:
yassmine /maghreb 2011-03-10
arwa3 9essa 9araetoha fi hayati jamila jedan chkran ya ostadi 3ala hadehi l9essa jazaka llaho khairan walaka ljanah encha allah
البريد الإلكتروني : fati_92isly@hotmai.fr

نورالدين عبدي /المغرب 2010-10-22
قصة جميلة يا
البريد الإلكتروني : didi_paris@msn.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

قصة قصيرة
وطن الخبز الأسود-محمد مباركي / وجدة - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia