جاموسة العياط-سلوى الحمامصي/مصر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

جاموسة العياط

  سلوى الحمامصي    

كانت خيوط الغسق توشك على أن تنسج ضياءها فى سماء قرية العياط ،على قضبان السكة الحديد ،جثا على ركبتيه محتضنا الجسد الأسود الضخم وقد إنطفأت أنواره، أخذ يهز جاموسته بشكل هستيرى غير مصدق ما رآه بعينيه منذ ثوان، انفجر منتحبا بعد أن تتحسس دمائها بيده وقد تأكد من موتها ، آه يا ربى، لا حول ولا قوة إلا بالله.
بسرعة نزل من مقدمة القطار، السائق ومساعده، و هما بمساعدة صابر على النهوض من فوق جثة الجاموسة، عوضك على الله فيها، قدر ولطف.
انطلق صابر باتجاه الرجلين وهو يقبض على قميص أحدهم من منكما السائق، أنت؟أنت قتلتها؟ قتلتها؟ منك لله يا شيخ؟ منك لله؟
قال الرجل الآخر، أمر الله يا حاج، حقك علىً يا أبويا، لم أتبين جاموستك من بعيد، فأعمدة النور زى ما أنت عارف عطلانة.
تركهما صابر وعاد إلى حيث تقبع جاموسته جسدا خامدا بعد أن كانت تملأ الأرض ركضا وخوارا، يذكر يوم ولدت عزيزة، تابع هذه العملية عن كثب، فرح كثيرا بميلاد الجاموسة الصغيرة ،طار ينقل الخبر لأبيه فى الغيط، تهللت أسارير الأب، ألقى بالفأس إلى الأرض، وانطلق وراء إبنه صابر إلى الدار، فحص الجاموسة المولودة،وربت على ظهرها بحنان، نظر إلى إبنه قائلا، مبروك عليك الجاموسة يا صابر، هذه ستصير لك ، خلى بالك منها، طار من السعادة، جاموسة بحالها له، سيرعاها بنفسه ويأخذ باله منها جيدا، لم يكن أحد غيره يقترب منها، يطعهما بيده، يحممها، ويلاعبها، أليست جاموسته ، يعرف كلمة أبوه ، لا ترد، عزيزة كانت غالية عليه، أخته، أو ربما ابنته، أعرف مدى تعلق صابر بها، عندما أقعد المرض أبوه ، انضم إلى أخيه الأكبر فى فلاحة الأرض،لم يكن عائد البسيط الذى تأتى به أرضهما بكافية لنفقات المعيشة وعلاج الأب، عرض بعض رجال قرية جزرا شراء عزيزة الجاموسة، قالوا أنهم يريدون المساعدة، رأيت صابر وهو يقف لهم معترضا: معندناش جاموس للبيع.
هل يبيع عزيزة؟ إنها ليست مجرد جاموسة، كانت رفيقة الطفولة،شاهدة على تراهات الصبا ، أحيانا كنت أراه يسحبها فى طريقه من الغيط إلى الدار، خيل إلىَ أنه يتحدث إليها،
حتى بعد مجىء طفله الأول، ظلت مكانة عزيزة فى القلب كما هى، بل كانت تتربع فيه ،خاصة كلما ذات الخير من ورائها، ذاق وأسرته خيرا كثيرا من عزيزة، غير أنه سمح لزوجته أن تشاركه فى الإعتناء بها، كانت تحلبها، وتصنع الزبد والجبن، وتحتفظ بما يلزم للبيت وتبيع الباقى، عزمنى صابر ذات يوم فى دارهم، تأكدت من صحة قوله بأن حليب عزيزة لا ينافسه نوع آخر، كل هذا يجعلنى أشعر جيدا بمدى فاجعته فى فقدان عزيزة فى حادث قطار العياط المآساوى،
رأيت أحد الضباط يقترب من صابر الجاثم على جسد عزيزة ، محتضنا إياه:
سأله الضابط: هل تشكو من شىء؟ أأنت بخير؟
لم يرد صابر، كانت عيناه الحزينتان سارحتان ، وكأنه لا يدرى بمن حوله.
أمر الضابط بعض معاونيه بحمل صابر إلى سيارة الإسعاف.
لكن يدا صابر ظلت معلقتان بجلد جاموسته، لا يقوى على فراقها،
حاول الضابط سؤاله من جديد : هل أنت صاحب هذه الجاموسة؟ هل أنت مصاب؟ هل لك أقارب فى القطار؟

كان أهالى الضحايا من ركاب القطار يتوافدون على المكان ،تعال صراخ وعويل ، واعتراضات من الأقارب، كان الضابط الكبير يطمئنهم بأنه قضاء الله، وأن هناك تعويضات كبيرة ستصرف لأسر الضحايا، سمعت آخرين ينظرون إلى صابر أيضا يتحدثون عن إن كان صابرصاحب الجاموسة أم لا؟ خشيت أن أنطق،لا أعرف إن كان سيحملونه وجاموسته مسؤلية ذلك الحادث البشع؟ هل سيصرفون له تعويضات كباقى أسر الضحايا من الركاب؟ أم سيعتبرون له يدا فى ارتكاب هذا الحادث؟
تنبهت على صوت أحدهم يهرول نحو صابر ويركع جواره وهو يحتضنه: صابر أخويا، مالك يا أخويا؟ فيك شىء؟
ومن ورائه تجمهر بعض أفراد قرية جرزا وهم يوجهون حديثهم للضابط، : والله صابر مالوش ذنب يا بيه، والجاموسة دى مش بتعته أبدا، ولا بتاعة حد فينا، منعرفش جتنا منين؟!!!

فكر فيما سيفعلون به إن عرف إنه هو صاحب الجاموسة؟ هل سيوجهون له تهمة التآمر لقلب قطاريى العياط؟



 
  سلوى الحمامصي/مصر (2010-04-15)
Partager

تعليقات:
سلوى الحمامصى /مصر- الإمارات 2010-04-18
شكرا إيمان، كانت هذه مسودة للقصة وأخذت رأى الأصدقاء فيها كى أضيف أو أحذف منها، ولكن يبدو أنى ساتركها هكذا، فلازلت أشعر بأنى لا استطيع إضافة حرف آخر لها..القصة تحكمنا،أحيانا تقف عند حد معين وترفض الحركة، وأحيانا تسترسل وتأخذنا معها.
البريد الإلكتروني : salwam36@hotmail.com

Eman Bekheet /Egypt, Alexandria 2010-04-18
what about translating it? hv u ever thought of that?
البريد الإلكتروني : emanbekheet@yahoo.com

Eman Bekheet /Egypt, Alexandria 2010-04-18
بجد قصة تحفة و بتعكس الواقع البشع اللى بنعيش فيه. اولا انا حابة استخدامك لبعض الكلمات مثل " الغسق و اسم الجاموسة عزيزة" الغسق ينذر بالسواد و الظلمة التى سيعيش بها صابر بعد فقدان عزيزة و التى يوحى اسمها بمدى حبه و تعلقه بها.ترمز عزيزة الى كل ضحية تترك ورائها من يتجرع آلام الحسرة و حتى لا يستطيع الإفصاح عما بداخله مخافة ان يتعرض الى الإيذاء. عجبتنى ا... See moreلجزئية دى اوى"فكر فيما سيفعلون به إن عرف إنه هو صاحب الجاموسة؟ هل سيوجهون له تهمة التآمر لقلب قطاريى العياط؟" حيث انها تكشف عن مدى الخوف الذى يكبر بداخلنا مما يدفعنا الى السكوت عن ابسط حقوقنا و انها ايضا تكشف عن نظرية المؤامرة و التى هى الأخرى تنمو بداخل عقولنا...... و لست ادرى الى اين سنصل من جراء هذا التفكير. بصراحة انا قريتها مرة واحدة سريعا و لكنى اعرف جيدا اننى اذا قرأتها بتمعن مرة اخرى سأجد العديد من النقاط التى تناولتيها خلال هذه القصة. حلوة اوى و عجبتنى بجد
البريد الإلكتروني : emanbekheet@yahoo.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

جاموسة العياط-سلوى الحمامصي/مصر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia